"دبي للمستقبل" تحدد التغيرات المحتملة للتجارة حول العالم بعد كورونا
تبنت دولة الإمارات توجهاً استراتيجياً يرتكز على التنويع الاقتصادي، لتصبح المركز التجاري الإقليمي الأبرز.
أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل تقرير "الحياة بعد كوفيد-19: مستقبل التجارة"، التقرير الثالث ضمن سلسلة تقاريرها، ليستشرف أهم التغيرات المحتملة في قطاع التجارة على مستوى دولة الإمارات والمنطقة العربية والعالم.
وقال التقرير إن ما يطرحه من فرص وتحديات وآفاق جديدة لاستثمار الميزات التنافسية التي تتمتع بها الاقتصادات في المنطقة، وذلك بالتزامن مع الكثير من التكهنات والتوقعات حول مستقبل التوجهات العالمية لقطاع التجارة كونه أحد أهم ركائز نمو الاقتصاد العالمي.
وبلغت قيمة التجارة العالمية للبضائع في العام 2018 نحو 19.67 تريليون دولار، بنسبة نمو وصلت 3%، إلا أن تصاعُد التوترات التجارية بين الاقتصادات المتقدمة الكبرى، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني مصحوباً بعوامل أخرى، أسهمت في إضعاف النمو الاقتصادي العالمي نهاية ذلك العام وخلال عام 2019 فانخفضت نسبته إلى نحو 3.3%، بعد أن كان بحدود 3.9% عام 2017.
في الوقت ذاته، شهدت التجارة العالمية تراجعاً بنحو 0.8% حتى فبراير/شباط 2019 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2018، وواصلت تراجعها على هذا المنوال بقية العام على المستوى العالمي، فانطلقت تحذيرات من حدوث ركود عالمي يشبه ما حدث عام 2008، ومع هذا كانت الآمال معقودة على حدوث تحسن العام الحالي لتجاوز الاضطرابات الاقتصادية العالمية، والعودة إلى معدلات النمو في مختلف القطاعات، ومنها قطاع التجارة، إلا أن المشهد تغير تماماً.
صورة واقعية
ويشير التقرير إلى أن التجارة العالمية التي تعتمد على شبكة واسعة من سلاسل التوريد وتجارة التجزئة والخدمات المصرفية والتصنيع والنقل، أصيبت بأضرار كبيرة نتيجة تعطل دوران تلك الشبكة العالمية بعد أن فرضت الدول كثيراً من القيود والضوابط على حدودها، وانخفض التبادل التجاري ما قد يتجه بالاقتصاد العالمي نحو الركود فعلًا.
تحديات وفرص جديدة في المنطقة العربية
ووفق التقرير، سيتجه جزء كبير من قطاع التجزئة العالمي إلى المنصات الرقمية، على الرغم من أن هذا قد لا يعوض عن الخسائر قصيرة الأمد لتجار التجزئة التقليديين على مستوى العالم، لكنه يطرح بالتالي فرصاً متنوعة للاستثمار يمكن للدول العربية الاستفادة منها.
وأشار التقرير إلى أن توقف سلسلة الإمداد البحري العالمية التي تدعم واردات التجارة والسلع في بلدان عديدة وإغلاق بعض البلدان حدودها مؤقتاً، سيدفع الدول العربية نحو الاعتماد على أسواقها الداخلية بشكل أكبر للحفاظ على استمرارية التجارة وأعمال الشركات لديها.
تنويع الشراكات التجارية وقنوات التوريد
تبنت دولة الإمارات توجهاً استراتيجياً يرتكز على التنويع الاقتصادي، وعملت على تعزيز مكانتها التجارية الإقليمية والعالمية لتصبح المركز التجاري الإقليمي الأبرز، واحتلت مكانة متقدمة في النظام التجاري العالمي حتى تجاوزت قيمة مجموع التجارة الخارجية العامة للدولة خلال الأعوام 2014-2018 نحو 8.1 تريليون درهم.
وتمثل الصين الشريك التجاري الأول لدولة الإمارات، وعقدت معها عام 2018 شراكة استراتيجية شاملة تغطي مختلف القطاعات، وبيّن التقرير أن التبادلات التجارية مع الصين أصبحت تستحوذ على أكثر من 9% من تجارة الإمارات غير النفطية، وتوقع أن تواجه سلاسل التوريد المحلية تحديات قصيرة الأمد متعلقة بعمليات الاستيراد الضخمة من الصين، إلا أن هذا سيشكل قوة دافعة أكبر لتطوير الإنتاج والتصنيع المحلي خلال مرحلة جائحة الفيروس وبعدها.
ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي انخفاض حجم التبادل التجاري العالمي إلى تصاعد النقاشات العالمية عن دور الموردين والشركاء التجاريين في اقتصادات الدول، ما سيدفعها إلى تنويع سلاسل التوريد التي تعتمد عليها لتضم قنوات متعددة ومجموعة أوسع من الشركاء بما يمكنها من تخفيف تأثرها بأي انقطاع واسع في سلاسل التوريد بسبب الأزمات أو الكوارث، وهو ما سينطبق أيضاً على نموذج الشراكة بين الصين ودولة الإمارات.
تحول عالمي نحو التجارة الإلكترونية
كانت حصة التجارة الإلكترونية من مبيعات التجزئة العالمية تشهد نمواً سنوياً متصاعداً قبل أزمة "كوفيد-19". وتوقعت بعض الدراسات أن تصل إلى نحو 16% مع نحو 26 تريليون دولار عام 2020، لكن الواضح أن تلك الحصة تجاوزت ذلك إلى أرقام قياسية حالياً بسبب أزمة "كوفيد-19"، وتوجه المستهلكين نحو "التسوق عند بعد"، على الرغم أن القيمة الكلية لمبيعات التجزئة العالمية قد تتراجع بسبب تباطؤ الأسواق وتراجع الاستهلاك.
وتوقع التقرير أن يؤدي تشديد حظر التجول في مختلف دول العالم إلى دفع قطاع التجارة الإلكترونية إلى النمو بسرعة أكبر، وذكر أنه في إيطاليا وحدها، ازدادت مبيعات تجارة التجزئة عبر الإنترنت بنسبة 90% من شهر فبراير/شباط إلى مارس/آذار.
وأشار إلى أن دولة الإمارات وصلت إلى مركز متقدم على صعيد التجارة الإلكترونية قبل أزمة "كوفيد-19"، إذ يسهم الاقتصاد الرقمي بنسبة 4.3% في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
ملامح المستقبل
أظهرت أزمة الفيروس الحالية أهمية أن يكون لدى الدول العربية بنى تحتية رقمية متقدمة تتيح التسوق والعمل عن بعد وتقديم الخدمات عبر الإنترنت، فدون ذلك سيتسبب حظر التجول والبقاء في المنزل لمدة طويلة في شلل شبه كامل في الاقتصاد والأعمال ومرافق الدولة.
ووفقاً للتقرير سيؤدي هذا على المدى الطويل بعد جائحة "كوفيد-19"، إلى انتشار أوسع للأتمتة والتقنيات الحديثة في أعمال التجارة والعمليات الإنتاجية. وسيؤدي أيضاً إلى تغيير إنتاج المصانع كي تلبي المتطلبات الملحّة للدولة والمجتمع بعد انتهاء أزمة "كوفيد-19".