فأسي فأسك ودمك دمي وهمومك ألمي، تتألم غزة فتهب النجدة من القاهرة، تتقاطر سيارات الإسعاف على بوابة معبر رفح، ويهرع الأطباء المصريون نحو القطاع، وعندما تنهي الحرب وتتوقف طلقات المدافع وأزيز الطائرات الحربية.
تبدأ معركة جديدة من نوع آخر هي معركة التنمية وإعادة الإعمار، فكيف تنام الشقيقة الكبرى وهناك شقيق يتألم أو شخص بلا مأوى أو مستشفى خارجة عن العمل، أو طفل لا يجد مدرسة يتعلم فيها، وهنا كان المشهد الثاني من فصول الدعم المصري للقضية الفلسطينية بدخول المعدات التي ستتولى رفع الأنقاض وآثار القصف ليبدأ فصل جديد عنوانه "من قلب غزة هنا القاهرة".
ومن غزة أيضاً أتى الرد الفلسطيني على الجهود المصرية حين عبر عنها الكاتب الفلسطيني محمود جودة، قائلاً:
"هي مصر عُكاز قدرتنا، استقامة الأرض وقمح الخزين، رشفة الماء الأخيرة في زمزمية العطاشا، رايتنا العالية، جزيرة الأمل المتبقية.
مصر بالنسبة لفلسطين هي الدنيا كلها، هي قراءات القرآن، والتراتيل، والأغاني، والأفلام، والتاريخ، والتجارة، والدراسة، والسينما، والنّسب وكل شيء.. حتى القبور تزاحموا فيها حين جد الجد، غزة هي القاهرة، والناس هنا مصريو الهوى والأغنيات وسماع قراءات القرآن وتسابيح الكنائس، والتفكير والمزاج.
مصر بالنسبة لفلسطين، خاصة غزة ليست دولة من شعب وجغرافيا وحدود وعلم، هذه مواصفات للدّول، ومصر بالنسبة لنا شيء آخر يشبه القداسة.
وتظل القاعدة أنه في الأيام الثقال تظهر المعادن، وفي المحن والشدائد يبرز الرجال، ولطالما كان معدن المصريين أصيلاً ولا تشوبه شائبة معجوناً بالعزة والعروبة ومروياً بدماء الشهداء، ودائماً ما أثبت المصريون أن مواقفهم من القضية الفلسطينية ثابتة كالجبال الرواسخ، وما يحدث الآن سوى تجسيد لقناعة لا تتغير في وجدان صانع القرار المصري، فالدماء تسيل على أرض فلسطين فتسرع القاهرة لتداوي الجرحى وتبحث سبل حقن الدماء وتعمر ما تم تدميره".