معلومة اقتصادية.. ماذا يعني ارتفاع أسعار الحديد والنحاس؟
جرت العادة أن يستدل بالتعافي الاقتصادي على انتعاش البورصة وبعض السلع كالنفط، لكن سلعا أخرى يعكس انتعاشها تطور إيجابي لمعدلات النمو.
وتعكس حركة سوق الحديد والنحاس على سبيل المثال مؤشرا على تحسن الطلب الفعلي في القطاعات المحركة للاقتصاد.
ويعد خام الحديد والنحاس، مقياسا لنشاط القطاعات الصناعية، إذ يعتبر خام الحديد المكون الرئيسي لإنتاج الصلب والذي يدخل بدوره في صناعات لا حصر لها، فيما يستخدم النحاس كمادة أولية في أعمال أشباه الموصلات وصناعات تقنية عديدة.
- إرث الوباء.. التجارة الإلكترونية تقفز في عالم متباعد
- معلومة اقتصادية.. ما الفرق بين رواد الأعمال ومؤسسي الشركات؟
ارتفعت أسعار خام الحديد المتداولة في الصين إلى 1142 يوانا نحو 176 دولارا للطن، وهو مستوى قياسي جديد، ومعه ارتفعت عقود حديد التسليح الآجلة إلى 5475 يوانا حوالي 844 دولارا للطن، وهو أيضا مستوى قياسي.
في غضون ذلك، قفزت أسعار النحاس إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2011، حيث سجلت العقود الآجلة في "كومكس" 4.41 دولار للرطل، نهاية الأسبوع الماضي، بعد 3 أسابيع متتالية من الارتفاع للمعدن الذي تتعدد استخداماته الصناعية.
ماذا وراء الارتفاع؟
باعتبارها أكبر منتج في العالم للصلب، فإن التغيرات في السوق الصيني تلقى صدى قويًا في الأسواق العالمية، وجاء الارتفاع الأخير في أسعار خام الحديد بالتزامن مع انتعاش الطلب العالمي على الصلب وفي ظل اتجاه بكين لتبني قيود على الإنتاج لمكافحة التلوث.
أسعار لفائف الصلب المدرفلة على الساخن، والمستخدم في صناعة السيارات والأجهزة المنزلية، لامست مستوى قياسيًا بلغ 5597 يوانًا للطن (863 دولارًا) الأسبوع الماضي، وقال محللو مصرف "جيه بي مورجان" إن هذه دورة صعودية كلاسيكية للصلب، حيث يخرج العالم من الوباء ويتفاعل مع إجراءات التحفيز، ما يدفع الطلب للتعافي بوتيرة سريعة.
قال محللو "جيه بي مورجان" إن المحادثات حول فرض قيود إضافية على إنتاج الصلب في الصين ساعدت أيضًا في ارتفاع أسعار الصلب في آسيا، حيث ارتفع سعر اللفائف المدرفلة على الساخن إلى 900 دولار للطن.
قيود في أكبر مدينة لصناعة الصلب
بعد القيود في أكبر مدينة لصناعة الصلب في تانغشان، ستنفذ مدينة هاندان في مقاطعة خبي، مركز الصلب في الصين، تدابير مراقبة الإنتاج في قطاعي الصلب وفحم الكوك من 21 أبريل إلى 30 يونيو، حسبما ذكرت صحيفة "تشاينا ميتالورجيكال نيوز" المدعومة من الدولة.
بعد ملامسة الأسعار مستويات قياسية في أستراليا أيضًا، قال بنك "كومنولث أوف أستراليا" إن أسعار خام الحديد ستظل مرتفعة ما دامت هوامش مصانع الصلب الصينية مرتفعة، حيث تحصل حاليًا على نحو 780 دولارًا لطن قضبان التسليح المستخدمة في مشاريع البناء المختلفة، وهو أعلى مستوى منذ 12 عامًا.
طلب هائل وإمدادات ضعيفة
عززت أسعار الصلب المرتفعة هوامش ربح المصانع الصينية، مما دفعها إلى زيادة الإنتاج ومشتريات خام الحديد. الحقيقة هي أن هوامش مصانع الصلب لا تزال مرتفعة بشكل لا يصدق، ولن تتوقف عن إنتاج الصلب في ظل هذه المستويات القوية للغاية وهو ما يدفع الخام إلى مستوياته الراهنة.
يقول "تود وارين"، خبير أسواق خام الحديد والسلع ورئيس الأبحاث في "Tribeca Investment Partners" ومقرها سيدني: السعر يسير في اتجاه واحد، والسوق كان على خطأ، لا تتفاجأ برؤية السعر يرتفع إلى 200 دولار أمريكي للطن، فنحن بالفعل عند 180 دولارًا أمريكيًا ونواصل التغير.
كافح أكبر منتجين للحديد الخام في العالم لمواكبة الطلب الصيني القوي في الربع الأول من عام 2021، في ظل تضررهما من التحديات التشغيلية واضطرابات الطقس، ما انعكس بشكل إيجابي على الأسعار.
كارثة سد النفايات
أنتجت شركة فالي "Vale" البرازيلية خاما أقل مما كان متوقعًا في الربع الماضي بعد انخفاض الإنتاجية في أحد مناجمها الرئيسية واندلاع حريق بمعدات تحميل السفن، وذلك بعدما تبين أن تعافيها من كارثة سد النفايات في أوائل عام 2019 أبطأ قليلاً مما كان متوقعًا.
تعطلت شحنات "ريو تينتو" بسبب الطقس الأكثر رطوبة من المتوسط في عمليات بيلبارا غربي أستراليا، وحذرت الشركة من أن توقعاتها الخاصة بالإنتاج السنوي الذي يصل إلى 340 مليون طن تواجه مخاطر لوجستية مرتبطة بإمكانية تشغيل 90 مليون طن من قدرة المناجم البديلة.
في غضون ذلك، قفز إنتاج الصين من الصلب بنسبة 19% الشهر الماضي مقارنة بالعام السابق ليقترب من مستوى قياسي، ويزدهر إنتاج الدولة في نفس الوقت الذي أدت فيه حملة مكافحة التلوث إلى رفع الأسعار وتعاظم هوامش الربح في المصانع.
ماذا عن النحاس؟
في فبراير الماضي، وصل المعدن الصناعي إلى مستوى 4.36 دولار للرطل، لكنه لم يحافظ على مكاسبه آنذاك، والآن يبدو اهتمام الأسواق الذي يقود الأسعار للارتفاع منصبًا على رؤية أكثر تماسكًا ومصداقية وهي النمو المتسارع.
يرى المستثمرون إمكانية قوية لنمو نسبته 6% هذا العام في أمريكا (أكبر اقتصاد في العالم)، في ظل تسجيل الصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) معدل نمو من رقمين (10% فأكثر)، وتبدو الرواية المتداولة في الأسواق مقنعة ومشجعة، وينعكس ذلك في طلب قوي على المعدن بالفعل.
منذ بداية العام، ارتفعت أسعار النحاس بأكثر من 23%، وعادةً ما تكون أسهم تعدين النحاس بمثابة مرآة لقوة السلعة. الشركات لديها تكاليف ثابتة، لذا فإن مبيعاتها وأرباحها ترتفع أكثر وتنخفض أكثر وفقًا للتغير في سعر السلعة، وبالنظر إلى ذلك، فليس من المستغرب أن تقدم أسهم النحاس أداءً جيدًا هذا العام.
وارتفعت أسهم شركات كبيرة مثل "Freeport-McMoRan" و"Glencore" و"BHP" و"Southern Copper" بنسبة 49% و28% و14% و9% على التوالي منذ بداية العام، كما ارتفعت أسهم شركات مناجم النحاس الصغيرة مثل "Turquoise Hill Resources" و"Copper Mountain Mining" بنسبة 36% و111% على التوالي.
مع ذلك، فإن ارتفاع أسعار النحاس لا يبدو أنه يضر مستخدمي السلعة، التي تدخل في تجهيز المنازل وتصنيع السيارات وصناعات أخرى كثيرة، حيث ارتفعت أيضًا أسهم شركات بناء المنازل والسيارات.
على سبيل المثال ارتفع سهم "جنرال موتورز" و"فورد موتور" بنسبة 37% منذ بداية العام، وقفز صندوق "SPDR S&P Homebuilder ETF" لأسهم الإسكان بنحو 29%.
كل هذا منطقي بالنسبة للمستثمرين، حيث إن ارتفاع أسعار النحاس جاء لأن الناس يريدون المزيد من السيارات والمنازل والهواتف، خاصة بعد زوال عبء عدم اليقين حول الاقتصاد من جراء الجائحة، لذا فإن الطلب جيد وكبير للغاية على جميع الأسهم والمنتجات.