مخاطر السيول.. المصريون القدماء واجهوا الكوارث الطبيعية بأفكار ملهمة
خطط الفراعنة في تشييد السدود والحواجز تعد تجربة ملهمة لكثير من دول العالم التي تعاني من تغييرات مناخية خلال السنوات القليلة الماضية.
اعتاد المصري القديم على ابتكار حلول لمواجهة الأزمات، وفي موسم الشتاء كانت الأمطار الغزيرة والسيول أزمة كبرى تهدد المعابد والمقابر الفرعونية والمحاصيل الزراعية، خاصة في مناطق صعيد مصر، وتحديداً بمدينة طيبة (الأقصر حالياً).
كان المصريون يستخدمون مهارتهم في الهندسة وفن العمارة لمواجهة تقلبات الطقس وموسم الفيضان، بل نجحوا في الاستفادة من الأمطار الغزيرة في زراعة المحاصيل المختلفة.
ويقول الدكتور مجدي شاكر، الخبير الأثري، لـ"العين الإخبارية"، إن "سقوط الأمطار الغزيرة على مصر يعود لأكثر من 7 آلاف عام، ودائماً ما كان موسم الفيضان، الذي أصبح كارثة طبيعية حالياً، موسماً مهماً للغاية للمصري القديم في زراعة المحاصيل، ما يؤكد قدرة المصريين على ابتكار حلول للخروج من الأزمات وتحويلها إلى موسم خير".
- اكتشاف 30 تابوتا فرعونيا تعود لـ3 آلاف عام في مصر
- إعادة تركيب غطاء التابوت الحجري بمقبرة توت عنخ آمون
مواجهة السيول
براعة الفراعنة في مجالات الهندسة، فتحت لهم آفاقاً كثيرة لمواجهة السيول وموسم الفيضان، حرصاً منهم على حماية المنازل والمعابد من الغرق والهدم.
وابتكر المصري مقياساً لمياه النيل "النيلومتر" منذ أكثر من 7 آلاف سنة، وهو عبارة عن علامات محددة على مياه النيل تطورت إلى أعمدة وآبار لمراقبة نسب المياه بشكل يومي وتحدد موسم الفيضان وموسم الجفاف، ما مكن الكهنة في مصر القديمة من التنبؤ بموسم الأمطار، وتحديد المزارعين لمواعيد زراعة المحاصيل حسب فصول السنة.
ومن هنا بدأت فكرة مواجهة المخاطر من السيول، بإقامة "الميازيب" أعلى المعابد الفرعونية لتصريف المياه بصورة دائمة حماية لمقتنياتهم، لتصبح بمثابة حوائط صد لتصريف المياه من أعلى المعابد وأسقف المباني المزخرفة بالكتابة والنقوش الفرعونية، بحسب تحليل الخبير الأثري.
وأضاف شاكر: "تفنن المصري القديم في بناء ممرات وأخاديد كوسيلة للتخلص من مياه الأمطار، إيماناً منه بأهمية مياه المطر للزراعة وزيادة الخير في مدينة طيبة عاصمة مصر القديمة".
فكرة فرعونية
يبدو أن تشييد السدود مشروع قديم له أصول فرعونية، وبدأت الحضارة المصرية في إقامة السدود كجزء من إجراءات مواجهة الأمطار الغزيرة والسيول للاستعانة بالمياه لاحقاً في أعمال ري المحاصيل الزراعية.
ويشير الخبير الأثري إلى أن سد "الكفرة" أول سد في التاريخ بني على بعد 40 كم من القاهرة في وادي "جراوي" بالقرب من مدينة حلوان جنوب العاصمة المصرية، وتم اختيار الوادي العميق بعد جفاف المياه فيه لبناء أول سد في الحضارة الفرعونية عام 2650 قبل الميلاد، بهدف الاحتفاظ بمياه فيضان النيل.
وأضاف: "بني السد من الحجر الجير بطول 110 أمتار وارتفاع 14متراً وعرض 32 متراً، وعند اكتشافه في القرن الـ19 وجد فقط جانبان منه، يمين ويسار الوادي. ورغم كونه السد الأول في العالم فإن المقاييس الهندسية الذي شيّد على أساسها تؤكد براعة الفراعنة في طرق وضع الأحجار ووضعها بجانب بعضها البعض، وهو أسلوب يشبه تشييد الأهرامات".
وامتد بناء السدود من القاهرة إلى الأقصر، وأمام معبد الكرنك بالبر الشرقي بالأقصر، أقيم "السد الحجري".
ويصف شاكر السد بـ"حائط صد للفيضان" كونه أكبر السدود المشيدة في التاريخ القديم، حيث تم اكتشاف 400 متر منه فقط حتى الآن، نظراً لموقعه الملاصق لمعبد الكرنك.
تجربة فريدة
وتعد خطط الفراعنة في تشييد السدود والحواجز تجربة ملهمة لكثير من دول العالم، التي باتت تعاني من تقلبات الطقس وتغييرات مناخية في السنوات القليلة الماضية.
وعن طرق مواجهة مخاطر السيول والأمطار حالياً، يرى مجدي شاكر أن التجربة المصرية القديمة في مواجهة مخاطر السيول يجب أن تكون دراسة معممة للاستفادة منها، منوهاً بأهمية البحث في تراث دول مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا والهند ونقل أفكارهم والتوصل إلى لجنة أثرية هندسية فنية، للاتفاق على ضوابط محددة لمواجهة مثل هذه الكوارث الطبيعية.