قطاع الطاقة في مصر 2025.. استعادة زخم الإنتاج بعد سنوات من التراجع
5 ركائز للبترول وقفزة نوعية لـ«المتجددة»
لم يكن عام 2025 عامًا اعتياديًا في مسار قطاع الطاقة المصري، بل شكّل نقطة تحوّل أعادت تعريف أولويات الدولة في إدارة مواردها وحددت ملامح الانتقال المنهجي نحو مزيج طاقة أكثر تنوعًا واستدامة.
ففي ظل تقلبات أسواق الطاقة العالمية، وتزايد الضغوط على سلاسل الإمداد، وارتفاع تكلفة الاستيراد، تبنّت مصر مقاربة متعددة الأبعاد جمعت بين تأمين الاحتياجات العاجلة، وتعظيم الاستفادة من الأصول القائمة، وتحفيز الاستثمار طويل الأجل، إلى جانب التوسع المتسارع في الطاقة المتجددة.
ويكشف تحليل أداء القطاع خلال العام عن استراتيجية تقوم على ركائز واضحة، تبدأ بإدارة فجوة الطاقة عبر استيراد مرن ومدروس للغاز الطبيعي المسال، ولا تنتهي عند تسريع وتيرة الاكتشافات والتنمية في الحقول التقليدية، بل تمتد إلى إعادة توطين الاستثمارات الأجنبية، وتكامل السياسات بين البترول والكهرباء والطاقة النظيفة.
هذا التوازن بين المعالجات قصيرة الأجل والرؤية طويلة المدى مكّن مصر من استعادة زخم الإنتاج بعد سنوات من التراجع، وخفض فاتورة الاستيراد، وتعزيز موقعها الإقليمي كلاعب رئيسي في معادلة الطاقة بشرق المتوسط.
خمس ركائز تشكل ملاح الطاقة
قال الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن حصاد عام 2025 لقطاع البترول المصري يمكن قراءته من خلال 5 ركائز رئيسية شكّلت ملامح الأداء العام للقطاع خلال العام.
وأوضح القليوبي في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الركيزة الأولى تمثلت في نجاح مصر في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، سواء لقطاع الكهرباء أو الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمدة والبتروكيماويات، مشيرًا إلى أن نحو 25% من احتياجات السوق المحلي يتم توفيرها حاليًا عبر الاستيراد.
وأضاف أن قطاع البترول نجح في إبرام تعاقدات طويلة الأجل، إلى جانب توفير أكثر من 3 سفن تغييز تعمل داخل الموانئ المصرية بعقود ممتدة حتى عامي 2025 و2026، فضلًا عن التعاقد على سفينة رابعة بالتعاون مع الأردن يمكن استخدامها داخل مصر عند الحاجة.
وأشار إلى أن الركيزة الثانية تمثلت في عودة نشاط التنمية والاستكشاف بقوة داخل الحقول، بعد قيام الحكومة بسداد الجزء الأكبر من مستحقات الشركاء الأجانب، وهو ما أعاد الثقة للشركات العالمية ودفعها لضخ استثمارات جديدة في عمليات التطوير والتنمية وخطط البحث والاستكشاف.
وأضاف القليوبي أن الركيزة الثالثة ركزت على تعظيم الاستفادة من الاكتشافات القائمة، من خلال دعم عمليات التنمية والتطوير في الحقول الكبرى، وعلى رأسها حقل ظهر، وحقول الدلتا العميق، إلى جانب عدد من الحقول الأخرى التي شهدت برامج دعم فني واستثماري لرفع معدلات الإنتاج.
وأوضح أن الركيزة الرابعة تمثلت في تحقيق اكتشافات جديدة بالشراكة مع شركات عالمية كبرى، خاصة في منطقتي شمال وشرق المتوسط وغرب المتوسط، مع دخول مستكشفين كبار أسفر عن اكتشافات مهمة، إلى جانب اكتشافات جديدة في الصحراء الغربية ودلتا النيل، ما ساهم في رفع إنتاج الغاز الطبيعي من نحو 4.1 مليار قدم مكعب يوميًا إلى قرابة 4.5 مليار قدم مكعب يوميًا.
وأشار إلى أن الركيزة الخامسة شملت نجاح قطاع البترول في تأمين احتياجات السوق المحلي من المنتجات البترولية، سواء من خلال استمرار تشغيل معامل التكرير بكفاءة، أو عبر عقود توريد طويلة الأجل مع عدد من الدول الشقيقة، من بينها الكويت والإمارات، لتوفير السولار والبوتاجاز وبنزين 95.
