دنيا بطمة.. موهبة استثنائية في "الخروج عن النص"
كانت البدايات الأولى لدنية بطما في إحدى المسابقات الغنائية التي نظمتها القناة الثانية المغربية عام 2010، ونالت فيها إعجاب المتابعين
تمتلك صوتاً قوياً وشجياً، وعلى الخشبة تتميز بحضور قوي. يُمكنها غناء الخليجي، والمصري مع العربي الكلاسيكي. تُبدع في أداء الأغاني المغربية، الشعبي منها، والكلاسيكي أيضاً.
قالت عنها الفنانة الإماراتية أحلام، إنها تُذكرها بنفسها. وحينما سُئل عنها الموسيقار المغربي نُعمان لحلو، علق قائلاً: "دنيا بطمة لا يُمكنني مناقشتها فنياً، إنها رائعة جداً"، مضيفاً: "لديها طاقة فنية، وهي نجمة لا محالة". فيما لقبها المطرب اللبناني راغب علامة بـ"أميرة أراب آيدل".
كيف لا تحوز كُل هذا الحضور وهي سليلة عائلة فنية تركت بصمات لا تزول في التاريخ المُوسيقي للمغرب، عمها محمد بطمة أحد رموز فرقة لمشاهب الشهيرة في المغرب، وبنت عمها خنساء بطمة فنانة تسحر الكثيرين، والمرحوم العربي بطمة اهتزت الجماهير على غنائه رفقة الفرقة الأسطورية "ناس الغيوان"، وجرت الدموع أودية عند وفاته.
لكن حُضور دنيا بطمة الفني وموهبتها التي لا يُجادل فيها اثنان- ناهيك عن الرصيد الفني العريق لأسرة يسري الفن في دمائها وتتناقله عبر جيناتها- لم يحول دون أن تضع نفسها محط انتقاد كبير، وهجوم أكبر.
من عمليات التجميل المتتالية مروراً بتفاخرها المستمر بأموالها وصولاً إلى اتهامها بالتورط في خلية للتشهير بالفنانين ونشر فضائحهم، تعددت محطات دنيا بطمة المُثيرة للجدل، التي قد تفوق المحطات الفنية لمسيرتها الغنائية.
إصرار ومثابرة.. فزواج وشُهرة
كانت البدايات الأولى لدنية بطما في إحدى المسابقات الغنائية التي نظمتها القناة الثانية المغربية عام 2010، والتي نالت فيها دنيا إعجاباً وتشجيعاً كبيرين من المتابعين، إلا أن كُل ذلك لم يُساعدها في الظفر باللقب، إذ تم إقصاؤها خلال نصف النهاية.
فيديومن بدايات ظهور دنيا بطمة في برنامج استوديو 2M
لم تقف مسيرة دنيا عند هذا الحد، بل واصلت المحاولة تلو الأخرى للدخول لعالم الفن والغناء من بوابة المسابقات الغنائية، لتكون سنة 2013 على موعد مع التألق في برنامج "آراب آيدل" منذ أول تجربة أداء.
وحصلت دنيا على إجماع لجنة التحكيم، المكونة آنذاك من الفنانة أحلام، وراغب علامة، بالإضافة إلى المنتج والموزع الوسيقي حسن الشافعي. كما استمرت خلال المسابقة في جذب تشجيع الجمهور وجذب أصواتهم، قبل أن تحصل على المرتبة الثانية بعد المصرية كارمن سلميان، وأعقبها في المرتبة الثالثة السوري فرح يوسف.
فيديو لمرحلة تجارب الأداء في برنامج عرب آيدل
بعد عامين من الإعلان عن نتائج أراب آيدل، وتحديدا عام 2013، ستعيش دنيا بطمة نقطة تحول جذرية في حياتها، الفنية أو الشخصية. خاصة بعد إعلان حبها للمنتج البحريني محمد الترك، والد الفنانة البحرينية حلا الترك.
هجوم وتلاسن
منذ إعلان زواجها بمحمد الترك، والذي كان مدير أعمالها في الوقت نفسه، وضعت دنيا بطمة نفسها في مرمى سهام الانتقادات من طرف الكثيرين، خاصة أولئك الذين اتهموها بالتسبب في طلاقه من زوجته الأولى، لكن ما سيزيد الطين بلة، هو التلاسن الحاد بينها وطليقة زوجها.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه لتقوم بالرد بشكل وُصف بـ"غير المهذب" و"القاسي" على جميع منتقديها على إنستقرام، خاصة أولئك الذين يتهمونها بتفريق شمل الأسرة، والتسبب في حرمان حلا التي كانت طفلة آنذاك، من العيش وسط استقرار العائلة.
لكن دنيا في المقابل، كانت دائماً ترد: "ليس ذنبي أنه أحبني".
واستمرت المواقف المثيرة للجدل لدى دنيا بطمة، والتي كان أغلبها مقروناً بـ"تفاخرها المستمر بالثروة التي تعيشها"، فتارة تنشر صورة لهدايا باهضة الثمن، وأحياناً تتحدث عن سيارتها الفاخرة.
الفيديو لحفل العقيقة الخاص بابنة دنيا بطمة
وكانت عقيقة ابنتها غزل، محط جدل كبير، وصفها البعض بـ"الأسطورية" و"الفخمة"، وآخرون قالوا إنها "مُبالغات لا فائدة منها"، خاصة أنها نُظمت بعد تجاوز الطفلة السن الذي اعتاد فيه المغاربة إقامة هذا النوع من الحفلات، وهو سبعة أيام إلى شهر على أقصى تقدير.
وما إن تخرج دنيا من ملف مُثير للجدل، لا تغيب طويلاً حتى تغرق في ملف أكثر جدلاً من السابق، والتي كان آخرها، تورطها مطلع العام الجاري، في شبكة للتشهير بالفنانين، وُجهت إلى المتابعين فيها تُهم ثقيلة، قبل أن تحصل على السراح المؤقت بكفالة قدرها 10 آلاف دولار تقريباً مع منعها من مغادرة التراب الوطني.
ووجهت المحكمة للمتهمين في الملف، تهما تتعلق بـ"المشاركة في الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال، والمشاركة عمدا في عرقلة سير هذا النظام وإحداث اضطراب فيه وتغيير طريقة معالجته، وتوزيع عن طريق الأنظمة المعلوماتية أقوال أشخاص وصورهم دون موافقتهم، وكذا بث وقائع كاذبة قصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص قصد التشهير بهم والمشاركة والابتزاز"، كل حسب المنسوب إليه.
وحتى الآن لا تزال المحكمة تناقش الملف، وتستمع إلى مُرافعات المحامين والنيابة العامة، بالإضافة إلى أقوال المتهمين، سواء دنيا بطمة وشقيقتها ابتسام، أو من وردت أسمائهم في الملف، وأيضاً المطالبين بالحق المدني.
ضعف في التوجيه
وفي هذا الصدد، تقول خديجة براق، خبيرة في التواصل الإعلامي لدى الفنانين، إن "أول زلة ارتكبتها دنيا، وكلفتها غالياً على مستوى صورتها الفنية، عدم اختيارها مدير أعمالها بشكل دقيق". ولكن في المقابل "لن يختلف اثنان على أن بطمة تعد من بين أقوى الأصوات العربية، شخصيا كنت أعتقد أنها ستكتسح الوطن العربي بأغاني وأعمال مميزة، لكن لم يحدث ذلك".
وأضافت براق في تصريح لـ"العين الإخبارية": "ما حدث أن بطمة انطلقت انطلاقة مختلفة، مثل اعتمادها على عمليات التجميل الذي عرضتها لتنمر الكثيرين وبدأت المقارنة بين شكلها قبل وبعد، وكل هذا سببه ضعف التوجيه والتأطير الفني".
وقالت: "كان بإمكان دنيا بطمة تحقيق نجاحات أكبر، لو وجدت مدير أعمال يلجم أفعالها غير المحسوبة بتاتاً"، مشددة "أن زواجها من محمد ترك، كان في حد ذاته واحداً من أسباب كراهية الكثيرين لها، خاصة بعد نزولها إلى مستوى خطاب غير مقبول من فنان، وليس أي فنان، بل فنان ينتمي إلى عائلة فنية عريقة ولها سمعتها العالية في الفن".
وأوضحت أن "الزواج والطلاق، أمران يخصان الحياة الفردية للأشخاص، والكثير من الفنانين، يتزوجون ويتطلقون، بل تقع بينهم وبين طليقات أزواجهم مشاكل قد تصل إلى القضاء، لكنهم يتركونها في نطاق الحياة الخاصة، ولا يُخرجون عورات بيوتهم إلى الإعلام، بعكس ما قامت به دنيا".
