جهود طهران ذهبت سدى وضاعت مليارات الدولارات دون تحقيق الآمال المعقودة على المليشيات والخلايا التابعة لها
عندما يعلن الحاكم بكل جبروت وكذب بأنه حقق الانتصار على شعبه فإنه يكون قضى على آخر أمل بالإصلاح والحوار، وإيجاد حلول للمشاكل المستعصية والمشجعة، بالأخطاء والخطايا المرتكبة منذ عقود التي دفع ثمنها البلاد والعباد.
هذا بالضبط ما فعله حكام إيران كرد فعل على المظاهرات والاحتجاجات الدامية الناجمة عن الظلم والقهر والانهيار الاقتصادي والمالي، بسبب السياسات الخاطئة والتسبب بإشاعة أجواء العداء مع معظم دول العالم.
السؤال الأول والأخير هو: هل يعني أن كل ما جرى من أحداث وفتن واضطرابات واحتجاجات ومعارضة يشكل بداية تلاشي حلم الإمبراطورية الإيرانية؟وبدلاً من الاعتراف بوجود أزمات جذرية متراكمة في البلاد لجأت السلطات الإيرانية للقمع وقتل الشباب المتظاهرين بكل دم بارد، واعتقال الآلاف منهم، وجلهم من الجامعيين والجامعيات الذين نفد صبرهم نتيجة الغلاء وانعدام فرص العمل، وتفاقم المشاكل الاجتماعية والفقر، ووصول أكثر من٦٠ في المئة من أبناء الشعب إلى ما تحت الصفر.
وعلى الرغم من أن هذه الموجة العنيفة من الاحتجاجات الشعبية كانت شاملة وممتدة إلى جميع المناطق، فإن حالة الإنكار قد وصلت إلى أبشع صورها السوداء، كما جرى في موجات سابقة تكررت بين الآونة والأخرى، ودفع ثمنها آلاف الشبان واختفى الآلاف في غياهب السجون.
وكانت الأسطوانة المشروخة التي يرددها النظام باستمرار تقوم على الزعم بكشف مؤامرة خارجية أو تفكيك شبكة تجسس أو خلية إرهابية، مع أن كل من يتابع الأحداث منذ أربعين عاماً يدرك تماماً أن الأزمات المتكررة ناجمة عن الأخطاء والخطايا في السياسات العامة وإنفاق معظم أموال الدخل من النفط وغيرها على التسلح والحرس الثوري والخلايا الإرهابية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ولهذا السبب ازدادت نقمة الشعب الإيراني؛ لأن القاصي والداني يعرف أن بلاده تعتبر من أغنى الدول، ولها مداخيل أخرى غير النفط من سجاد وكافيار ومنتجات غذائية، لا يعلم أحد كيف أنفقت؟ ولماذا أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس؟
وزاد من خطورة الأزمة تزامن هذه الاحتجاجات مع مظاهرات شاملة في لبنان شملت لأول مرة المناطق المعروفة بأنها مركز نفوذ إيران وسيطرة حزب الله الموالي لها، إلا أن الأخطر جاء من العراق، الذي بذلت إيران جهوداً جبارة للهيمنة عليه والسيطرة على مقاليده وحكامه، وأنشأت مليشيات مسلحة لقمع أي احتجاج، ومد أذرع النفوذ لتكون قوة موازية للجيش العراقي تأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني.
إلا أن كل هذه الجهود ذهبت سدى، وضاعت مليارات الدولارات دون تحقيق الآمال المعقودة على المليشيات والخلايا التابعة لها، مثل مليشيا الحوثيين في اليمن، التي جرّت البلاد إلى الخراب، ودفع الشعب اليمني أثماناً باهظة من أرواح أبنائه وثرواته، وحوّلت البلاد إلى خراب، وحمل الحوثيين على طلب وساطات لوقف الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام.
وقد شهدنا على مدى الأيام الماضية من الاحتجاجات تركيز المتظاهرين على رفض السياسة الخارجية والتدخلات في شؤون الدول العربية، ولا سيما العراق وسوريا ولبنان واليمن، إضافة إلى غيرها من الدول والمنظمات.
إلا أن أكثر ما صدم القيادة الإيرانية هو انبعاث الاحتجاجات من قلب المناطق الشيعية، التي حرصت على الهيمنة عليها، ولا سيما في جنوب العراق؛ حيث وصلت إلى إحراق المراكز الإيرانية، وترديد الهتافات ضد التدخل الإيراني ما أدى إلى استقالة الحكومة ورئيسها الموالي لها، ولم تنفع كل الجهود المضنية لمنع حدوث ذلك.
والملفت للنظر أن غالبية المحتجين والضحايا هم من أبناء الشيعة التي كانت تعلق على ولائهم الآمال، ليؤكد هؤلاء من جديد أنهم عرب أحرار يرفضون أي تدخل من أية جهة كانت. ولو قرأ حكام إيران التاريخ القديم والحديث لأدركوا خطأهم وفهموا التاريخ المشرف للشيعة العرب واعتزازهم بالانتماء لأمتهم.
كل هذا يدفعنا للتساؤل عن المرحلة المقبلة؟! وهل تقبل إيران تغيير سياستها التي جلبت الويلات على الجميع وتمد يدها لجيرانها العرب لفتح صفحة جديدة من التفاهم والود والاستقرار؟ أم أنها ستصعد وتلجأ للمزيد من العنف بعد فشل سياسة تصدير الثورة؟ والسؤال الأول والأخير: هو هل يعني أن كل ما جرى من أحداث وفتن واضطرابات واحتجاجات ومعارضة يشكل بداية تلاشي حلم الإمبراطورية الإيرانية؟
من يعرف عقلية رموز السلطة وتمسكها بسياسة الإنكار والمكابرة والعناد يشك في ذلك، ويحذر من إمكان اللجوء إلى التصعيد والدخول في مرحلة جديدة من العنف والتدخل والقمع، لاستعادة الحلم الضائع والانتقام من المعارضين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة