وكيف تسمح هذه الدول عبر مسار السلطة أن تدّعي مسؤوليتها عن الإسلام وهي دول ذات استراتيجيات ومصالح هي في الواقع لا تخدم الإسلام؟
العمل الإسلامي قضية ذات ارتباط مختلف في الإطار السياسي للدول المسلمة، ولا يمكن أن يتم تحويل المهمة الإسلامية إلى إلزام سياسي يربك المفهوم، ويعيد النظر في علاقات السلطة بين الإسلام والشعوب، أو الادعاء بالقيادة عبر محاولة تحديد هذه القيادة من جديد في إطار المجتمعات الإسلامية.
قيادة العالم الإسلامي بدأت وسوف تظل مهمة سعودية للأسباب التالية، أولاً: القدسية الإسلامية لا توجد في أي مكان في العالم خارج المدن المقدسة التي تقع في السعودية، وهذا يقلل من إمكانية بناء دور إسلامي خارج دولة تعد هي محور الارتكاز في قدسية الدين الإسلامي بأكمله دون استثناء وبكل طوائفه.
ثانياً: العالم الإسلامي منطقة ثقافية عالمية بالدرجة الأولى وليست إطاراً سياسياً، فالإسلام دين ينتشر في كل دول العالم، فالدين الإسلامي في العام 2060م سوف يعتنقه أكثر من اثنين وثلاثين بالمئة من سكان العالم بحسب مركز PEW للأبحاث في أمريكا، وهذا الانتشار يعني أن القوة المركزية لدى هؤلاء المسلمين سوف تنصب على البلد الأكثر قداسة بالنسبة لهم والمتمثل في المملكة العربية السعودية.
إن ديناميات العمل الإسلامي مهمة سعودية وسوف تبقى كذلك، ليس بسبب سياسي أو ثقافي، ولكن بعمق تاريخي له علاقة بالقدسية المكانية والزمانية التي تمتلكها السعودية، وبالطبيعة القومية العربية التي مثلت بناء الإسلام منذ لحظاته الأولى في الجزيرة العربية.
ثالثاً: المرجعية الدينية في المملكة ذات أسس إسلامية عبر تاريخها الطويل ظلت دون تحول أو محاولات تاريخية لإنتاج مفهومات بعيدة عن محوريتها كدولة للمقدسات الإسلامية، وظلت السعودية وسوف تظل تحظى بقبول كبير بين المسلمين كونها اللاعب الرئيس والقادر على تشكيل وبناء ديناميات العمل الإسلامي في ضوء التنظيم والأهداف والمدركات والدافعية والتمويل التي شكلت جميعها العمل الإسلامي الذي تقوده السعودية منذ عقود.
رابعاً: التنوع الكبير على مستوى الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي جعل من الصعب بناء تصنيف محدد لها؛ لذلك فإن أي شذوذ خارج مراكز القدسية للدين الإسلامي والذي تمثله السعودية هو مهدد بالانهيار السريع فحتى الطوائف المتناحرة في الإسلام تلتقي تحت قدسية المكان والزمان الذي لا يمكن قيامه إلا في إطار المدن المقدسة في السعودية، وبذلك يكون أي انحراف عن قدسية الزمان والمكان خطراً يهدد الإسلام قبل المسلمين.
خامساً: استطاعت السعودية خلال العقود الماضية تحييد ديناميات العمل الإسلامي عن الحوارات والحركات الاحتجاجية وتجاذبات العملية السياسية التاريخية حول الكيفية التي يستوجب الوصول إليها في طبيعية الإسلام وحوارات مفكريه، وخصوصا ذات الشأن السياسي، لقد استطاعت السعودية أن تدير مربع العمل الإسلامي بنجاح بعيداً عن الإغراق في تصورات الخلافات الفكرية، واستطاعت أن تتشرب كل التنوعات وأن تمارس القيادة للمنظومة الإسلامية دون اختلال.
الدول الإسلامية التي حاولت أن تنشق في مسار مختلف حول بناء المنظومة الإسلامية تعاني من نقص شديد في فهم أن الإسلام اليوم الذي أفرزه تاريخ القرن العشرين تحديداً، يتناقض تماما ويعارض إعادة تكسير الإسلام وفق متطلبات تاريخية مستحيلة، وسوف يكون من الخطأ تاريخياً الخلط بين مفهوم الإسلام سياسياً ومفهوم الإسلام كعقيدة منفتحة تمارس جمع الأتباع في العالم ولن تتوقف.
المشكلات السياسية التي حاولت الدول الإسلامية المنشقة التي دعت إلى مؤتمر إسلامي يتضح من تشكيلته أنه محاولة لممارسة التأثير الديني عبر خطاب عاطفي، ليكون ذلك التأثير طريقاً مباشراً للتأثير السياسي على الشعوب الإسلامية، وهذا العمل كما تسعى إليه هذه الدول التي تحاول الانشقاق عن المنظومة الإسلامية هو جزء كبير من الأزمات القائمة داخل النموذج الإسلامي في دول العالم الإسلامي.
السؤال المهم يقول: كيف تدرك هذه الدول خطورة ما تقوم به من محاولات انشقاقية على العالم الإسلامي، وكيف تسمح هذه الدول عبر مسار السلطة أن تدّعي مسؤوليتها عن الإسلام وهي دول ذات استراتيجيات ومصالح هي في الواقع لا تخدم الإسلام؟ فتاريخ الإسلام ليس بحاجة إلى مزيد من التوترات بين الشعوب عبر الاستعطاف لقضايا تاريخية لن يقبلها الواقع وخاصة محاولة تقديم الإسلام بطريقة سياسية تسهم في بعث القلق الدولي حول الفكرة الإسلامية برمتها.
السعودية وعلى الرغم من هذه المحاولات الانشقاقية من بعض الدول الإسلامية، تدرك بعمق فكري وتاريخي أن ديناميات العمل الإسلامي مهمة سعودية وسوف تبقى كذلك ليس بسبب سياسي أو ثقافي ولكن بعمق تاريخي له علاقة بالقدسية المكانية والزمانية التي تمتلكها السعودية، وكذلك بالطبيعية القومية العربية التي مثلت بناء الإسلام منذ لحظاته الأولى في الجزيرة العربية، كما أنه على الدول المنشقة أن تدرك أن مخاطر إعادة بناء مشهد إسلامي منشق وفق طموحات سياسية غير واقعية سيؤدي إلى استيراد أزمات يمكنها أن تكرس النظرة غير الإيجابية حول الإسلام من قبل دوله، وهذا ما يستوجب أن تنظر تلك الدول بتمعن إلى المهارة السعودية في إدارة المنظومة الإسلامية منذ عقود.
نقلاً عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة