معضلة القتل بـ«ضغطة زر».. «صراع العروش» يرسم مستقبل الحروب
يخلق التفاوت العددي بين الجيوش الغربية من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، فجوة كبيرة، تستدعي حلولا مبتكرة.
هكذا يعتقد فلوريان سيبل، طيار مروحية سابق في الجيش الألماني، يبلغ من العمر 44 عامًا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة "كوانتوم سيستمز"، ومقرها ميونخ.
وتقوم الشركة بتصنيع طائرات استطلاع بدون طيار (درون) تستخدمها أوكرانيا لصد الهجمات الروسية، وفقا لمجلة "بولتيكو" الأمريكية.
سيبل أسس أيضا شركة جديدة تسمى "ستارك ديفينس" للتركيز على الطائرات بدون طيار الهجومية، والتي يمكن أن تعمل دون سيطرة بشرية.
ويبدو أن الطيار الألماني السابق، يجد الإلهام في الدراما، إذ قال إن الشركة الجديدة سُميت على اسم آريا ستارك، بطلة سلسلة الدراما الشهيرة "جيم أوف ثرونز"، والمشتقة من سلسلة الكتب الخيالية "أغنية من الجليد والنار"، وكذلك، بطل "مارفيل كوميكس"، توني ستارك.
وقال سيبل لمجلة "بولتيكو" الأمريكية، إن مهمة ستارك هي "إحداث تغيير جذري في الصناعة الدفاعية، وبناء أنظمة مستقلة - على الأرض وفي الماء وفي الجو - تتمتع جميعها بقدرات هجومية".
ويأتي تدشين شركة "ستارك" في منعطف حاسم في تاريخ الأسلحة ذاتية التحكم. ومع وصول التوترات الجيوسياسية إلى ذروتها، وتصدر استخدام أوكرانيا "الماهر" للطائرات بدون طيار عناوين الأخبار، وتزايد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تتطلع القوى العسكرية، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا، بفارغ الصبر إلى بناء قدرات ذاتية التحكم.
وبالفعل، باتت 400 طائرة بدون طيار (درون) من شركة "كوانتوم سيستمز" تحلق في أوكرانيا في الوقت الحالي.
ومن المقرر تسليم كييف 800 طائرة بدون طيار أخرى في أغسطس/آب المقبل. كما تقوم الشركة أيضًا بتأسيس مصنع في أوكرانيا.
بداية الفكرة
وخلال أحداث الحرب في أوكرانيا، أدى تطوير روسيا لتقنيات التشويش القادرة على منع المركبات غير المأهولة من توجيه نفسها أو التواصل مع الطيارين، إلى إقناع سيبل بأن الطائرات بدون طيار التي يتم التحكم فيها عن بعد، بدأت تفقد تفوقها الآن.
ويرى الطيار الألماني، أن اللاعب الحاسم في التطور القادم هو "الذكاء الاصطناعي"، لأنها التكنولوجيا المزدهرة القادرة على اكتشاف الأنماط واتخاذ القرارات.
وبفضل الذكاء الاصطناعي، ورقائق شركة "إنفيديا"، عملاق الرقائق الإلكترونية الأمريكية، يمكن للطائرات بدون طيار من "كوانتوم سيستمز" التحرك في ساحة المعركة وتحديد الأهداف دون الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو الموجه البشري.
ويمكن لطائرات الشركة أيضا، الطيران دون توجيه، إلى موقع خالٍ من التشويش، وإرسال الأهداف العسكرية المقترحة لوحدات المدفعية، حتى تقوم الأخيرة باستهدافها.
وبذلك، يبقى القرار النهائي في أيدي الجنود الأوكرانيين الذين يتبعون النموذج المعروف باسم "الإنسان في الحلقة"، وهذا يعني أن قرارات القتل يجب أن يتخذها البشر، وليس الآلات.
