المخدرات تضرب شباب العراق.. من البطالة إلى الإدمان
يوما بعد آخر تتفاقم ظاهرة انتشار المخدرات في العراق حتى وصلت إلى تهديد صريح وصارخ ينذر بانهيار مجتمعي شبه كامل.
وتتزايد المخاوف مع تصريحات رسمية تؤكد أن نسب التعاطي ما بين شرائح الشباب بلغت مستويات كارثية.
يقول رجل ستيني رفض الكشف عن اسمه، إن ولده أصبح بين ليلة وضحاها من المدمنين على أحد أنواع المواد المخدرة.
يقول لـ"العين الإخبارية" إن ولده الذي يدرس المرحلة الأخيرة في إحدى الجامعات العراقية، "كان قد تعاطى المخدرات بدون أن يعلم بوجودها خلال جلسات مع أصدقائه دست إليه عبر النرجيلة".
وبحسب خبراء ومختصين في العقاقير والمواد السمية، يصبح متعاطيا بعض الأصناف من المخدرات مثل "الكريستال" "مدمنا" بعد نحو جرعتين فقط.
ويقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، في تقرير أصدره في فبراير/شباط الماضي، إن مخدر الكريستال يعتبر الآن المخدر الأخطر والأكثر انتشارا في العراق، محذرا من أنه أصبح يُصنع سرا داخل العراق بعد أن كان يهرب سابقا من إيران.
وبالاعتماد على علاقاته الشخصية، تمكن الرجل الستيني من إدخال ولده إحدى المصحات في العاصمة بغداد، وبعد نحو شهرين اكتسب التعافي بشكل كامل. لكنه يشير إلى أن "الكثير من الشباب تورطوا بالإدمان ولا يستطيعون الإفصاح عن ذلك خشية الملاحقة القانونية".
وتنص المادة 40 من القانون المتعلّق بجريمة تجارة وتعاطي المخدرات على أنه "لا تقام الدعوة الجزائية على كل متعاط للمواد المخدرة حضر طوعياً من جرّاء نفسه للعلاج في المصحات النفسية التابعة لوزارة الصحة".
وكان العراق حتى عام 2003، أرض ممر لعبور المخدرات دون أن يسجل نسب تعاطٍ وتجارة فيها بما يصل إلى مستوى التهديد والخطر.
وقبل أيام، قال وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي في تصريحات رسمية، إن نسبة الشباب المتعاطين للمخدرات وصلت إلى 50%.
وفي وقت سابق، كشفت مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية عن حصيلة رسمية تمثلت بإلقاء القبض على أكثر من 17000 متهم بالتعاطي وتجارة المخدرات في العراق خلال 22 شهرا.
تقديرات وليس إحصائيات
يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، إنه "لا توجد إحصائيات رسمية بشأن أعداد المتعاطين وتجار المخدرات وما يتداول ليس أكثر من تقديرات".
ومع ذلك يؤكد المحنا لـ"العين الإخبارية"، أن المخدرات في العراق ظاهرة بدأت بالاتساع والتنامي، ويقول إن "تجارة وتعاطي المخدرات هي جرائم عابرة للحدود، ومن الصعب السيطرة على قنوات وممرات تهريبها بشكل كامل".
ويلفت إلى أن القوات الأمنية استطاعت خلال المدد السابقة ضرب الكثير من تلك الشبكات واعتقال كبار التجار منهم.
من جهته، يقول مدير عام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، اللواء مازن كامل، إن "وزارة الداخلية قدمت الكثير من النشاطات للحد من جريمة تعاطي المخدرات والمتاجرة بها في العراق".
وأضاف كامل أن "عدد المعتقلين بهذه الجرائم بلغ أكثر من 11 ألفا و700 متهما حتى الوقت الحاضر، مع ضبط أكثر من 480 كيلوجراما شملت أنواعا مختلفة من المواد المخدرة".
وأوضح أن "المؤشر لدينا وفق المعطيات التحقيقية يظهر أن نقل المواد المخدرة يكون عبر عجلات تحتوي على أماكن لإخفائها في محاولة لعدم كشفها من قبل نقاط التفتيش"، مشدداً على أن "القوات الأمنية المختصة شخصت هذه الأماكن وبإمكانها رصدها بشكل مباشر".
وبين الحين والآخر تكشف السلطات الأمنية عن عمليات مطاردة واعتقال تجار مخدرات، بعضها يتسم بالاشتباك وتبادل النيران مع تلك العصابات. كما تصدر السلطات القضائية أحكاماً بحق مدانين بتلك التهمة تتباين ما بين الحبس الشديد والمؤبد والإعدام.
وتنص المادة 27 من قانون العقوبات المتعلقة بالمخدرات الحكم بالإعدام على كل تاجر للمواد المخدرة. والمادة 28 من نفس القانون تحكم بالسجن من 15 عاماً إلى المؤبد على كل مروّج أو حائز على المخدرات.
مليشيات بغطاء إقليمي
ويعزو مختصون ارتفاع نسب تعاطي المخدرات في العراق إلى أسباب الفقر والبطالة بين الشباب العراقي، والتي تبلغ 36%، في بلد يشكل من هم دون سن 25 عاما نحو 60% من سكانه.
وتتحدث تقارير شبه رسمية عن أن أغلب المواد المخدرة تدخل العراق عبر الحدود الجنوبية للبلاد وتقع النسبة الأكبر لمتعاطيها في المدن الفقيرة.
الدكتور عماد عبدالرزاق، المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة، يؤكد أن "هناك ردهات مخصصة ضمن المستشفيات العراقية للتعامل مع حالات إدمان المخدرات".
ويوضح عبد الرزاق، لـ"العين الإخبارية"، أنه "هنالك مشفى مكون من 100 سرير مخصص للتعامل مع ضحايا الإدمان وقد وصل إلى مراحل متقدمة إلا أن عدم توفر المخصصات المالية تحول دون إتمام إنجازه بشكل كامل".
وبشأن انتشار المخدرات بين المقاهي والكافتيريات التي يرتادها الشباب، يؤكد عبدالرزاق أن "اللجان الفرعية المختصة بمتابعة ذلك الأمر والتابعة لوزارة الصحة وخلال عملها لم تؤشر سوى نسب قليلة جداً من صحة تلك المعلومات".
ويعول المستشار النفسي لوزارة الصحة على الوعي المجتمعي ومتابعة العوائل لأبنائهم، خصوصاً من الشباب فضلاً عن إثارة الثقافة الردعية والتحذيرية من مخاطر الإدمان.
فيما يرى المحلل السياسي إحسان عبدالله أن "موضوع المخدرات في العراق يرتبط بجهات وقوى مليشاوية تمتلك السطوة على الدولة وتتحكم في منافذ دخولها".
ويضيف عبدالله لـ"العين الإخبارية" أن "تلك العصابات ذات امتدادات إقليمية ولديها أذرع متنفذة في أغلب مؤسسات الدولة بما يهيئ لها البقاء واستمرار تجارتها المميتة".