الجفاف يخنق أرض العراق.. صراعات المزارعين تنذر بالخطر
لم تعد أزمة المياه والجفاف التي يعيشها العراق محصورة في نطاق الدوائر والمؤسسات، وإنما امتد النقاش حولها لمواقع التواصل الاجتماعي.
يوما بعد آخر تطبق كماشة العطش والجفاف على أراضي العراق الزراعية لتحيل آلاف الدونمات منها إلى ذكريات، يغطي وجهها التشققات والأملاح بعد أن هجرتها المياه وباتت عقيما بورا.
وتداولت صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، صوراً لأراض زراعية في محافظة بابل هلكت فيها المزروعات بعد جفاف أغلب جداول المياه الرئيسية مما دفع محافظها لتشجيع المزارعين على تجاوز الحصص المائية المقررة عبر الأنهر.
وقبلها بنحو 3 أيام، ظهر مدير ناحية المشرح التابعة لمحافظة ميسان، منير الساعدي، في مقطع فيديو مصور وهو يحرض الأهالي على موظفي الموارد المائية ويطالبهم بأخذ حقوقهم المائية عنوة وبالقوة.
وجاء ذلك التصعيد في المشرح بعد اشتداد الأزمة المائية التي أحالت نحو 20 نهراً فرعياً صغيراً في الناحية إلى الجفاف التام، وهو ما خلق حركة هجرة من الأرياف نحو المدن بعد أن تضاءلت مساحات الزراعة حد الانقراض.
وكانت وزارة الزراعة قد أطلقت تحذيرات عدة طيلة الفترات الماضية بضرورة منع التجاوز على الأنهر الصغيرة من قبل المزارعين لضمان وصول الحصص العادلة إلى جميع المناطق ذات الصبغة الزراعية.
وتنذر الأزمة مع تفاقم اشتداد حدتها بتمرد الإدارات المحلية وصراعات بين المزارعين على تأمين المياه اللازمة للزراعة والاستهلاك الحيواني.
ويعتمد العراق بنسبة تتجاوز الـ80% على مياه نهري دجلة والفرات في ري الأراضي الزراعية وتأمين مياه الشرب، فيما تشكل مياه الأمطار والآبار الارتوازية ما نسبته 15%، أما البقية فتأتي من المياه الجوفية.
هذا الجفاف ظهرت مؤشراته الأولى في مناطق الجنوب العراقي عند نهر ديالى الذي يغذي عبر إمداداته نحو 18% من خزين نهري دجلة والفرات، ما تسبب بهلاك آلاف الدونمات الزراعية من البساتين الممتدة على الجانب الشرقي من البلاد.
وكانت مراكز ومؤسسات بحثية مختصة بخصوبة التربة والتغيرات المناخية، قد كشفت في دراسات معمقة أن العراق يخسر نتيجة الجفاف وانحسار المياه نحو 100 ألف دونم سنوياً.
وتأتي الأزمة المائية نتيجة السياسات التي اعتمدتها دول المنبع والروافد وهما الجارتين تركيا وإيران بإقامة السدود وحرف مسارات الأنهر والجداول المغذية.
بدوره أكد مستشار وزير الموارد المائية العراقية، عون ذياب، في تصريحات سابقة أن "الخزين المائي المتاح هو أقل بكثير مما لدينا في العام الماضي لكونه انخفض بنسبة 50 في المائة بسبب قلة الأمطار والواردات القليلة من دول الجوار".
ومنذ ثلاث سنوات تتفاقم أزمة الجفاف في البلاد على وقع شح الأمطار وانخفاض مناسيب مياه دجلة والفرات إلى دون النصف من حجم إيراداتها السنوية.
عون ذياب خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أكد أن "العراق يواجه أزمة كبيرة في مسألة المياه وكثير من أراضيه اليوم تعاني من التصحر نتيجة قلة الزراعة والاحتباس الحراري وقلة الأمطار".
وأضاف أن "البلاد تواجه أزمة مياه حقيقية متصاعدة وخطيرة أبطالها تركيا وإيران وضحاياها العراقيون والأجيال المقبلة، بعد إصرار كل من أنقرة وطهران على خنق المياه عن العراق عبر نهري دجلة والفرات والروافد التي تصب فيها دون الإذعان والتسليم للمواثيق والمبادئ الدولية التي تختص بهذا الجانب".
بخصوص آخر التطورات في ملف المياه مع الجارتين الشرقية والشمالية، يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، أن "المفاوض في بغداد، فشل في ثني تركيا عن عدم إطلاق الحصص المائية العادلة، وكذلك الأمر مع إيران التي حرفت مسارات الأنهر والروافد التي تصب داخل الأراضي العراقية".
وخاض العراق طوال 4 سنوات مفاوضات وحوارات مع المسؤولين عن ملف المياه في إيران وتركيا إلا أنها تنتهي غالباً دون تحقيق أي نتيجة على الأرض.
ويبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب أقصى الجنوب العراقي، 2940 كيلومتراً منها 1176 كيلومتراً في تركيا و610 كيلومترات في سوريا و1160 كيلومتراً في العراق.
فيما ينبع نهر دجلة من جبال طوروس جنوب شرقي الأناضول في تركيا ويعبر الحدود السورية التركية، ويسير داخل أراضي سوريا بطول 50 كيلومتراً تقريباً، ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند قرية فيشخابور الحدودية.
ويبلغ طول مجرى نهر دجلة نحو 1718 كيلومتراً، ومعظم مجراه داخل الأراضي العراقية بطول يبلغ نحو 1400 كيلومتر، وتصب خمسة روافد فيه بعد دخوله الأراضي العراقية وهي الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم وديالى وهذه الروافد تجلب إلى النهر ثلثي مياهه. أما الثلث الآخر، فيأتي من تركيا.
وعلى إثر انخفاض مناسيب المياه في الأنهر الرئيسة والجداول الفرعية، اضطر العراق وللموسم الزراعي الثاني إلى تقليص المساحات المزروعة وحصرها ببعض الغلات الأساسية من الحنطة والذرة وبعض المحاصيل الأخرى.
ذياب أشار إلى أن "العراق يمر بظروف صعبة والمساحات الزراعية قليلة وهذا العام استطعنا بشق الأنفس الحصول على أكثر من مليوني طن حنطة وهذا قليل وغير كافٍ إذ نحتاج إلى أربعة ملايين و500 ألف طن سنوياً وبالتالي لا بد من زيادة المساحات المزروعة".
ويلفت إلى أن "وزارة الزراعة اتخذت عدة إجراءات، منها التوجه نحو الزراعة الرأسية أي زيادة غلة الدونم في وحدة المساحة واستخدام التقنيات الحديثة ومنظومات الري بالرش المحوري والثابت وزراعة مليون دونم في المثنى والنجف لمواجهة الجفاف فضلاً عن زيادة المساحات المزروعة بالحنطة".