239 عامًا على صدور الدولار.. التاريخ الخفي للعملة الخضراء في بلاد العم سام
![الدولار الأمريكي - أرشيفية](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2024/7/05/210-210017-dollar-how-currency-appear-dominate-world_700x400.jpg)
مائتان و39 عامًا مرت على اعتماد الدولار كعملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية. تلك العملة التي تتحكم الآن في أغلب اقتصادات العالم.
ففي السادس من يوليو/تموز عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار ليكون العملة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية.
ويحتفل مجلس الاحتياطي الفيدرالي كل عام بهذه المناسبة، لاسيما أن أبرز مهام البنك الفيدرالي هي إدارة الدولار، وهو العملة الرئيسية لبلاد العم سام لما يزيد عن مائتي عام.
والسؤال الآن كيف بدأ التفكير في عملة الدولار لتصبح العملة الرئيسية الأمريكية؟ وكيف تحولت العملة الخضراء لتكون العملة الرئيسية التي تهيمن على التعاملات والأسواق.
أصل القصة
في عام 1620 أبحرت سفينة تحمل اسم مافلاور من روثرهيت في شرق لندن إلى العالم الجديد وقتها "الولايات المتحدة الأمريكية"، وكان على متنها منشقون دينياً يبحثون عن أرض جديدة عبر البحار، أخذ هؤلاء معهم في البداية ذهبا وعملات إنجليزية، لكنهم لم يكونوا من الأثرياء، وسرعان ما نفدت أموالهم.
أصبح هؤلاء المستوطنون الجدد عاجزين عن شراء الغذاء وجلود الحيوانات واحتياجات أخرى من السكان الأصليين للقارة الأمريكية.
وفقا لكتاب (العملة الخضراء: الدولار القوي واختراع أمريكا) للمؤلف جاسون جودوين فإنهم ذلك الوقت "لم يكن لديهم نقود عند وصولهم وأصبح التبادل أمرًا محرجًا بين المستعمرين أنفسهم، وبدأوا في استخدام المقايضة للتعايش، لكن بعد وقت قصير ظهرت تبادلات معقدة".
- إيلون ماسك يحذر بيل غيتس بسبب حلم الـ«30 تريليون دولار»
- الطرح الجديد لشقق الإسكان الاجتماعي 2024 في مصر.. الشروط والأوراق المطلوبة
واكتشف المستوطنون بعد وقت قصير من وصولهم أن أنواعًا معينة من الأصداف كانت ذات أهمية رمزية للكثير من السكان الأصليين، وبناء عليه أمكن تبادلها مع المستعمرين الإنجليز مقابل ما يحتاجونه من أشياء، مثل الغذاء.
كيف ظهر الدولار؟
وانتشر في المستعمرات الشمالية استخدام الذرة وأسماك القد في المقايضة، وفي المستعمرات الجنوبية كانوا يفضلون التبغ في المقايضة، ويقول جيسون جودوين إن قيمة التبغ كانت تتذبذب بناء على نجاح المحصول، وكانت هناك بعض المشكلات فيما يتعلق بالتبغ، وهى أن الأوراق كنت تخزن ثم يجري تداولها، وكانت تجف ما يسبب ارتباكًا لأن العملة تكون متدهورة للغاية، وفقًا لحالتها، وبالتالي تفقد قيمتها، واختلفت في ذلك الحين أسعار السع حال استخدام عملة مثل الذهب أو الفضة أو قطع النقود من نوع ما، بدلا من استخدام الأصداف.
لم يكن أمام المستعمرين الأوائل خيارات بديلة للمقايضة خاصة أن السلطات البريطانية رفضت السماح بتصدير النقود الذهبية والفضية، ورفض السماح للمستعمرين بسك عملاتهم الخاصة، فبالتالي كان عليهم استخدام العملات الإسبانية التي كانت تتداول وقتها في الولايات المتحدة، وحتى أوائل القرن التاسع عشر.
- مضاربة وتهريب عملات.. «المركزي اليمني» يكشف كوارث الحوثي
- 13 مليار دولار استثمارات قطر في روسيا.. خطط لتعميق التعاون الاقتصادي
وفي نهاية المطاف، فإن التشدد الذي اتبعته السلطات البريطانية والأعباء التي فرضتها على المستوطنين أدت لحدوث قطيعة كاملة مع الجانب البريطاني
وفي 1776 أصدر المستعمرون إعلان الاستقلال الشهير ونجحوا بعد حرب طويلة في إلحاق هزيمة بالقوات البريطانية في عام 1783، ما أدى لخلق 13 ولاية متحدة كانت تعيش فوضى مالية.
وفسر بنيامين فرانكلين أحد الآباء المؤسسين للثورة ضد بريطانيا ما حدث قائلا: "الكونغرس الأمريكي أصدر كمية كبيرة من الأوراق النقدية لدفع قيمة الملابس والسلاح وطعام الجنود وتجهيز السفن، دون دفع ضرائب لمدة ثلاث سنوات، لقد حاربوا وهزموا واحدة من أشد الأمم قوة في أوروبا."
كانت الأوراق المالية تحمل اسم كونتننتالس، وسميت باسم المجلس القاري الذي كان مسؤولا عن إعلان الاستقلال، والذي كان يدير الحرب ضد بريطانيا، لكن مع انتهاء هذه الحرب أصبحت أوراق الكونتننتالس لا قيمة لها، وكان لزاما على الجمهورية الجديدة وضع نظام اقتصادي ومالي على نحو عاجل.
وفي عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار في السادس من يوليو/تموز لتكون عملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة.
وقرر الكونغرس أن يكون النظام عشريًا ليعادل الدولار مئة سنت، غير أن خلافات دبت بين أعضاء الكونغرس أدت إلى تأخر سك العملة في أمريكا حتى عام 1792.
وبعد سبعين عاما تحديدا منتصف الحرب الأهلية في عام 1862 استطاعت وزارة الخزانة الأمريكية طبع أوراق الدولار باللونين الأسود والأخضر ليظهر الدولار في عالمنا.
كيف هيمن الدولار على العالم؟
في الفترة ما بين عامي 1946 و 1971 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على استبدال الذهب بسعر ثابت يبلغ 35 دولارا للأونصة، ليتحول الدولار لعملة احتياطي وصرف في كافة دول العالم دون منازع، حيث تهافتت البنوك المركزية وقتها على الدولار لتكوين احتياطياتها، لاسيما أن ودائعه كانت مستقرة تمامًا مثل الذهب، فضلًا عن سهولة إداراتها وتحويلها من عملة لأخرى.
ووقتها ظهر أن الأمريكيين ينتجون ذهبًا عندما يطبعون بعض الدولارات.
وجاء بعد ذلك بنك فرنسا بشكل منهجي في عام 1965 وقام باستبدال كافة كميات الذهب لديه إلى دولار قبل أن تفاجئ أمريكا العالم في 15 أغسطس/آب 1971 دون تنسيق مسبق مع أي من حلفائها، بإنهاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب.
ومنذ عام 1973 الذي تميز بارتفاع شديد في أسعار النفط (المادة الخام التي تصدر فواتيرها بالدولار فقط)، ظهرت مشكلة الـ"بترودولار"، عندما أصبحت المبالغ الهائلة التي تنتجها أسواق الطاقة تستثمر كأولوية في الأسواق الأمريكية، ما وفر ميزة نسبية لاقتصاد الولايات المتحدة، وأدى إلى إحباط كبير بين شركائها الأوروبيين.
اليورو يحاول كسر الهيمنة
في عام 1999، تم إطلاق اليورو كعملة عالمية، لكنها لم تتمكن من تحدي عمق وسيولة أسواق نيويورك بسبب عدم وجود خزانة أوروبية موحدة. وبالتالي، فإن اليورو لم يتمكن من إزاحة الدولار عن مكانته كعملة احتياطية وصرف رئيسية في العالم.