وشددت براق على أن "مهمة مدير أعمال الفنان لا تنحصر فقط في إبرام العقود مع أكبر المهرجان وأفخم السهرات، بل إن أول شيء يجب أن يقوم به هو الحفاظ على صورة ذلك الفنان لدى جمهوره، بل أيضاً توجيهه ومنعه من الخروج عن السطر، كما يقال".
وقالت: "إن من أكثر المواقف التي جلبت سُخرية واسعة لدنيا بطمة، هي تغييرها الدائم لشكلها، خاصة عمليات التبييض والحُقن التي تغير بها شكل شفتيها ووجهها عموما".
وأضافت: "من الانتقادات التي وجهت إلى دنيا هو تعدد مشاكلها وخلافاتها مع المشاهير، وبعبارة أدق عيبها قريب (عبارة تقال بالدارجة المغربية للدلالة على الشخص كثير المشاكل)". موضحة أن "خلافات دنيا مع الصحفيين والفنانين لا تنتهي، بل متأهبة دائماً للهجوم عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر غير مُحبذ من فنانة مُقتدرة من حجم دنيا بطمة".
وأشارت إلى أن "هذه التجاوزات الإعلامية غير المحسوبة، والتي كان على مدير أعمالها ثنيها عنها، جعلت منها مادة دسمة للاستهزاء والنكتة والانتقاد على حد سواء في مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً المنابر الصحفية المتخصصة في المنوعات وأخبار الفن".
ضحية للتركيز الإعلامي
وفي المقابل، تعتبر الصحفية مريم صلاح، أن دنيا بطمة هي ضحية لتركيز إعلامي وُضع عليها وعلى جميع أنشطتها سواء الشخصية أو الفنية، الشيء الذي جعل أي شيء تقوم به، ولو كان يدخل في إطار حياتها الشخصية كإنسانة قبل أن تكون فنانة، يحظى بتضخيم كبير.
وأوضحت مريم صلاح لـ"العين الإخبارية"، أن دنيا بطمة شئنا أم أبينا خلقت لنفسها مكاناً مُعتبراً وسط نجوم الصف الأول في العالم العربي. مشددة أن الصورة التي رُسمت لها في الإعلام تكاد تكون مُبالغاً فيها نوعاً ما.
وقالت: "شخصياً أعرفها منذ سنوات، وتعاملت معها بشكل مستمر، سواء في إطار مهني، أو حتى في إطار شخصي، ولن أجد ما أقول عنها سوى إنها فنانة وإنسانة متواضعة جداً، وتعطي الفرصة للجميع سواء كانوا صحافيين أو معجبين".
وكشفت أن "دنيا بطمة تتعامل بشكل سلس مع الصحفيين، تجيب عن أسئلتهم بكل صراحة وأريحية، وبدون أية تحفظ"، مُشيرة أن "الكثير من الفنانين يتعاملون بخلاف ذلك، بل منهم من ينظر إلى الصحفيين بنظرة تعالٍ وتأفف".
وأضافت: "اسمحوا لي أن أخبركم أن دنيا تقوم بالكثير من المبادرات التي لا يعرفها أحد، ولا تصورها عدسات الكاميرا"، في حين أن بعض المشاهير إن تصدق بكسرة خبز يُوزع صوره على كُل المنابر الإعلامية، ليقول للعالم إني أقوم بفعل خيري".
وكشفت أن الفنانة تقوم بتقديم مجموعة من المساعدات الاجتماعية، بشكل دوري لعدد من الأسر، سواء في مع بداية الدراسة أو قبل عيد الأضحى، أو غيرها من المناسبات، معلقة بالقول: "ليس ذنب دنيا بطمة أن الإعلام ركز على جانب واحد من شخصيتها، وذلك في وقت كان عليه أن يركز على فنها بشكل أكبر".
وأردفت: "صحيح أن اسمها اقترن بالمشاكل والصراعات، لكن هذا يظل جزءاً صغيراً من دنيا بطمة الإنسانة أولاً، والفنانة ثانياً، وأنا على يقين أن هناك إجماع على رقيها الفني، وروعة صوتها وأدائها".