الدولار يتلاعب بالجنيه في 44 يوما.. ماذا فعلت "تراس" بالاسترليني؟
استقالت ليز تراس من منصبها كرئيسة لوزراء بريطانيا بعد أقصر فترة في تاريخ المملكة المتحدة، ظلت المرأة مسؤولة لمدة 44 يوما فقط قبل إجبارها على الخروج من داونينج ستريت.
شهدت فترة ولايتها أسوأ الاضطرابات الاقتصادية منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث خططت مع وزير ماليتها كواسي كوارتنج (أقيل في 17 أكتوبر/تشرين الأول) لإدخال مجموعة كبيرة من التخفيضات الضريبية غير الممولة في ميزانية مصغرة، دفعت معدلات الرهن العقاري إلى أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية عام 2008.
كما أدت أجندة تراس الاقتصادية إلى انهيار قيمة الجنيه الاسترليني، حيث سجل مستوى قياسيا منخفضا مقابل الدولار.
على غير العادة، كان رد فعل العملة البريطانية إيجابيا على إعلان رئيسة الوزراء استقالتها.
ماذا فعلت ليز تراس للاسترليني خلال 44 يوما، وماذا يتوقع للجنيه بعد رحيلها؟
انخفض الجنيه إلى أدنى مستوى له في 37 عاما في أعقاب الميزانية المصغرة لحكومة ليز تراس، وفقد 2% من قيمته مقابل الدولار، ليسجل 1.10 دولار، وأصبح الدولار يساوي 92 بنسا، وفقا لـ"NationalWorld".
حتى في الأسواق الآسيوية تراجع الاسترليني في 26 سبتمبر/أيلول، إلى 1.03 دولار فقط قبل أن يرتفع إلى 1.07 دولار عندما فتحت الأسواق الأوروبية.
شهدت الأسابيع التي تلت الميزانية المصغرة عودة الجنيه إلى ما كان عليه قبلها، وتحديدا بعد أن أعلنت الحكومة إلغاء التخفيضات الضريبية.
ثم عاود الجنيه الانخفاض مرة أخرى، مع انتهاء الدعم الذي قدمه بنك إنجلترا لسوق المعاشات التقاعدية وإقالة وزير المالية كواسي كوارتنج، بينما أدت استقالة ليز تراس إلى انتعاش قيمة الاسترليني، حيث قفزت العملة بنسبة 1% تقريبا في أعقاب إعلانها مباشرة قبل أن تنخفض مرة أخرى.
الآن، تتجه الأنظار إلى من سيحل محل تراس، وما سيعلن عنه وزير المالية جيريمي هانت من خطة مالية في عيد الهالوين، وهي خطة ستأتي مع تقييم مستقل للوضع المالي في المملكة المتحدة من مكتب مسؤولية الميزانية (OBR).
وسط كل هذه الأحداث، لا يزال الاسترليني دون المستوى الذي كان عليه في نهاية أغسطس/أب عندما كانت قيمته 1.16 دولار، وهو أدنى مستوى في 6 سنوات، وفي بداية عام 2022، كان الجنيه الاسترليني يساوي 1.35 دولار.
لماذا ينخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار؟
يرتبط أداء عملة أي دولة بشكل مباشر بتوقعاتها الاقتصادية، ببساطة، فقد الجنيه قيمته لأن المستثمرين لم يكونوا متفائلين بأن المملكة المتحدة ستسيطر على التضخم وترى نموا اقتصاديا مع ليز تراس، حيث كانت رئيسة الوزراء تعتمد على فكرة أن النمو الاقتصادي سيدفع تكاليف التخفيضات الضريبية.
تفقد العملات قيمتها عندما تنخفض الثقة بها وتحدث معاملات أقل، وهو ما يعني أيضا أنه من غير المرجح أن يكون أداء الاقتصاد بنفس القوة، وفي المملكة المتحدة، تعني أزمة تكلفة المعيشة أن الناس في جميع أنحاء البلاد يقلصون الإنفاق، وهو أمر سيئ أيضا للشركات.
في حين أظهرت التوقعات أن التضخم سيبلغ ذروته بمعدل أقل بكثير مما توقعته المؤسسات المالية مثل بنك جولدمان ساكس، نتيجة حزم دعم فواتير الطاقة، يشعر المستثمرون أن التخفيضات الضريبية ستبقي التضخم أعلى لفترة أطول.
يتوقعون أيضا أن يضطر بنك إنجلترا إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر في محاولة للسيطرة على التضخم. من المرجح أن يرتفع السعر الأساسي مرة أخرى في الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي (MPC) في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.
يتوقع بعض المستثمرين أن تصل أسعار الفائدة في المملكة المتحدة إلى 6% على الأقل في عام 2023، مع تزايد الاحتمال بأن يقوم بنك إنجلترا برفع سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية في اجتماعه المقبل للجنة السياسة النقدية.
تعني أسعار الفائدة المرتفعة ارتفاع تكلفة اقتراض الأموال، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الناتج الاقتصادي حيث تشعر الشركات بأنها أقل قدرة على التوسع والاستثمار في عملياتها.
ومما زاد الطين بلة، أن فرص حدوث ركود بدأت في الظهور بشكل متزايد في المملكة المتحدة.
سبب آخر وراء انخفاض الجنيه مقابل الدولار هو قوة الاقتصاد الأمريكي، بصفتها منتجا رئيسيا للنفط والغاز، فإنها لا تتعرض لنفس الضغوط التضخمية التي تتعرض لها أوروبا نتيجة اعتمادها على واردات الطاقة الروسية.
لماذا ارتفع الجنيه بعد استقالة تراس؟
ارتفع الجنيه في أعقاب خطاب استقالة ليز تراس في 20 أكتوبر/تشرين الأول بنسبة 1% قبل أن يتراجع قليلا.
عادة تكره الأسواق حالة عدم اليقين في السوق، لكن الأسواق نظرت لاستقالة تراس بشكل إيجابي، وانتقلت أعين المستثمرين إلى من يتولى منصب رئيس الوزراء الجديد وحقيقة أن الأمر سيستغرق أسبوعا فقط، وهو ما ساعد في إزالة حالة عدم اليقين على المدى الطويل.
ماذا يعني انخفاض الجنيه؟
عندما تنخفض قيمة الجنيه الاسترليني مقابل العملات الأخرى، فإن التغيير الفوري الذي سيلاحظه الناس يأتي عندما يسافرون إلى الخارج.
تاريخيا، كان الجنيه الاسترليني أكثر قيمة من معظم العملات الرئيسية الأخرى، وهذا يعني أن السائحين والشركات البريطانية يمكن أن ينفقوا أقل عند الشراء على أرض أجنبية.
لكن الجنيه أصبح تقريبا مثل اليورو والدولار، نظرا لأن المملكة المتحدة مستورد صاف للغذاء والوقود، ويعني الجنيه الأضعف أن الأسعار من المرجح أن ترتفع، خاصة بالنظر إلى حقيقة أن النفط والغاز يتم دفعهما مقابل استخدام الدولار.
يمكن القول إن أكبر مشكلة مع ضعف الجنيه هي على المستوى الحكومي، حيث سيكلف الاقتراض المزيد من الأموال لأن الاسترليني ضعيف، ومن المرجح أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة لدعم قيمة العملة.