صديق أم عدو؟ ستارمر يسير على حبل مشدود بين أوروبا وأمريكا

لم يكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ينجح في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي بشأن أوكرانيا، حتى بدأ كل شيء ينهار.
فبعد تلقي ترامب دعوة من الملك تشارلز يدعوه فيها إلى نوع رفيع من الزيارات (زيارة دولة)، وضع ستارمر يده على كتف ترامب وكأنه صديق أو قريب للتأكيد على توطد العلاقة بينهما، فيما كان الوفد البريطاني ينظر بقلق.
وبالمعنى المباشر والمدروس، أعطى ترامب لستارمر، الذي مهد الطريق بشكل جيد من خلال الالتزام بزيادة الإنفاق الدفاعي في المملكة المتحدة، كل ما كان يمكن أن يتمناه - وأكثر.
وكان ترامب قد أشاد بموقف رئيس الوزراء التفاوضي القوي بشأن الرسوم الجمركية، وأشاد بالعلاقة الخاصة، الماضية والحاضرة والمستقبلية، بل وأعجب حتى بـ«اللهجة الجميلة» لستارمر، قائلا: «كنت لأصبح رئيسًا قبل 20 عامًا لو كانت لدي هذه اللهجة».
لكن بعض الأشخاص الذين لديهم معرفة بسلوك ترامب على مر السنين، وكيف يتحول من مزاج وطريقة عمل إلى أخرى في غضون ساعات أو حتى دقائق، لاحظوا أن بعض الأمور المهمة للغاية تُركت غامضة وغير محلولة بشكل مثير للقلق، فلم يكن كل شيء على ما يرام كما قد يبدو للوهلة الأولى، بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية.
الافتقار للتفاصيل
كانت هناك مجالات تفتقر بوضوح إلى التفاصيل؛ أحدها يتعلق بمطالب أوروبا وأوكرانيا بأن توفر الولايات المتحدة دعمًا أمنيًا في حالة التوصل إلى أي اتفاق سلام بوساطة ترامب. وقال أحد المصادر البريطانية: «لم يكن هناك شيء في هذا الشأن. لم يحصل ستارمر على أي شيء».
كان هذا الغياب الصارخ هو نفسه الذي تم الكشف عنه بعد أقل من 24 ساعة في اجتماع آخر في المكتب البيضاوي والذي سار على العكس تمامًا من هذه السلاسة. هذه المرة أدى ذلك إلى خلاف متفجر بين ترامب ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، اللذين كانا جالسين على نفس الكراسي في البيت الأبيض حيث كان ستارمر وترامب.
وقال مصدر في وزارة الخارجية البريطانية إن شعور البريطانيين بالرضا عن أنفسهم بعد اجتماعهم مع ترامب أمر مفهوم. وأضاف المصدر: «إذا كان ترامب في مزاج مضيف جيد، حيث قيل له كل ما يريد سماعه، فمن المحتم أن يعتقد الناس أن الأمر سار على ما يرام، لكن ربما كان هناك بعض التحيز للتفاؤل، فقط لأنه كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ بكثير».
وهذا ما ثبت؛ ففي يوم الأحد، بعد ثلاثة أيام فقط من مغادرته البيت الأبيض في ظل علاقات طيبة على ما يبدو مع الرئيس الأمريكي، يستضيف ستارمر زعماء أوروبيين في لندن ــ نفس الزعماء الأوروبيين الذين لم يضيعوا أي وقت ليلة الجمعة في إرسال رسائل دعم قوية إلى زيلينسكي بعد «الإذلال» الذي تعرض له على يد ترامب ونائبه جيه دي فانس، بحسب «الغارديان».
وبينما خرج اجتماع المكتب البيضاوي أمام الكاميرات عن مساره ــ بعد أن حاول زيلينسكي أن يفرض وجهة نظره بشأن الضمانات الأمنية، وأخبره ترامب «إنك تخاطر بحرب عالمية ثالثة» ــ دفنت السفيرة الأوكرانية أوكسانا ماركاروفا رأسها بين يديها. وبمجرد مغادرة وسائل الإعلام، ورد أن ترامب وفريقه ظلوا في المكان بينما ذهب زيلينسكي وحاشيته إلى غرفة أخرى.
ولم تفلح الجهود الأوكرانية لإعادة المحادثات إلى مسارها، فقد ألغى البيت الأبيض غداء عمل ومؤتمرا صحفيا مشتركا وتوقيع اتفاق من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة قدرة أكبر على الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا. وطُلب من زيلينسكي المغادرة.
ثم تجمع أكثر من 100 صحفي جنبًا إلى جنب على ممر خارج الجناح الغربي للبيت الأبيض لمشاهدة الرئيس الأوكراني يغادر في سيارة رياضية سوداء. صاح مراسل تلفزيوني أسترالي في المسؤولين المغادرين: «كيف تشعر بعد اجتماع المكتب البيضاوي؟ هل تم إحضارك إلى هنا للإذلال العلني؟»
دعم أوكرانيا
ومن بين الأوروبيين الذين ساندوا زيلينسكي كان فريدريش ميرز، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني الذي فاز حزبه بأكبر حصة من الأصوات في الانتخابات الفيدرالية في فبراير/شباط الماضي. ونشر ميرز تغريدة عبر حسابه بمنصة «إكس»، قائلا: «نحن نقف مع أوكرانيا في الأوقات الجيدة والمحنة. يجب ألا نخلط أبدًا بين المعتدي والضحية في هذه الحرب الرهيبة». وفي يوم السبت، التقى ستارمر بزيلينسكي الجريح في لندن وكانت رسالته هي نفسها.
«من الصعب حقًا مواكبة التطورات. أعتقد أن كير يدرك مدى صعوبة أن يكون جسرًا بين ترامب وأوروبا»، كما لاحظ أحد الوزراء البريطانيين.
فقبل اجتماع الأحد، الذي سيحضره زعماء فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا والدنمارك من بين دول أخرى، ودول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك كندا وتركيا وأوكرانيا، أصدر ستارمر بيانًا يميل إلى الأوروبيين بشأن أوكرانيا. عندما تكون في روما، افعل كما يفعل الرومان. وقال المتحدث باسم زيلينسكي أيضًا إن الرئيس الأوكراني سيلتقي بالملك أثناء وجوده في المملكة المتحدة.
وقال ستارمر: «بعد مرور ثلاث سنوات على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وصلنا إلى نقطة تحول. اليوم سأؤكد دعمي الثابت لأوكرانيا وأعزز التزامي بتوفير القدرات والتدريب والمساعدات لأوكرانيا، ووضعها في أقوى موقف ممكن».
وفي الأيام المضطربة التي أعقبت فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية العام الماضي، حاول المسؤولون الأوكرانيون شحن أنفسهم بجرعة أمل. فقد كانوا يدركون أن ترامب متقلب المزاج ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، لكن ربما كانت صفات ترامب الشهيرة في إبرام الصفقات تعمل لصالحهم، كما استنتجوا، بعد ثلاث سنوات من الصراع المضني مع روسيا.
الآمال تبخرت
لكن أي أمل متبقِ في أن يدعم ترامب بلادهم، أو حتى يتصرف كوسيط عادل بين موسكو وكييف، مات أمام أعينهم يوم الجمعة. فتحولت زيارة زيلينسكي إلى البيت الأبيض إلى أعظم «كارثة دبلوماسية» في هذا القرن، بحسب «الغارديان».
ففي هجوم مشترك، اتهم ترامب وجي دي فانس زيلينسكي بعدم احترام أمريكا. ثم أعلن ترامب أنه طرد زيلينسكي من المبنى. وفي يوم السبت، اقترح ترامب وقف جميع المساعدات العسكرية لكييف بسرعة.
ويخشى كثيرون في أوكرانيا أن يكون القادم أسوأ. ويحاول المهندسون الأوكرانيون جاهدين إيجاد بديل لنظام ستارلينك، وهو نظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الذي يملكه مستشار ترامب إيلون ماسك، والذي يلعب دورا حاسما في ساحة المعركة.
وبدونه، قد تفقد الوحدات الأمامية لقطات المراقبة المباشرة التي تلتقطها طائرات بدون طيار. وفي الوقت نفسه، إذا أوقفت الولايات المتحدة تدفق البيانات الاستخباراتية، فسوف تكافح أوكرانيا لتحديد وتدمير أهداف العدو، بما في ذلك تلك الموجودة في عمق روسيا.
aXA6IDE4LjExOC4xNjMuMjMzIA== جزيرة ام اند امز