وبشكل مفاجئ، أدت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى تعزيز قيمة الدولار، على الرغم من أنها كانت نتيجة مسؤولية الولايات المتحدة بشكل أساسي. حتى أكد الرئيس باراك أوباما في مؤتمر صحفي عُقد في مارس/آذار 2009، أن الدولار سيظل العملة المهيمنة في التجارة العالمية والاحتياطيات، وذلك بناءً على أسباب سياسية وليست اقتصادية، حيث أشار إلى "استقرار وشفافية نظام الحكم في أمريكا" كأسباب لهيمنة الدولار.
يدرك الجميع كيفية عمل ميزانية الولايات المتحدة والاحتياطي الفيدرالي والنظام المالي. ومع ذلك، تظل النظم المالية الصينية غير شفافة.
وبالتالي، يظل الدولار هو الملاذ الآمن الأول الذي يلجأ إليه المستثمرون في حالات الأزمات المالية العالمية، حتى لو كانت تلك الأزمة بدأت في الولايات المتحدة، كما حدث في 2008-2009 عندما تم إعادة تقييم قيمة الدولار مقابل اليورو والين.
وحتى اليوم، يمثل الدولار 59% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية (بالمقارنة مع 72% في عام 1999).
على الرغم من ذلك، قام الأمريكيون بتحويل عملتهم إلى سلاح للضغط السياسي، وخلقوا -بشكل غير مقصود- حركة عالمية "لخلع الدولار الملك".
أهمية الدولار في النظام المالي العالمي
منذ القرن العشرين، أصبح الدولار الأمريكي العملة الرئيسية في التجارة الدولية والاحتياطيات الأجنبية.
ويُستخدم الدولار في حوالي 88% من جميع تداولات العملات الأجنبية في جميع أنحاء العالم، مما يبرز أهميته في الأسواق المالية . بالإضافة إلى ذلك، تمتلك البنوك المركزية حول العالم ما يزيد عن 60% من احتياطياتها بالدولار الأمريكي.
والدولار يشكل أيضاً جزءاً كبيراً من العقود الدولية في مجالات مثل النفط والطاقة، وحوالي 40% من ديون العالم مقومة بالدولار الأمريكي . هذا الاستخدام الواسع يعزز من استقرار النظام المالي العالمي.
التحديات التي تواجه الدولار
التحديات الاقتصادية:
1. التضخم والركود الاقتصادي:
يواجه الاقتصاد الأمريكي حالياً تحديات تضخمية قد تؤدي إلى ركود اقتصادي. معدلات التضخم المرتفعة تقلل من القوة الشرائية للدولار، مما يضعف الثقة به كعملة احتياطية.
2. الدين العام الأمريكي ومستويات العجز:
بلغت مستويات الدين العام الأمريكي أرقاماً قياسية تجاوزت 31 تريليون دولار، مما يثير قلق المستثمرين حول قدرة الولايات المتحدة على سداد ديونها .
3. السياسات النقدية للفيدرالي الأمريكي:
تغير السياسات النقدية للفيدرالي الأمريكي، مثل رفع أسعار الفائدة، يؤثر بشكل مباشر على قوة الدولار وأسواق المال العالمية.
4. العجز التجاري الأمريكي:
بلغ العجز التجاري الأمريكي أكثر من 800 مليار دولار في العام الماضي، مما يعزز من الضغوط على الدولار .
5. ارتفاع تكاليف الاقتراض:
ارتفاع تكاليف الاقتراض يؤثر سلباً على الاقتصاد الأمريكي ويضعف الدولار .
التحديات الجيوسياسية
1. تأثير النزاعات الدولية والتوترات التجارية:
النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتوترات الجيوسياسية في مناطق مثل الشرق الأوسط وأوروبا تؤثر على استقرار الدولار.
2. المنافسة مع العملات الأخرى:
تسعى دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز مكانة عملاتها (اليوان واليورو) كمنافسين للدولار في الأسواق العالمية .
3. دور الدولار في العقوبات الاقتصادية:
استخدام الولايات المتحدة للدولار كأداة في فرض العقوبات الاقتصادية يعزز من النفور من استخدامه بين الدول المتضررة، مما يدفعها للبحث عن بدائل.
4. تعزيز اليورو كعملة احتياطية:
الاتحاد الأوروبي يعمل على تعزيز اليورو كعملة احتياطية عالمية لتقليل الاعتماد على الدولار .
5. تدويل اليوان الصيني:
الصين تسعى لتدويل اليوان وزيادة استخدامه في التجارة الدولية، مما يشكل تحدياً للدولار .
التحديات التكنولوجية
1. ظهور العملات الرقمية وتقنيات البلوك تشين:
الابتكار في مجال العملات الرقمية وتقنيات البلوك تشين يمثل تحدياً جديداً للنظام المالي التقليدي الذي يسيطر عليه الدولار .
2. المبادرات الحكومية لإنشاء عملات رقمية للبنوك المركزية (CBDCs):
تتسارع الحكومات في تطوير عملات رقمية مركزية كبديل للعملات الورقية، مما قد يغير ديناميكيات القوة المالية العالمية .
3. التوسع في استخدام التكنولوجيا المالية (FinTech):
التوسع في استخدام التكنولوجيا المالية يعيد تشكيل الخدمات المالية التقليدية ويقدم حلولاً جديدة في مجالات مثل الدفع الإلكتروني والتحويلات المالية.
4. العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs):
العملات الرقمية للبنوك المركزية قد تقلل من الاعتماد على الدولار في المستقبل .
5. البدائل الآمنة للتحويلات المالية:
تقنيات البلوك تشين توفر بدائل آمنة وسريعة للتحويلات المالية التقليدية، مما يغير مشهد الخدمات المالية .
الفرص أمام الدولار
1. استمرار الهيمنة في ظل الأزمات العالمية:
في أوقات الأزمات، يظل الدولار ملاذاً آمناً للمستثمرين، مما يعزز من قيمته واستقراره.
2. التحالفات الاقتصادية والتجارية الجديدة:
التوجه نحو إنشاء تحالفات اقتصادية جديدة قد يعزز من دور الدولار في التجارة الدولية .
3. الابتكار المالي والتكنولوجيا المالية:
التطور في التكنولوجيا المالية يمكن أن يدعم الدولار من خلال تقديم حلول مبتكرة في مجالات مثل الدفع الإلكتروني والتحويلات المالية.
4. استثمارات الأصول الأمريكية:
الاستثمارات الأجنبية في الأصول الأمريكية تدعم قيمة الدولار وتعزز مكانته في الأسواق العالمية.
5. قوة الاقتصاد الأمريكي:
استمرار قوة الاقتصاد الأمريكي يعزز من مكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية.
السيناريوهات المستقبلية
1. تحليل السيناريوهات المحتملة:
تتراوح السيناريوهات المستقبلية للدولار بين الحفاظ على هيمنته العالمية إلى تراجع تدريجي في مكانته لصالح عملات أخرى أو أشكال جديدة من العملات الرقمية.
2. تأثير السياسات الحكومية:
السياسات الاقتصادية والنقدية للحكومة الأمريكية والفيدرالي ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الدولار .
3. توقعات الخبراء والمحللين الماليين:
تختلف التوقعات، حيث يرى بعض الخبراء أن الدولار سيظل قوياً بفضل الاقتصاد الأمريكي القوي، بينما يتوقع آخرون تراجعاً تدريجياً بفعل العوامل المذكورة .
4. السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة:
سيناريوهات متفائلة تشير إلى استمرار قوة الدولار، بينما السيناريوهات المتشائمة ترى تراجعاً في مكانته.
5. دور الابتكار والتكنولوجيا:
- الابتكار في التكنولوجيا المالية والعملات الرقمية قد يكون له تأثير كبير على مستقبل الدولار .