لكن سيبل يعتقد أن هذه القاعدة يجب أن تتغير، إذ قال: "إذا لم يتمكن القادة من التواصل مع الطائرات مرة أخرى، فسيتعين على الطائرات بدون طيار اتخاذ الخطوة التالية في التطور؛ تحديد الأهداف ثم تصنيفها كأصدقاء أو أعداء، وفي بعض الحالات، توجيه ضربة حاسمة".
وفي رأيه، فإن تكلفة عدم تطوير أسلحة قادرة على إدارة سلسلة القتل بأكملها، من اختيار الهدف إلى الضرب، هي البقاء في موقع "الضعيف" في الحرب القادمة.
وفي هذا الإطار، قال سيبل: "إذا كنا لا نريد لأطفالنا أن يقاتلوا روبوتات الحرب الصينية في المستقبل، فعلينا أن نبدأ ونعمل على روبوتات الحرب بأنفسنا".
"حظر دبلوماسي"
في المقابل، يريد الدبلوماسيون والنشطاء والتقنيون الحد من هذه التكنولوجيا، إذ يخشون أن تؤدي إلى التعجيل بتصعيد الحرب التي يقودها الذكاء الاصطناعي، وعمليات القتل الجماعي بضغطة زر، وكوارث "النيران الصديقة"، والموت بـ"الخوارزميات" البغيضة أخلاقيا.
في غضون ذلك، تقود الحكومة النمساوية الجهود المبذولة لصياغة معاهدة دولية تحظر الأسلحة ذاتية التحكم التي لا يمكن السيطرة عليها أو التنبؤ بأفعالها من قبل البشر.
وقالت آنا هيهير، رئيسة برنامج الأسلحة المستقلة في معهد مستقبل الحياة البحثي، لصحيفة "بولتيكو": "لا نحتاج إلى مصنعي أسلحة يزعمون أن الأسلحة غير الأخلاقية وغير المتوقعة ستجعل أوروبا أكثر أمانًا".
وتابعت "كانت هناك فترة في التاريخ اعتقدت فيها القوى العسكرية الكبرى أنها بحاجة إلى أسلحة بيولوجية لمواجهة برامج الأسلحة البيولوجية الخاصة بخصومها"، مضيفة "نحن بحاجة إلى الحفاظ على البصيرة العقلانية عند تقييم التقنيات الجديدة".
لكن سيبل يقول إن الأسلحة المستقلة، إذا تم تصميمها بشكل صحيح، "يمكن أن تقلل من الأضرار الجانبية من خلال تسخير القدرات التحليلية المتفوقة للذكاء الاصطناعي".
ومضى مفسرا: "ستكون الطائرة بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي (درون) قادرة على معرفة الصديق من العدو، والمدني من المقاتل، بدقة عالية".
وأضاف أن "هذه المناقشات تشبه تلك المتعلقة بالقيادة الذاتية (في السيارات المدنية)، فالطبيعة البشرية متشككة، وإذا كان هناك شيء جديد، فلا بد أن يكون سيئا".
وأكمل سيبل "أعتقد أن العكس هو الصحيح؛ فالأسلحة ذاتية التحكم يمكنها اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً".
لكن هيهير ردت بالقول: "إذا وصل الذكاء الاصطناعي العسكري إلى دقة تفوق طاقة البشر، فإن ذلك سيتطلب فحوصات أقوى على هذه التكنولوجيا لتجنب استخدام تلك القدرات في عمليات القتل المستهدف بناءً على خصائص محددة".
المستقبل
ولا تزال شركة ستارك تقوم بتوظيف خبراء، وتسعى إلى استقطاب رأس المال، لكنها قالت إنها ستكون قادرة على نشر منتجاتها من الأسلحة ذاتية التحكم، في غضون مهلة قصيرة إذا لزم الأمر، خاصة إذا طلبت أوكرانيا ذلك.
وفي هذه الأثناء، يعرض سيبل فكرته على كبار العسكريين والخبراء، فيما يشبه مناقشة مسبقة لقدراتها، وفق "بولتيكو".