رغم عدم الاتفاق على تعريف موحد للإرهاب، سواء على المستوى البحثي، أو مستوى الدول والحكومات والمنظمات، فإن المشترك بين تعريفاته أنه ليس الجريمة المادية المرتكَبَة، فلا يكتمل معناه كظاهرة مقيتة سوى بأثر نفسي ينتج عن هذه الجريمة.
فجرائم القتل العادية أو الشروع فيه أو الاعتداءات بكل أنواعها، تنتهي عند ارتكابها بما تزهقه من أرواح أو تريقه من دماء.. أما الإرهاب، فهو يرمي ليس فقط لارتكاب الجريمة المادية، بإزهاق الأرواح أو إراقة الدماء، بل يهدف إلى إثارة أوسع نطاق من الفزع والخوف في المجتمع أو التجمع البشري، الذي تقع فيه هذه الجريمة، بحيث يخلخل تماسكه ويزعزع أركان استقراره، بما يمهد لتحقيق الأهداف السياسية التي يسعى إليها مرتكبو الجريمة من أفراد وتنظيمات إرهابية.
من هنا، فقد تفرقت دراسة ظاهرة الإرهاب وفهمها بين عديد من العلوم والتخصصات، التي يعالج كل منها أحد أبعاده المتعددة، بحيث تكتمل الرؤية له وتحليله عبر هذه المقاربات المتكاملة معا في رؤية شاملة.
ومن بين العلوم والتخصصات المهمة والرئيسية في تحليل ظاهرة الإرهاب والمقترفين لجرائمه، علوم دراسة النفس البشرية، الفردية والجماعية.
وقد أدت الطرق البشعة التي راحت الجماعات والتنظيمات، التي تنسب نفسها زُورا وبهتانا للإسلام، تمارس بها جرائمها الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، إلى طرح تساؤلات كثيرة حول التحليل النفسي لسلوك الإرهابيين، أعضاء هذه الجماعات والتنظيمات.
ولعل التفسير الأقرب والأسرع للانزلاق المتزايد من الإرهابيين في مزيد من الوحشية وطرق القتل البشعة، هو في تعريف الإرهاب سابق الذكر، حيث تؤدي هذه الوحشية -بحسب رؤية الإرهابيين- إلى إثارة أوسع نطاق من الفزع والخوف في المجتمع أو التجمع البشري الذي تقع فيه جريمتهم.
فلا شك أن علوم النفس الفردية والجماعية، التي صارت متقدمة للغاية في زمننا الحالي، لديها قدرات علمية وفنية كبيرة لدراسة الإرهاب بجرائمه ومرتكبيه من أفراد وتنظيمات، بما يكشف عن الجذور والدوافع النفسية الفردية والجماعية، التي تدفعهم لارتكاب جرائمهم.
ولا شك أيضا أن هذه العلوم لديها من المعايير العلمية الدقيقة، التي يمكن على أساسها تصنيف الجريمة الإرهابية من منظور التحليل النفسي لسلوك مرتكبيها.. كما أنها تملك من الأدوات والمقاربات ما يمكنها من تفسير شخصية الإرهابي من الزاوية النفسية، وبخاصة ما يبدو من سلوكه في ارتكاب جرائمه، من تبلُّد الشعور والتعطش للدماء والاستمتاع بهذا عبر التوحش في قتل وإصابة ضحاياه بالذبح أو بالحرق أو بالتعذيب والتمثيل، كما نرى خلال السنوات الأخيرة فيما تقوم به الجماعات والتنظيمات الإرهابية بمختلف أنواعها وتسمياتها.
ولدى هذه العلوم النفسية، الفردية والجماعية، أيضا من الأدوات ما يمكنها من التعرف على الأسباب النفسية، التي تجعل من الإرهابي يقدم على تنفيذ جريمته بهذه الدرجة من العنف والوحشية، بما في هذا استكشاف مدى وعيه بجريمته، وهل يكون لحظة ارتكابه لها واعيا لما يقوم به من بشاعة في قتل ضحاياه أو إصابتهم، أم أنه يكون لحظتها وقبلها مغيب الوعي عما يرتكبه أو ما يحيطه.
وإذا ما كشفت بحوث هذه العلوم عن غياب للوعي الإنساني الطبيعي عن الإرهابي لحظة ارتكاب جريمته، فإن لديها من الإمكانيات البحثية ما يعطي تفسيرات علمية لغياب ذاك الوعي، بما في هذا كشف حدود الدور الذي تلعبه في هذا عمليات التعبئة وغسْل الأدمغة والفتاوى الفاسدة من قيادات وشيوخ جماعات وتنظيمات الإرهاب على وعي أعضائها وتابعيها.
إن دخول علوم النفس البشرية الفردية والجماعية في دراسة الظاهرة الإرهابية ليس أمرا جديدا، بل تم اللجوء إليها في عديد من الدول وفي كثير من الحالات.. والهدف من اللجوء إليها ليس بالتأكيد منح الجريمة الإرهابية أي نوع من التبرير أو العذر، فهي جريمة ضد الإنسان والإنسانية مكتملة الأركان، بل البحث عن فهم وتفسير علميَّيْن لها بما يمكننا -نحن المجتمعات والحكومات- من امتلاك الأدوات والقدرات العملية التي تساعد في حصار ظاهرة الإرهاب ونزع كل جذروها من بلادنا، بما في هذا ذات الصلة بالتحليل النفسي البشري الفردي والجماعي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة