يبدو أن الحملة الدعائية القطرية تتجه إلى مزيد من التوسع خلال الأيام والأسابيع المقبلة في دول أوروبية عدة.
لم أشعر باستغراب من سلوك "نظام الحمدين" القطري عندما قرأت إعلانه الخاص بمقاضاة دولة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، بشأن ما يصفه بانتهاكات حقوق الإنسان!
مثل هذه الخطوات والتحركات التي تميل إلى الصخب وإثارة البلبة إعلامياً كانت متوقعة وتعكس بشكل جلي استنزاف البدائل والحيل والألاعيب الخاصة بتشويه الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، ومن ثم اللجوء إلى ما يشبه "الفرقعات الإعلامية" من أجل إحداث ضجيج بغض النظر عن جدواه أو منطقيته!
سيواصل "نظام الحمدين" سلوكه الصبياني وستمضي أزمته دون أفق قريب، ولكن هل سيبقى القطريون مادة للمتاجرة بمصالحهم وأمنهم ومستقبل أبنائهم؟ سؤال ليس لأحد الإجابة عنه سوى أبناء قطر أنفسهم
موضوع الشكوى يأتي بعد أيام قلائل من حيلة دعائية بثتها قطر ضد المملكة العربية السعودية حول منع المواطنين القطريين من أداء العمرة، وهي حيلة ثبت للجميع تهافتها وغبائها! وكان من السهل على السلطات في المملكة الشقيقة إثبات زيفها وكذبها لأنها لا تستند إلى أي ذرة من الحقيقة.
المعنى في هذه السلوكيات أن قطر تشعر بأزمة متفاقمة ومستمرة، وأن مضي عام على مقاطعتها دون أي ضوء في نهاية النفق يعني بالفعل أن أزمتها "صغيرة جداً جداً"، وأن تصريحات وزير خارجية قطر التي قال فيها "الجميع خاسرون" ليست سوى اعتراف صريح وواضح بخسارة قطر رغم المحاولة الفاشلة لتعميم فكرة الخسارة على طرفي الأزمة!
استمرار الضجيج القطري في ظل تركيز الدول الأربع وغيرها على قضايا وموضوعات أهم بكثير يزعج القيادة القطرية، بل إن انصراف الإعلام في الدول الأربع عن قطر يزعجها أكثر، لأنها ترى في هذا الانشغال والانصراف نسياناً لأزمتها وتعايشاً معها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما يمثل كارثة حقيقية لاقتصاد قطر وتهديداً جدياً لفرص استضافة بطولة كأس العالم 2022، حيث بات من المؤكد أن ينظر "الفيفا" في مصير البطولة المقبلة في ظل الواقع القطري البائس، الذي لا يمكن معه استضافة بطولة بهذا الحجم في جزيرة معزولة لا يساندها سوى نظام الملالي في إيران والسلطان أردوغان، وهما يمثلان عبئاً على ملف قطر وليس إضافة لها.
بعد مرو العام الأول من أزمة قطر، كان من المفترض ـ عقلاً ومنطقاً ـ أن يراجع النظام القطري سلوكه في التعامل مع تداعياتها، ويبحث عن دروب آمنة للتسوية بدلاً من مواصلة العناد والمكابرة، ولكنه اختار مواصلة نزيف الخسائر، ويتجه إلى تعميق أزمته عبر افتعال معارك جانبية هو أول من يدرك أنها لن تقوده إلى نتائج سوى تعميق الهوة بين طرفي الأزمة.
يتحدث النظام القطري عن انتهاك مزعوم لحقوق أفراد من شعبه، وهو من يهدر ليل نهار ثروات الشعب القطري في الإنفاق على شركات الدعاية والعلاقات العامة في دول غربية عدة من أجل شن حملات هادفة إلى تشويه صورة الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب! وهو من يترك لإيران أيضاً الحبل على الغارب في استنزاف ثروات قطر الغازية، ويمنحها حق التحكم في حدود قطر البحرية بموجب اتفاقية وقعها مؤخراً تحت تأثير فوبيا الهجوم الخارجي!
إنه "السقوط" القطري المتواصل كما وصفه معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، فهو ليس فقط سقوطاً في المبادئ، بل سقوط في الرؤية والوعي السياسي والاستراتيجي، وهو كذلك سقوط في الحفاظ على الحد الأدنى من السلوك الذي يبقى على ومضة ـ ولو بسيطة ـ في نهاية نفق الأزمة.
التقارير الإعلامية الغربية تشير إلى أن "نظام الحمدين" قد استهل عام المقاطعة الثاني بتوقيع سلسلة من الاتفاقات مع سبع من شركات الدعاية والعلاقات العامة في الولايات المتحدة، لتنظيم حملات تتكلف مليارات الدولارات لاستقطاب مواقف الرأي العام الغربي.
ومن يقرأ الشعارات الزائفة التي تروج لها هذه الشركات من أجل جذب الدعم لقطر يدرك تماماً أن هناك سعياً قطرياً لتسويق فكرة "الضحية" كما رسمها لهم منظرو جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية، في إطار حملة مسمومة تستهدف الضغط على الرأي العام الغربي للمطالبة بإنهاء مقاطعة قطر بعد أن فشلت الجهود الرسمية التي بذلها "نظام الحمدين" عبر دبلوماسية صفقات التسلح غير المبررة ومنح الامتيازات على حساب سيادة قطر وغير ذلك من ممارسات جرت على مدى عام كامل، ولم تفلح في إقناع القادة الغربيين بالضغط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، من أجل إنهاء مقاطعة قطر.
يبدو أن الحملة الدعائية القطرية تتجه إلى مزيد من التوسع خلال الأيام والأسابيع المقبلة في دول أوروبية عدة مع التركيز الشديد على أفكار زائفة ترتبط بمزاعم مختلقة حول انتهاك حقوق الإنسان، مثل تشتيت الأسر القطرية، ومنع الطلاب القطريين من التعليم والتملك والإقامة في الدول الأربع مع التركيز على الإمارات بحكم كونها الدولة الوحيدة الموقعة على الاتفاقية من بين الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب.
سيواصل "نظام الحمدين" سلوكه الصبياني وستمضي أزمته دون أفق قريب، ولكن هل سيبقى القطريون مادة للمتاجرة بمصالحهم وأمنهم ومستقبل أبنائهم؟ سؤال ليس لأحد الإجابة عنه سوى أبناء قطر أنفسهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة