الشرق الكونغولي و«إم 23».. نيران الأرض تتأجج وفرص السلام تتضاءل

اتهامات وتصعيد على الأرض يوسعان الفجوة بين الطموحات الدبلوماسية والواقع الميداني بالشرق الكونغولي، ما يقلّص آمال التقدم نحو سلام شامل.
وتشهد المنطقة تصعيداً أمنياً خطيراً يهدد المسار الدبلوماسي لإنهاء الصراع بين الجانبين.
فبعد أقل من شهر على توقيع إعلان مبادئ بين الحكومة الكونغولية وحركة «23 مارس» المتمردة والمعروفة اختصارا بـ«إم 23»، تبدو فرص التقدم نحو سلام شامل في مهب الريح، وسط تبادل للاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، وتزايد التحركات العسكرية على الأرض.
ويرى خبراء سياسيون أن توترات الشرق الكونغولي بين الجيش والمتمردين تعكس أزمة أعمق من مجرد خلافات تكتيكية، فهي تكشف عن فجوة واسعة بين الطموحات الدبلوماسية والواقع الميداني، وتطرح تساؤلات حول جدوى أي اتفاق لا يعالج جذور الأزمة التاريخية والسياسية والاجتماعية.
ويمثل إقليما شمال وجنوب كيفو مسرحاً لهذه التوترات، حيث يتداخل العاملان المحلي والإقليمي في صياغة المشهد الأمني.
فالحرب هناك ليست مجرد مواجهة بين الجيش وحركة متمردة، بل تشكل -وفق قراءات الخبراء- انعكاسا لصراعات عرقية، وتنافس على الموارد، وتدخلات خارجية تجعل أي تسوية سياسية رهينة توازنات إقليمية معقدة.
والاتفاق بين الجانبين الذي كان من المفترض أن يكون بداية جديدة نص على بدء مفاوضات رسمية في الثامن من أغسطس/آب الجاري تمهيداً للتوصل إلى اتفاق سلام شامل في 17 من الشهر نفسه.
إلا أن هذا الجدول الزمني انهار قبل أن يبدأ في ظل حالة من انعدام الثقة بين الطرفين واتهامات متبادلة بخرق التعهدات.
وفي تعقيبه على الأمر، قال فليب رينتيانس، الباحث السياسي البلجيكي وأستاذ فخري بجامعة «أنتويرب» والمتخصص في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، إن التحدي الحقيقي يكمن في تنفيذ الاتفاقات وليس مجرد توقيعها.
وأضاف رينتيانس، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن في اتفاق واشنطن مع رواندا إنجازاً دبلوماسياً، لكنَّ فعاليته مرتبطة بشكل وثيق بأن يتم تزامنه مع المسارات التي تضم حركة «إم 23».
وأوضح أن «تجارب السلام السابقة في المنطقة أظهرت أن غياب آليات مراقبة قوية وحيادية كان دائماً نقطة الضعف التي سمحت بعودة العنف».
وأشار رينتيانس إلى أن المجتمع الدولي يجب أن يلعب دوراً أكبر في ضمان التزام الطرفين، عبر مراقبين ميدانيين، وضمانات أمنية، وخارطة طريق واضحة لدمج المقاتلين وإعادة إعمار المناطق المتضررة، محذراً من أن ترك العملية بيد الأطراف المحلية وحدها قد يفتح الباب أمام انهيارها.
مخاوف
من جانب آخر، قال الباحث الكونغولي وخبير السياسة الإقليمية، أليكس مفوكا، لـ"العين الإخبارية" إن "هناك مخاوف متعلقة بالمعنى الحقيقي للسلام إذا لم تُرافق الاتفاقات أدوات لمساءلة الماضي والمشاركة الشعبية".
وأوضح مفوكا أن «أزمة شرق الكونغو ترتبط بجذور داخلية وأن العملية الدبلوماسية الحالية تفصل نفسها عن هذه الحقائق، مما قد يجعل الاتفاقات مسيسة فقط دون أن تعالج عمق الأزمة».
وبحسب الخبير، فإن «أي اتفاق سلام شامل يجب أن يتضمن برنامج مصالحة وطنية ومحاسبة قضائية للجرائم المرتكبة، إلى جانب إصلاحات في المؤسسات الأمنية والإدارية».
واعتبر أن «تجاهل هذه الملفات يعني تكرار دائرة العنف، ويرى أن دمج اتفاق السلام في إطار العملية التي بدأتها واشنطن هو السبيل الوحيد لبناء سلام متين ومستدام».
انسداد واتهامات
وتستمر حالة التوتر الأمني في إقليمي شمال وجنوب كيفو بشرق الكونغو الديمقراطية في ظل جمود مسار السلام، وتصاعد حالة انعدام الثقة بين الجيش الكونغولي و«إم 23».
ورغم أن الجانبين وقعا في 19 يوليو/تموز الماضي، إعلان مبادئ ينص على بدء المفاوضات الرسمية في 8 أغسطس/آب الجاري، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق سلام شامل في 17 من الشهر نفسه، إلا أن هذه المرحلة لم تبدأ حتى الآن.
ويكشف ذلك، وفق مراقبين، عن حالة انسداد سياسي يتداخل فيها الشد والجذب السياسي مع التوترات الميدانية.
وعلى الأرض، تتواصل الاشتباكات المتقطعة وتحركات المتمردين في شمال وجنوب كيفو، وسط تبادل للاتهامات بخرق التفاهمات المبرمة بين الجانبين وتقويض اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي بيان صدر الثلاثاء، اتهم الجيش الكونغولي متمردي «إم 23» بشن هجمات متكررة على مواقعها في الإقليمين، ووصف هذه التصرفات بـ"العدوانية"، مشيرا إلى أنها ترافقها عمليات قتل متعمد للمدنيين، خصوصًا في شمال كيفو.
وأكد الجيش أنه يحتفظ بحقه في الرد على ما وصفه بـ"الاستفزازات والانتهاكات المتكررة للاتفاقات".
ويثير الوضع قلق السكان المدنيين الذين يواصلون رغم المخاطر تعليق آمالهم على المسارات الدبلوماسية لإعادة الاستقرار والسلام إلى شرق البلاد.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA=
جزيرة ام اند امز