قد لا يفهم كثيرون كيف يمكن الجمع بين فكرة "المقاومة" وبين تجارة المخدرات، لكن الدوافع الأيديولوجية واحدة على أي حال.
المخدرات تساعد في صنع تصور مختلف للواقع يتلاءم مع الرغبات. هذا هو الأساس. وعندما يحاول تاجر المخدرات الكبير في لبنان أن يظهر على أنه خصم عنيد لما يسميه إمبريالية وصهيونية، وأنه مستعد لخوض الحروب ضدهما، عن طريق أعمال الإرهاب، فإنه يبني تصورا مختلفا لواقع أنه يحارب لبنانيين آخرين، ويحارب دولا عربية أخرى، ويصدّر إرهابه إليها كما يفعل في اليمن، بينما هو في حالة هدنة طويلة مع إسرائيل والولايات المتحدة، اللذين يسميهما "أعداء"، بلغ عمرها نحو خمسة عقود، إذا أمكن استثناء المناوشات الصغيرة.
لقد مر كل هذا الوقت، بينما الشعور السائد لدى الذين يتعاطون حبوب "كبتاجون المقاومة" هو أنهم خاضوا حربا قبل ثلاثة أيام، وسيعودون ليخوضوا حربا بعد ثلاث ساعات.
الواقع ليس كذلك.
وحتى عندما تعود إلى آخر المواجهات، فإنها كانت صراعا في إطار مشروع طائفي، لا علاقة له بأي دعوى من دعاوى "التحرير".. فما كان يدافع عنه "حزب المخدرات" هو مشروعه الطائفي، الذي حارب المشروع التحرري الوطني اللبناني قبل أن يحارب إسرائيل.
لا أحد يغفل عن حقيقة أن مقاومة الاحتلال عام 1982 كانت مقاومة وطنية عريضة، وهي التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب من بيروت وتاليا من كل جنوب لبنان.. ولكن، كان من أول ما فعله "حزب المخدرات" هو أنه حاول الاستيلاء على جهد المقاومة واستولى على لقبها، حتى أصبحت تبدو وكأنها حكر عليه.
شحنة ضخمة من المخدرات العقائدية والدعائية هي التي وفرت له السبيل لكي يدعي شيئا لم يكن ملكا له.. وشحنة أضخم وفرت له القدرة على أن يبدو كأنه هو ممثلها الوحيد، بينما كان المقصد هو أن يغطي مشروعه الطائفي، المناهض للوطنية اللبنانية، والموالي لمشروع طائفي أوسع، أكثر مما هو مناهض لإسرائيل و"الاستكبار العالمي"، كما يسمِّي.
هذا المشروع هو الذي قاد لبنان إلى الهاوية في نهاية المطاف.. فبينما كانت البلاد تنحدر إلى الإفلاس، كانت شحنة المخدرات لـ"سلاح المقاومة" تغطي الأزمة بما ليس يعنيها، وتقدم لها تصورا لا علاقة له بالواقع.
والواقع كان هو الفساد، والهيمنة على مقدرات الدولة، وتبديد المال العام، حتى تم إفراغ خزائن المصرف المركزي اللبناني.. ولم تكن بيروت بحاجة إلى مأساة إضافية من قبيل تفجير المرفأ في الرابع من أغسطس 2020، ليعرف اللبنانيون أنهم كانوا ضحية مشروع للدجل السياسي، يرفع شعارا ويفعل غيره، ويصدح بعنتريات بينما سوس الخواء ينخر في عظام البلاد.
لقد كانت تجارة "المخدرات العقائدية" مربحة لـ"حزب المخدرات"، حتى ولو أنها أدت إلى دمار لبنان وإفقار شعبه.. أي إنها "مربحة" بما كان يُغنيه عن الخوض في تجارة "الكبتاجون" وغيرها من أنواع المخدرات الأخرى، إلا أن القاعدة الأيديولوجية، التي بررت التجارة الأولى، بررت التجارة الثانية.. فـ"النظرية" تقول إن هذه المخدرات تساعد في "محاربة الاستكبار العالمي"، وذلك بأنها تضعف تماسكه الاجتماعي، وتدفعه إلى التفكك والانهيار.. وذلك بينما تحصل "المقاومة" على تمويلات إضافية، فوق ما تحققه من أعمال الفساد وتبييض الأموال والسطو على عائدات الجمارك بإنشاء معابر خاصة للتهريب، إلى غير ذلك من الأعمال التي تمارسها عصابات الجريمة.
هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية نجحت مؤخرا في إحباط عملية تهريب كمية جديدة من حبوب الكبتاجون بلغت مليونين و15 ألفا و110 حبات، في إرسالية "طماطم ورمان" محمولة على إحدى الشاحنات في معبر مع الأردن.
ولئن كانت السعودية ضبطت قبلها مئات الملايين من الحبوب المخدرة، ما دفعها في أبريل 2021 إلى تعليق استيراد الفواكه والخضار من لبنان، فإن "حزب المخدرات"، ووكلاءه ومُصنعيه، لم يكن ليكف عن هذه "التجارة"، لأنها أصبحت جزءا من طبيعته، ولأنها صارت وجها آخر من وجوه أعمال الإرهاب والجريمة، التي يُدير عملياتها، ليس في هذه المنطقة وحدها، ولكن على امتداد عدة قارات أيضا.
كان يمكن لبعض التغيرات في العلاقات بين دول المنطقة أن تذكي الدوافع لمسالك أخرى، تؤدي إلى التخلي عن أعمال من هذا النوع. ولكن ثبت أن الإرهاب لا يتخلى عن طبائعه.
السؤال، الذي قد يخطر على البال، هو: لماذا يختار "حزب المخدرات" هذا السبيل، بينما يمكنه الاكتفاء بالمخدر العقائدي وحده؟ ولكن السؤال الأصوب هو: وماذا يفعل حزب مخدرات إذا لم يتاجر بها؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة