اقتصاد النحافة.. هل تقود أدوية التخسيس ثورة جديدة في سوق العمل؟
منذ موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أدوية التخسيس قبل 3 سنوات، ارتفع استخدامها بشكل ملحوظ.
وأصبحت "نوفو نورديسك"، الشركة المصنعة لـOzempic وWegovy، أكثر الشركات الأوروبية قيمة. واحتلت شركة "إيلي ليلي"، المصنعة لعقار Mounjaro، موقعاً متقدماً في السوق الأمريكية العام الماضي.
ومن بين المشاهير الذين فقدوا وزنهم باستخدام هذه الأدوية “أوبرا وينفري” و”كيلي كلاركسون”، اللتان ظهرتا بشكل أنيق وممشوق بين عشية وضحاها تقريباً.
- البدانة تحاصر شباب فرنسا.. و"الفقر" متهم رئيسي
- البدانة تطارد ثلث أطفال أمريكا اللاتينية.. و"يونيسيف" تتهم كورونا
ووفقا لتقرير نشرته مجلة الإيكونوميست، يقدر بنك "مورغان ستانلي" الاستثماري أن حوالي 9% من الأمريكيين سيتناولون الأدوية الخاصة بفقدان الوزن بحلول عام 2035. وهذا ليس سوى قمة الجبل الجليدي؛ فالطلب على هذه الأدوية في تزايد مستمر.
أما أهم التداعيات لاكتشاف هذه الأدوية، فبخلاف تحسين الصحة وحياة معظم مستخدميها، توجد مخاوف من أن تزيد من الضغوط التي تجعل الجميع يتماشون مع معايير الجمال المعاصرة، وهو ما قد يثير حالات نفسية واضطرابات غذائية نتيجة لتزايد الضغوط الاجتماعية على الأفراد لتحقيق جسد معين.
ليس مسألة شخصية
واكتسب استخدام هذه الأدوية زخما مؤخرا مع واقع لم يصبح فيه الوزن البدني مسألة شخصية تخص صاحبها. وبات استخدام الناس لهذه الأدوية لأسباب جمالية بحتة وليس فقط لأسباب صحية، وهذا ليس مجرد سعي للموضة، بل هو استجابة للتفرقة الواسعة ضد الأشخاص الذين يعانون من السمنة. وكشفت دراسات عن وجود تمييز ضد الأفراد الذين يعانون من السمنة في مجالات التوظيف والرواتب،
ففي السويد والمكسيك، حيث يُعتبر تضمين صورة في السيرة الذاتية أمراً شائعاً، فقد أكد باحثون أن البدناء أو الذين يعانون من السمنة كانوا أقل عرضة بشكل ملحوظ للحصول على مقابلات.
وقارن بيتير لونبورغ من جامعة لوند وجون كاولي من جامعة كورنيل بين أجور النساء البدينات والنحيفات، مع مراعاة التعليم والخبرة وعوامل أخرى، في أوروبا وأمريكا على التوالي، ووجدا أن النساء اللواتي لديهن مؤشر كتلة جسم (BMI) بدين يتقاضين أجوراً أقل بنسبة 10% تقريباً مقارنةً بنظيراتهن. وتشير هذه النتائج إلى أن تأثير استخدام أدوية التخسيس بالنسبة للمرأة التي تعاني من السمنة ويبلغ دخلها، على سبيل المثال، 80,000 دولار، يمكن أن يكون أكثر تأثيراً من أي توفير محتمل قد تحققه على فواتيرها الصحية.
تمييز أسوأ؟
تثير هذه الأدوية أسئلة حول ما إذا كانت ستفاقم التمييز ضد الأشخاص الذين يعانون من السمنة، خاصةً في ظل تزايد حركة "إيجابية الجسد" التي تدعو إلى قبول كافة الأجسام. وترى تريسي مكملان كوتوم، كاتبة في صحيفة نيويورك تايمز، أن فكرة هذه الأدوية تكمن في إصلاح ما أفسدته الثقافة من نظرة للجسم السمين. ترى أن الحل يكمن في أن يتوقف المجتمع عن وصم الأشخاص الذين يعانون من السمنة، بدلاً من الاعتماد على الأدوية لإصلاح هذا الأمر.
وكانت حركة "إيجابية الجسم"، التي تدافع عن فكرة أن الجميع ليسوا بحاجة إلى السعي لتلبية نفس المثل الجمالي، بالفعل تكتسب زخماً. فالعديد من تجار التجزئة باتوا يقدمون أحجاماً أكبر. وأصبح من الشائع رؤية الملابس معروضة على نساء ذات أحجام أكبر عند التسوق عبر الإنترنت. كما استخدم جون غاليانو من دار الأزياء الفاخرة ميزون مارجيلّا عارضات بأحجام متنوعة في عرض أزياء في باريس.
لكن التحيز الذي لا يزال موجودا ضد الأشخاص البدناء يهدد مكتسبات الحركة. وحتى الآن، كانت هذه الأدوية متاحة في الغالب للأثرياء، ووفقا للتقرير فإذا كان فقدان الوزن مرتبطاً إلى حد كبير بدخل الفرد، فهناك خطر أن تُعتبر السمنة إشارة على أن الشخص من ذوي الدخل المنخفض. لكن الانتشار على نطاق واسع يجري على قدم وساق - وسيغير ذلك المشهد.
الإشارة والقياس
وتعتبر فكرة استخدام المظهر الخارجي كوسيلة للتعبير عن المكانة جزءًا من الطبيعة البشرية، كما أثبتت الدراسات التاريخية أن الرغبة في التميز بالمظهر موجودة منذ العصور القديمة. فالإنسان الأول ابتكر الأدوات أولا ثم اخترع المجوهرات. اكتشف علماء الآثار سلسلة من الأصداف، يُعتقد أنها كانت قلادات أو أقراط، يعود تاريخها إلى 150,000 عام - أقدم من تطور اللغة. ومن ثم، فإن الرغبة في استخدام المظهر للإشارة إلى طرق التميز عن الآخرين هي واحدة من أقدم الدوافع لدى الإنسان.
وكانت الجماليات رفيعة المستوى في عصر النهضة هي النساء الممتلئات اللاتي رسمهن روبنز. ثم جعلت الثورة الصناعية الطعام أكثر توفرًا لطبقات المجتمع، فأصبح المظهر النحيف أكثر رغبة. فالنحافة ترسل إشارة: أن لدى الشخص الوقت لممارسة الرياضة، والمال لشراء الأطعمة الصحية، والتعليم لمعرفة الحمية المناسبة. في البلدان ذات الدخل المنخفض مثل مالاوي وأوغندا، حيث يُعتبر الطعام نادراً بالنسبة للفقراء، تعتبر السمنة أكثر رغبة، كما كانت في الغرب قبل الصناعة. وقد أجرت إليسا ماكي من جامعة براون دراسة في هذه البلدان، وجدت أن المتقدمين الذين يظهرون بدناءً حصلوا على وصول أفضل إلى الائتمان.
وبتغير الأذواق الثقافية بمرور الزمن، قد نجد أن الأدوية مثل Ozempic ستعيد تشكيل معايير الجمال.
فقد يؤدي توافر هذه الأدوية إلى إضعاف رغبة المجتمع في النحافة كمعيار وحيد للجمال، مما يتيح المجال لمعايير جديدة قد تشمل التركيز على اللياقة البدنية والقوة العضلية، أو ربما حتى القبول بأجساد متنوعة. بالنسبة للعديد من الأشخاص، يمكن أن يمثل ذلك تحولًا إيجابيًا يقلل من الأضرار التي سببها السعي وراء الجسد النحيف، خاصةً بين الفتيات الصغيرات.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMjkg
جزيرة ام اند امز