واختتم القليوبي تصريحاته بالإشارة إلى تناغم السياسات بين قطاع البترول وقطاع الطاقة المتجددة، موضحًا أن دخول محطات جديدة للطاقة النظيفة إلى الخدمة يسهم تدريجيًا في خفض فاتورة الاستيراد، عبر تقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، ودعم مزيج الطاقة في مصر على المدى المتوسط والطويل.
29 اكتشافًا غازيًا
بدوره، قال المهندس أشرف نصير، استشاري الطاقة المتجددة ورئيس لجنة الاقتصاد الأخضر بجمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، إن قطاع الطاقة في مصر حقق إنجازات بارزة خلال عام 2025، مدعومة بالاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي والتقدم الملحوظ في مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما أسهم في زيادة الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وأوضح نصير في حديث لـ"العين الإخبارية" أن هذه التطورات انعكست بشكل مباشر على الاقتصاد، حيث ساهمت في خفض فاتورة الوقود المستورد بنحو 3.6 مليار دولار، بالتزامن مع دخول الإنتاج النفطي والغازي مرحلة نمو تدريجي بعد فترة تراجع استمرت لنحو أربع سنوات.
وأشار إلى أن مصر أعلنت عن 29 اكتشافًا غازيًا جديدًا خلال العام المالي 2024-2025، بإجمالي احتياطيات تُقدّر بنحو 1.85 تريليون قدم مكعبة، موزعة بين البحر المتوسط والصحراء الغربية وخليج السويس، إلى جانب اكتشافات إضافية من بينها حقل بدر–15 في الصحراء الغربية بطاقة إنتاجية تبلغ 16 مليون قدم مكعب يوميًا، وثلاثة اكتشافات جديدة مطلع 2025 وهي: الفيوم 5، كينغ 2، ونفرتاري-1، فضلًا عن 7 اكتشافات جاهزة للإنتاج.
وأضاف أن هذه الاكتشافات عززت الاحتياطيات الوطنية ودعمت خطط الدولة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 30% ليبلغ نحو 6 مليارات قدم مكعب يوميًا بنهاية العام، لافتًا إلى أن إنتاج الغاز ارتفع بالفعل بأكثر من 200 مليون قدم مكعب يوميًا منذ أغسطس/آب 2025، بدعم من الحوافز الاستثمارية، ما أسهم في تقليص الواردات وسداد ديون تُقدّر بنحو مليار دولار للشركاء الدوليين.
الطاقة المتجددة بلغت 9.85 غيغاواط
وفيما يتعلق بالطاقة المتجددة، أكد نصير أنها تمثل الذراع الأقوى لقطاع الطاقة المصري، مشيرًا إلى أن قدرات سوق الطاقة المتجددة بلغت نحو 9.85 غيغاواط خلال عام 2025، مع توقعات بنمو سنوي قدره 24.62% ليصل إلى نحو 29.6 غيغاواط بحلول 2030.
وأوضح أن مصر أطلقت مشروعات طاقة شمسية بقدرة 3,700 ميغاواط مدعومة بأنظمة تخزين بطاريات بسعة 2,840 ميغاواط/ساعة، ضمن خطة تستهدف رفع مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 20% في 2025 و42% بحلول 2030، إلى جانب تعزيز الشبكة القومية بإضافة 11 محطة محولات جهد عالٍ بقدرة إجمالية 4,570 ميجافولت أمبير، ما أتاح استيعاب القدرات الجديدة.
وأشار إلى أن الطاقة المتجددة ساهمت في رفع إجمالي إنتاج الكهرباء في مصر إلى نحو 235 تيرا واط ساعة، مع خطط لإضافة 4 غيغاواط جديدة خلال 2025 لسد العجز الناتج عن نقص إمدادات الغاز.
واختتم نصير تصريحاته بالتأكيد على أن هذه الإنجازات عززت أمن الطاقة المصري ودعمت الدور الإقليمي لمصر، تماشيًا مع استراتيجية الدولة للتحول إلى مركز إقليمي رئيسي للطاقة في شرق المتوسط وشمال أفريقيا، فضلًا عن التوجه نحو أن تصبح مصر مركزًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، من خلال مشروعات الربط الكهربائي مثل EuroAfrica Interconnector الذي يربط مصر بقبرص واليونان بقدرة 2000 ميغاواط، إلى جانب خطوط HVDC التي تدعم الربط مع السعودية والأردن وصولًا إلى آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء.