الأزمات الاقتصادية تحاصر تركيا في 2019.. تضخم وبطالة وإفلاسات
معهد الإحصاء التركي الحكومي أعلن أن عدد العاطلين عن العمل سجل 4 ملايين و566 ألف شخص
منيت تركيا خلال عام 2019 بالعديد من الأزمات الاقتصادية، إذ انخفضت قيمة العملة المحلية "الليرة" أمام العملات الأجنبية الأخرى، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم لأرقام غير مسبوقة، فضلًا عن ارتفاع أسعار المحروقات، والمواد الغذائية الرئيسية.
معدلات الفقر، هي الأخرى واصلت الارتفاع في 2019، كما انخفضت القوة الشرائية لدى المواطنين، وارتفعت تكاليف الحياة المعيشية، ووصل التراجع الاقتصادي الذي بدأ في 2018، لدرجة "الأزمة الاقتصادية" في 2019.
خريطة طريقة متواضعة للبرنامج الاقتصادي المتعثر
وكان من أبرز ما شهده العام 2019 إعلان وزير الخزانة والمالية التركي براءت ألبيرق، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي ما سماه بـ"ملامح خريطة الطريق الجديدة للبرنامج الاقتصادي" متوسط الأجل المستهدف تحقيقه حتى عام 2022، تحت شعار "التغيير قد بدأ"، والتي شهدت تخفيضاً للأهداف التي أعلنتها الحكومة في البرنامج ذاته الذي كان ألبيراق أطلقه في 19 سبتمبر 2018.
وقال ألبيرق، في مؤتمر صحفي آنذاك، إن خطته تستهدف نسبة 12% لمعدل التضخم السنوي بنهاية العام الحالي، بدلاً من 15.1% حالياً، مشيراً إلى أن أهداف التضخم للسنوات الثلاث المقبلة، ستكون 12 و8.5 و6 و4.9% للأعوام 2019 إلى 2022 على التوالي.
وبالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، ذكر ألبيرق أن الخطة تستهدف نسبة نمو 0.5% في عام 2019، ونسبة 5% في كل من الأعوام الثلاثة التالية.
أما البطالة، فتخطط الحكومة التركية لخفضها لتصل بنهاية العام الحالي إلى 12.9% خلال 2019، ثم إلى 11.8 و10.6 و9.8% في الأعوام الثلاثة المقبلة على التوالي.
لكن رغم هذا انتقدت مؤسسات ووكالات التصنيف الدولية البرنامج الاقتصادي للحكومة التركية، مشيرة إلى أنه كان بمثابة استدعاء لخطط قديمة فشلت الحكومة في تنفيذها، فضلاً عن استمرار عجزها عن تحقيق تقدم عبر البرنامج الجديد.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ذكر تقرير لوفد من خبراء صندوق النقد الدولي زار تركيا، أن اقتصادها لا يزال عرضة لمخاطر خارجية ومحلية، ومن الصعب تحقيق نمو قوي ومستدام إذا لم تنفذ الحكومة مزيداً من الإصلاحات.
إقالة رئيس البنك المركزي التركي
في يوليو/تموز الماضي، أظهر مرسوم رئاسي نُشر بالجريدة الرسمية أن أردوغان قرر عزل مراد جتين قايا، من منصبه كمحافظ للبنك المركزي، وعين نائبه مراد أويسال بدلاً منه، على خلفية أحدث تقرير صدر عن معهد الإحصاء التركي، يوضح انكماش الاقتصاد 2.6% في الربع الأول من عام 2019.
وكان من المقرر أن تستمر مدة المحافظ مراد جتين قايا 4 سنوات حتى عام 2020، لكن تم استبداله بنائبه مراد أويصال، قبل انتهاء ولايته بنحو عام.
وأثار عزل مراد جتين قايا من وظيفته مخاوف بشأن استقلال البنك، وسبق أن عبّر الرئيس التركي عن استيائه من الإبقاء على أسعار الفائدة عند معدلاتها السابقة، كما مارس ضغوطاً على البنك المركزي لتخفيض سعر الفائدة من أجل إنعاش الاقتصاد، وهو ما رفضه البنك المركزي في يونيو/حزيران الماضي، حيث قرر الإبقاء على أسعار الفائدة عند معدلاتها.
الاستيلاء على احتياطي البنك المركزي التركي
في أكتوبر الماضي، كشفت مصادر مطلعة أن الحكومة التركية أعدت تشريعا يسمح بتحويل 100 مليار ليرة من حساب خاص تابع للبنك المركزي إلى وزارة الخزانة.
جاء ذلك في وقت كانت تتصاعد فيه المخاوف من تشديد العقوبات الأمريكية والأوروبية بسبب مغامرات الرئيس رجب طيب أردوغان العسكرية في سوريا وإصراره على انتهاك السيادة القبرصية بالتنقيب على الغاز في مياهها الإقليمية.
وتسارعت وتيرة انزلاق تركيا في إجراءات تجميل الاختلالات المالية للهروب من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في وقت تؤكد فيه التقارير الدولية هشاشة الاحتياطات المالية ولجوء البنك المركزي إلى أساليب ملتوية لتضخيمها من خلال عمليات احتيالية.
وسبق للحكومة التركية أن انتزعت مرتين أموالا من البنك المركزي كمسكّن مؤقت لأزماتها المالية، حيث قامت في يناير/كانون الثاني الماضي بسحب 37 مليار ليرة من أرباحه وتحويلها إلى خزانة الدولة.
وفي مايو/أيار الماضي، قامت خطوة أخطر حين انتزعت 40 مليار ليرة، وكانت في تلك المرة من احتياطيات البنك المركزي القانونية، التي تستخدم عادة في أوقات الأزمات فقط، الأمر الذي يقوض قدرته على مواجهة أي أزمة مالية جديدة.
منافذ بيع المنتجات المدعمة حيل فاشلة
قبل الانتخابات المحلية الأخيرة التي شهدتها تركيا في 31 مارس/آذار الماضي، ارتفعت أسعار العديد من المنتجات، لا سيما الخضراوات، إذ وصل سعر حبة البصل الواحدة إلى ليرة كاملة، فقام نظام أردوغان على إثر ذلك بتوجيه البلديات التابعة له بفتح منافذ بيع المنتجات المدعمة.
جاء ذلك في مسعى من النظام الحاكم للحصول على أصوات الناخبين، لكنه ما إن خسر الانتخابات المحلية قام بإغلاق هذه المنافذ على الفور.
كما أن الحكومة كانت قد لجأت إلى إقامة هذه المنافذ لبيع المنتجات الأساسية بأسعار مدعمة في عدد من المدن التركية الكبرى، قبيل انتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات البرلمانية منتصف العام الماضي، في محاولة منها لتسكين آلام المواطنين، إلا أنها سرعان ما أزالت تلك المنافذ بعد الانتخابات، مع بيع منتجاتها إلى مراكز التسوق الكبرى.
إفلاس الشركات
تواصل إفلاس العديد من الشركات التركية في العام 2019، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي كانت قد أطلت برأسها في أغسطس/آب 2018، حيث شهدت إعلان مئات الشركات تقدمها للقضاء بطلب تسوية إفلاس لإعادة جدولة مديونياتها أو إعلان إفلاسها، هربا من ملاحقات الدائنين، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أصبحت تعصف بها.
وبإمكان الشركات في تركيا طلب تسوية إفلاس من القضاء، للحماية من الإفلاس والحجز على ممتلكاتها، وتعني الخطوة إرجاء الإفلاس مؤقتا لحين سداد الديون خلال مدة 3 أشهر، وبفضل هذا الإجراء تصبح ممتلكات الشركة خاضعة للحماية بقرار قضائي، ولا يتم اتخاذ أي إجراءات حجز عليها، لكن يتوجب على الشركات سداد نصف ديونها كي يُقبل طلبها هذا.
وفي يوليو/تموز الماضي، كانت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، قد كشفت عن إغلاق أكثر من 15 ألف شركة محلية وأجنبية في تركيا خلال عام 2018.
وفي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، كشف تقرير دولي عن الإفلاس أصدرته مؤسسة "يولر هيرميس" الائتمانية المتخصصة في مجال التأمين على الائتمان التجاري عن أن أعداد الشركات المفلسة في تركيا سترتفع خلال عام 2019 بنسبة 5.3%؛ إذ من المتوقع أن يصل عدد الشركات المفلسة خلال عام 2019 إلى 16.4 ألف شركة، في دليل جديد على فشل السياسات الاقتصادية للرئيس أردوغان.
الإعلان عن ضرائب جديدة
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، أعلن نظام أردوغان عن إقرار 3 ضرائب جديدة في مشروع الضريبة الجديدة للعام 2020 الذي مرره البرلمان مؤخرً.
وتسمى الضريبة الأولى تسمى "ضريبة الخدمة الرقمية"، والثانية "ضريبة العقارات الفاخرة" والثالثة "ضريبة الإقامة بالفنادق".
ويشمل قانون "ضريبة الخدمة الرقمية"؛ فرض ضرائب على إيرادات الشركات التي تقدم خدمات رقمية. فيما يفرض قانون "ضريبة العقارات الفاخرة"؛ ضرائب على العقارات والمنازل الفخمة.
فيما ستكون ضريبة الخدمة الرقمية في حدود 7.5%، يتعين على من يقدم خدمات رقمية من شركات وأفراد تسديدها للدولة، على أن يكون إجمالي الإيرادات التي حصلها المعني بالسداد داخل تركيا أكثر من 20 مليون ليرة أو أن تكون قيمة ما حصله في العالم بأسره أكثر من 750 مليون يورو أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى.
أما "ضريبة العقارات الفاخرة" فستطبق على العقارات التي يزيد ثمنها على 5 ملايين ليرة، وستكون نسبتها 1%، على أن تقوم الإدارة العام لسجل الأراضي والعقارات بتحديد قيمة العقار.
وبخصوص "ضريبة الإقامة بالفنادق" فستفرض على الخدمات المقدمة بمرافق الإقامة والاستجمام كالفنادق، والقرى السياحية، والمنتجعات، والمعسكرات الترفيهية، وفق الصحيفة التي أشارت إلى أنه لم يتم تحديد النسبة التي سيتم تحصيلها في هذا الإطار.
وذكر خبراء اقتصاديون، بحسب المصدر، أن هذه الضرائب ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الخدمات التي تقدمها الجهات المخاطبة بالضرائب الجديد.
معدلات البطالة
بحسب ما كشف عنه معهد الإحصاء التركي الحكومي، في سبتمبر/أيلول الماضي، ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 817 ألف شخص مقارنة مع الشهر ذاته من 2018، ليسجل عددهم الإجمالي 4 ملايين و566 ألف شخص.
ومنتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أعلن المعهد أن معدل البطالة في تركيا بلغ 27.4% في الفئة العمرية بين 15 و24 عاما خلال أغسطس/آب 2019، بزيادة 6.6% على أساس سنوي.
وذكر المعهد أن معدل البطالة في البلاد ارتفع بشكل عام بنسبة 2.9%، وسجل 14% في أغسطس/آب.
عجز الموازنة العامة والتجارة الخارجية
بلغ عجز الموزانة العامة التركية خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي 92.9 مليار ليرة (16.8 مليار دولار تقريبًا) ، بحسب بيان صدر عن وزارة الخزانة والمالية التركية، منتصف ديسمبر /كانون الأول.
وأوضح البيان أن موارد الميزانية سجلت خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين 802.5 مليار ليرة بنسبة ارتفاع بلغت 16.2% مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2018.
فيما بلغت النفقات في الفترة ذاتها 895.4 مليار ليرة بنسبة ارتفاع بلغت 20.1%؛ لتبلغ نسبة العجز 92.9 مليار ليرة.
وبلغ نصيب الفرد من الدين التركي في 2009 مقدار 6046 ليرة، وفي 2010 بلغ 6245، وفي 2011 بلغ 6852، وفي 2012 وصل إلى 7110، وفي 2013 بلغ 7505، وفي 2014 بلغ 7746، وفي 2015 بلغ 8620، وفي 2016 بلغ 9100، وفي 2017 بلغ 10.737، وفي 2018 بلغ 13.216، وفي العام الجاري بلغ 15.374 ليرة.
وأظهرت بيانات من معهد الإحصاءات التركي، الثلاثاء، أن عجز التجارة الخارجية لتركيا قفز 232.2% على أساس سنوي في نوفمبر إلى 2.234 مليار دولار.
وقال المعهد إن صادرات تركيا ارتفعت 0.1% على أساس سنوي إلى 15.503 مليار دولار، وإن الواردات قفزت 9.7% إلى 17.737 مليار دولار.
كما أظهرت بيانات معهد الإحصاء أن مؤشر الثقة باقتصاد البلاد بلغ في ديسمبر/كانون الأول 93.8 نقطة. وينم المؤشر عن توقعات متفائلة للاقتصاد حين يتجاوز 100 نقطة بينما يشير لتشاؤم حين يقل عن هذا المستوى. وكانت آخر مرة تجاوز فيها المؤشر 100 نقطة في مارس 2018.
معدلات التضخم وارتفاع الأسعار
شهدت معدلات التضخم بتركيا في نوفمبر الماضي زيادة تقدر بـ10.56% مقارنة مع الشهر ذاته من العام 2018، وبنسبة 0.38% مقارنة مع الشهر السابق عليه.
وارتفعت أسعار الكهرباء مطلع أكتوبر الماضي بنقدار 14.90%، وذلك بعد شهرين فقط من زيادة سابقة أقرت في مطلع يوليو وقدرت بـ15%.
أسعار غاز المنازل شهدت هي الأخرى على مدار 2019 زيادات قدرت بـ53.8%.
كما أن أسعار المحروقات شهدت هي الأخرى زيادات متكررة خلال 2019، رفعت سعر البنزين من 5.90 ليرة في بداية العام إلى 7 ليرات، والديزل من 5.70 إلى 6.56 ليرة، الأمر الذي أثر بالسلب على الأوضاع الاقتصادية.
وشهد البنزين 15 زيادة في 2019، بينما زاد الديزل 13 مرة، وزادت أسعار غاز البترول المسال 8 مرات.
أسعار العملات الصعبة مقابل الدولار
بدأ سعر الدولار في تركيا عام 2019 عند 5.25 ليرة، لكن بعد تعنت نظام أردوغان ورفضه الاعتراف بخسارته لبلدية إسطنبول الكبرى في الانتخابات المحلية الأخيرة، ومواصلته حيله لإعادة الانتخابات مرة ثانية على مقعد رئيس البلدية، واصل سعر الدولار ارتفاعه ليسجل أعلى مستوى له في 2019 عند 6.25 ليرة.
كما أن سعر اليورو مقابل العملة المحلية الليرة، واصل ارتفاعه هو الآخر على مدار العام ليسجل أعلى مستوى له عند 07.3 ليرة.
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز