من يقف وراء محاولة الانقلاب في الكونغو الديمقراطية؟
إعلان رسمي مقتضب لم يطفئ نار الفضول المستعرة عقب محاولة انقلاب فاشلة في الكونغو الديمقراطية فيما يظل السؤال الأبرز: من يقف وراءها؟
بيان المتحدث باسم الجيش الكونغولي، الجنرال سيلفان إيكينجي، حول التطورات بدا مقتضبا ومكثفا لدرجة أنه أشعل نيران الفضول بدل إطفائها، حيث اكتفى بالقول إن «قوات الدفاع والأمن أحبطت محاولة انقلاب في مهدها".
وأضاف إيكينجي، في رسالة مقتضبة بثها التلفزيون الرسمي حينها، أن "المحاولة شارك فيها أجانب وكونغوليون"، مشيرا إلى توقيف نحو 40 شخصًا فيما حيّدت قوات الأمن 4 آخرين بينهم قائدهم "كريستيان مالانغا وهو كونغولي يحمل الجنسية الأمريكية".
ولفت إلى أن منفذي محاولة الانقلاب "من جنسيات عدة" بينها أمريكية وبريطانية.
ومع أن السلطات الكونغولية حدثت لاحقا عدد الموقوفين ورفعته إلى 50، بينهم ثلاثة مواطنين أمريكيين، لكنها لم تقدم أي معطيات إضافية حول الأجانب الذين قالت إنهم شاركوا بمحاولة الانقلاب.
غير أن ورود اسم كريستيان مالانغا، الكونغولي الذي يعتقد أنه حامل للجنسية الأمريكية، والذي يعتبر من أشرس خصوم الرئيس فيليكس تشيسيكيدي، يمنح محللين السياق المنطقي لقراءة كواليس المحاولة الانقلابية.
حلقة مفقودة
يعتقد المحلل السياسي الكونغولي دوناسيان ليغودي أن هناك «حلقة مفقودة» في الرواية الرسمية لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
ويقول ليغودي، في حديث لـ«العين الإخبارية»: «في البداية، اعتقدنا أن محاولة الانقلاب كانت بتنفيذ من مجموعة من الجنود الكونغوليين المرتبطين بالحرس الرئاسي، لأنه في هذه الحالة فقط يمكن لأي خطوة من هذا النوع أن يكون لديها هامش نجاح».
ويوضح: «الغريب كيف لرجل مثل مالانغا أن يقود محاولة من هذا النوع دون أن يكون مدعوما من الحرس الرئاسي على الأقل، أي أن يكون لديه ضمان من الدائرة الأمنية المباشرة للرئيس، بما يمنحه تسهيلات التحرك والتقدم؟».
وتابع: «إذا ما سلمنا بأن مالانغا حاول تنفيذ الانقلاب بمعية عناصر غير عسكرية فهذا ضرب من الغباء، وما يؤكد طرحي هو أن الرجل شوهد حيا لآخر مرة صباح الأحد عبر بث مباشر على منصة فيسبوك، إلى جانب عدد من الأشخاص المدججين بالسلاح يرتدون الزي العسكري».
وفي مقطع الفيديو المتداول، قال مالانغا: "فيليكس نحن قادمون لنأخذك"، مؤكداً عزمه على الإطاحة بنظام الرئيس.
وتحدث مالانغا، وهو يقف بجوار ابنه مارسيل - الذي اعتقلته قوات الأمن أيضا - باللغات الفرنسية والإنجليزية واللينغالا (لغة محلية)، قائلاً إن الجنود "متعبون" و"لا يستطيعون السير معا" مع تشيسيكيدي.
وهذا ما توقف عنده الخبير بالقول إن «من يقول مثل هذا الكلام، فهو على قناعة في نفسه بوجود إسناد قوي من الجنود، وهنا أقصد جزءا من عناصر من الجيش قد تكون تمردت وأجهضت تحركاتها في المهد».
ومتسائلا: «هل كان الرجل ليجازف بتلك الطريقة لو لم يكن يعول على إسناد من جنود القصر على الأقل؟».
شبح أمريكا؟
في ظهور جديد، كشف المتحدث باسم الجيش الكونغولي الجنرال سيلفان إيكينجي، اليوم الثلاثاء، عن اسم الأمريكي الثالث المتورط في الانقلاب الفاشل.
وعلاوة على مالانغا، جرى لاحقا تحديد هوية أمريكي آخر هو مهرب لمادة "ماريجوانا".
وفي تصريحات لوكالة أسوشيتد برس، قال إيكينج إن الأمريكي الثالث هو تايلور تومسون.
ولفت إلى أنه لم يتضح على الفور ما إذا كان تومسون من بين الذين اعتقلوا أو قتلوا صباح الأحد بعد هجوم القصر وهجوم منفصل استهدف مقر إقامة نائب رئيس الوزراء فيتال كاميرهي، المقرب من الرئيس.
ورغم أن الخارجية الكونغولية لا تزال مترددة حيال تأكيد جنسية مالانغا الأمريكية، إلا أن الخبير ليغودي يعتقد أنه من المهم فصل هذه الجزئية.
واعتبر في الآن نفسه، أن السلطات تحاول كسب الوقت بانتظار كشف المزيد من الملابسات، وتفادي أي تقاطع من شأنه أن يوجه الأنظار نحو إمكانية ضلوع أمريكا في محاولة الانقلاب.
وفي منشور عبر منصة «إكس»، قالت السفيرة الأمريكية لدى الكونغو الديمقراطية لوسي تاملين إنها "صدمت" من التقارير التي تفيد بتورط مواطنين أمريكيين في محاولة الانقلاب على الدولة.
وأضاف الدبلوماسية: "يرجى التأكد من أننا سنتعاون مع سلطات الكونغو الديمقراطية إلى أقصى حد ممكن أثناء التحقيق في هذه الأعمال الإجرامية ومحاسبة أي مواطن أمريكي متورط".
«صوت منشق»
وتصف الصحافة المحلية كريستيان مالانغا، البالغ من العمر 41 عاما، بأنه «صوت سياسي منشق من الشتات الكونغولي».
ولد في كينشاسا، لكن لاحقا غادرت عائلته البلاد عندما كان طفلاً ولجأت إلى سوازيلاند، قبل أن تستقر في سولت ليك سيتي بولاية يوتا الأمريكية في عام 1998.
وبعد الانتهاء من دراسته الثانوية في الولايات المتحدة، قام بإنشاء العديد من الشركات الصغيرة بالإضافة إلى جمعية «خط المساعدة الأفريقية» غير الربحية، والتي تدعم تعليم الأطفال في القارة الأفريقية.
وفي عام 2006، عاد إلى الكونغو الديمقراطية لأداء خدمته العسكرية، وأسس فيما بعد شركة تسمى «مالانغا كونغو»، تعمل في الأشغال العامة ومشاريع التوريد.
وفي عام 2011، دخل عالم السياسة من خلال ترشحه في الانتخابات التشريعية، لكن تم اعتقاله قبيل الانتخابات واحتجازه لعدة أسابيع.
وبعد إطلاق سراحه، قيل إنه رفض عرض الحكومة بأن يصبح رئيسا وطنيًا للشباب وفضل اتباع طريقه الخاص من خلال إنشاء حزب سياسي خاص به.
وفي العام التالي، عاد مالانغا إلى الولايات المتحدة وأسس «الحزب الكونغولي الموحد»، وهو حزب صغير يهدف إلى ربط وتقريب الشتات الكونغولي حول العالم. وكان أيضًا رئيسًا لحركة “زائير الجديدة” ومقرها بروكسل ببلجيكا.
وكان السياسي مؤثرا أيضا في المجال الديني. وفي عام 2017، حصل على وسام الصليب الأكبر من وسام مملكة القديس بطرس وبولس في الفاتيكان.
وتمكن مالانغا من بناء قاعدة سياسية كبيرة في الشتات الكونغولي، وكان معروفًا بالتعبير بانتظام عن انتقاداته لنظام تشيسيكيدي على وسائل التواصل الاجتماعي.
aXA6IDE4LjIyNC42NS4xOTgg جزيرة ام اند امز