الانفصال عن الواقع حال يعيشه من لم يفطن بعد لسقوط المشروع الإخواني في المنطقة، وقرب انهيار المشروع الإيراني
التعبير "Out of Touch" باللغة الإنجليزية صعب على الترجمة، وعميق الدلالة بلغته، أقرب ترجمه له هي "الانفصال عن الواقع"، وهذا لا يقترب من كمال القول وحساسيته، إلا أن الأمثلة عليه تزداد كل يوم، بما يجعله غنيا عن الترجمة.
في نوع من طبخة الحصى يبحث البرلمان العراقي عن رئيس جديد للحكومة وعن قانون جديد للانتخابات، الطائفيون الذين يسعون إلى تدوير الكراسي فيما بينهم يعتقدون أنهم بأحابيل الخداع يستطيعون أن يواصلوا الضحك على ذقون الناس.. والناس يعرفون
- الرئيس اللبناني ميشيل عون بدا فاقدا للحساسية مع الواقع، عندما قال للمتظاهرين الذين يحتجون على فساد عهده "من لا يعجبه الحال فليرحل من البلاد".
إنه الرئيس الوحيد في التاريخ الذي يطلب من شعبه أن يرحل، الدرس الذي لن يفهمه عون، كما الجنرال الذي لم يكاتبه أحد، هو أن الطغاة، لا الشعوب، هم الذين يجب أن يرحلوا.
ولو كان الرئيس على "قد" كلمته لكان حجز التذاكر للناس لكي يرحلوا، أما الناس فإنهم على "قد" كلمتهم، ويمكنهم أن يقطعوا تذكره ذهاب من دون عودة له، ولحسن نصر الله معه.
وقال عون، محتجا على المحتجين، إنهم يريدون رحيل الكل، وكأنه "لا يوجد أوادم" في النظام القائم.
والسؤال الذي سرعان ما قد يخطر على بال المتظاهرين: لو كان هناك "أوادم" هل كنا وصلنا إلى هذه الحال؟
- خرج المتظاهرون في النجف احتجاجا على النظام الطائفي وفساده ورموزه؛ حيث إن القنصلية الإيرانية هناك هي رمز لكل هذا، فقد عمدوا إلى إحراقها، وبطبيعة الحال فقد احتجت طهران، وطالبت الحكومة العراقية بردع المتظاهرين، وزارة الخارجية العراقية أصدرت بيانا قالت فيه "إن ما حدث لا يُمثل وجهة نظر رسمية".
سألتُ متظاهرا، فقال "بيان الوزارة صحيح تماما، ما حدث لا يمثل وجهة نظر رسمية، إنه يمثل وجهة نظر شعبية".
- حسن نصر الله يريد أن يفجر حربا أهلية ليعيش عليها، فأرسل عصابات من حزبه وحركة أمل، بأوامر من طهران طبعا، لكي يعتدوا على المتظاهرين، المتظاهرون قالوا: "ثورة.. ثورة". بينما تمدد حزب الله على عباءة الحرس الثوري ليقول "شيعة.. شيعة"، وذلك في نوع من الصمم عما يلح على ملايين اللبنانيين.
- نبيه بري يجري مشاورات برلمانية، للبحث عن "شخصية سنية" لتولي رئاسة الحكومة لعله يُرضي متظاهرين يريدون إسقاط النظام الطائفي، إنه نموذج آخر لشخص لا علاقة له بالواقع.
- يشيع جبران باسيل -حليف للواء الحرس الثوري في لبنان- أجواء من التفاؤل بقرب التوصل إلى تشكيل حكومة تكنوقراط يختارهم حزب الله، من قفا البطانة، فيُنهي الأزمة ويُرضي المتظاهرين، ظنا منه أن قفا البطانة يختلف عن وجهها، وأن المتظاهرين منفصلون مثله عن الواقع.
- يؤمن "الولي الفقيه" في إيران بأن المظاهرات التي اندلعت في البلاد وامتدت إلى مئات المدن مؤامرة من صنع "أعداء إيران"، ولو سألته من هم إذن "أصدقاء إيران"؟ فإن الواقع الذي لا يراه سيقول إنهم الذين رفعوا أسعار الوقود، وكانوا السبب في إفقار 60 مليون إيراني، وبددوا أموال إيران لدعم تدخلاتها الخارجية، ومولوا مليشيات لا شغل لها سوى الفساد والتخريب.
السؤال هو: لو كان هؤلاء هم "أصدقاء إيران" فما الحاجة الى "أعداء" من الأساس؟
- بعد شهر من الأزمة شكلت حكومة عادل عبدالمهدي "خلية لإدارة الأزمة"، الأزمة ظلت تتصاعد، وهدد بعض أعضائها بالاستقالة بسبب قرارات أمنية غير متفق عليها، حتى بدا أن الخلية نفسها باتت في أزمة، ولم تجد من يديرها، واستقال عبدالمهدي نفسه، في دلالة على أنه وخليته والأزمة كلٌ في طريق.
- في نوع من طبخة الحصى يبحث البرلمان العراقي عن رئيس جديد للحكومة وعن قانون جديد للانتخابات، الطائفيون الذين يسعون إلى تدوير الكراسي فيما بينهم يعتقدون أنهم بأحابيل الخداع يستطيعون أن يواصلوا الضحك على ذقون الناس.. والناس يعرفون.
- قطر تنفق المليارات لإنقاذ اقتصاد تركيا من الهاوية، وتركض وراء أردوغان، بوصفه الامتداد الأخير للمشروع الإخواني.
الرهان على حصان خسر الانتخابات في أنقرة وإسطنبول، واعتقل مئات الآلاف من البشر بسبب الوسواس، وقاد اقتصاد بلاده إلى الهاوية، وانقسم حزبه إلى شظايا متناثرة، نصف مصيبة، النصف الآخر هو أن المشروع الإخواني هُزم قبل المشروع الإيراني، ولم يصل الخبر إلى الدوحة بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة