يشهد العالم منذ ظهور جائحة كورونا أوضاعا اقتصادية غير مستقرة.
وما انتهى العالم من تداعيات الجائحة، إلا وجاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتزيد التحديات على دول العالم كافة، والدول النامية والفقيرة خاصة.
وقد حذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن هناك أزمة ديون كبيرة تجتاح الدول النامية والمناطق الأكثر فقرا في العالم، وقدَّر البرنامج في تقريره أن 54 دولة، تمثل أكثر من نصف أفقر سكان العالم- بحاجة إلى تخفيف عاجل للديون، وذلك لتجنب زيادة الفقر المدقع، وإيجاد فرصة للتصدي لتغير المناخ والتحديات الراهنة.
وينادي أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، باتخاذ سلسلة إجراءات اقتصادية فورية تتضمن شطب الديون وإضافة بنود خاصة إلى عقود السندات تتعلق بفترات الأزمات، واستطرد قائلا: "دون إعادة جدولة الديون بشكل فعال سيزيد الفقر ولن يتم الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ".
ودعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريره أيضا إلى إعادة تقويم إطار العمل المشترك، الذي تقوده مجموعة العشرين، وهي الخطة المصمَّمة لمساعدة الدول التي تعرضت لمشكلات مالية بسبب جائحة كورونا، عبر إعادة جدولة الديون، ولم يستفد منها حتى الآن إلا تشاد وإثيوبيا وزامبيا.
وفي تقرير آخر، حذر البرنامج من أن هناك أزمات عدة تقوّض التقدم في العالم، إذ تسجل 9 من كل 10 بلدان تراجعا في مؤشر التنمية البشرية.
ويختص مؤشر التنمية البشرية بقياس أوضاع الصحة والتعليم ومستويات المعيشة في مختلف البلدان، حيث انخفضت قيمة المؤشر عالميا خلال سنتين على التوالي، وذلك في 2020 و2021، وتراجعت التنمية البشرية إلى المستويات التي بلغتها في عام 2016، وشمل هذا التراجع العالم أجمع تقريبا، ما يشير إلى أن الأزمة لا تزال تتعمق للعديد من الشعوب حول العالم.
وفي ظل هذه الأزمات المتتالية طرح وزير الخارجية المصري سامح شكري في الدورة رقم 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة لمبادلة الديون بين الدول والمؤسسات الدائنة والدول المدينة.. وأكد ضرورة تجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية تهدف إلى مبادلة الديون وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية مشتركة.
وأضاف أنه مع استمرار الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كورونا والتطورات الجيوسياسية المتلاحقة باتت الدول النامية تواجه أعباء متزايدة وتحدياتٍ ضخمة.
وتتبع مصر منهج مبادلة الديون منذ وقت طويل، حيث بدأ توقيع المرحلة الأولى من برنامج مبادلة الديون المصرية-الإيطالية من أجل التنمية في عام 2001، والمرحلة الثانية وقّعت عام 2007 وبلغت قيمتها 100 مليون دولار، وجرى تمويل 32 مشروعا في قطاعات مكافحة الفقر وخلق وظائف جديدة، والمرحلة الثالثة من المشروع بدأت في 2012 وبلغت قيمتها 100 مليون دولار، وهي تمثل إجمالي الديون المستحقة لإيطاليا لمدة 11 عاما، واستخدمت في تمويل مشروعات في مجالات الأمن الغذائي والتعليم والزراعة والمجتمع المدني والبيئة.
كذلك برنامج مبادلة بين مصر وألمانيا في عام 2011 مقسم لثلاث مراحل.. واتفقت الدولتان على إلغاء ديون بقيمة 240 مليون يورو لتمويل مشروعات تنموية.. وتشمل المرحلة الأولى تنفيذ عدة مشروعات، من ضمنها دعم جودة التعليم، والمرحلة الثانية تشمل تحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، أما المرحلة الثالثة فكانت لإعادة تأهيل المحطات الكهرومائية والحد من التلوث.
ولإنجاح مبادرة مبادلة الديون يجب حشد دعم دولي لها لتُحقق الزخْم المطلوب بانخراط الدول والجهات الدائنة فيها، وسط توقعات منظمات دولية ارتفاع معدلات الركود والتضخم واحتمالات تعثر الدول عن سداد ديونها بارتفاع معدلات الفائدة المستمرة للعملة الأجنبية، والتي تؤدي لزيادة تكاليف الديون.
فمبادلة الديون تحمي اقتصاد الدول المدينة من أزمة التخلف عن السداد، فضلا عن مشكلات أخرى، من بينها ارتفاع أسعار الفائدة المحلية، والتي من شأنها عرقلة النمو الاقتصادي وزيادة نسب البطالة.. كما تسهم المبادلة في الاحتفاظ بالاستثمارات داخل الدولة، وعدم رحيلها حال حدوث تأخر في سداد الديون.. وستوفر المبادرة للجهات الدائنة استثمارات وتسهيلات في الحصول على مشروعات في الدولة المدينة لضمان استرداد أموالها.
وتعتبر مبادرة مبادلة الديون حلا مناسبا للمرحلة الراهنة التي يمر بها الاقتصادي العالمي، فليس من مصلحة الجهات الدائنة ولا الدول المدينة التخلف عن السداد، لأن ذلك سيسبب خللا في النظام الاقتصادي الدولي، لذلك يجب البحث عن طرق جديدة لتسوية الديون، خلفا للطرق القديمة التي من الصعب تطبيقها حاليا في ظل أزمات اقتصادية طاحنة تعصف بالدول النامية والفقيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة