متاحف الآثار في مصر.. معارض دائمة للكنوز التاريخية تثير الجدل
توجه الآثار المصرية لنقل أهم وأندر القطع الأثرية إلى المتاحف، طرح تساؤلات بين الأثريين حول مصير المناطق الأثرية بعد نقل القطع منه.
تضاعفت أعداد المتاحف في مصر خلال العاميين الماضيين، بإعادة افتتاح متاحف قديمة وتشييد أخرى جديدة، وحرصت وزارة الآثار المصرية، على نقل القطع المكتشفة حديثا والمستردة من الخارج إلى المتاحف، بهدف تنشيط السياحة، إلا ان نقل تلك الآثار من بيئتها المكتشفة فيها، أثار جدلاً في أوساط الآثاريين.
ويبلغ عدد المتاحف المصرية نحو 72 متحفا موزعة بين 19 محافظة من القاهرة إلى أسوان، إذ تضم العاصمة المصرية نحو 24 متحفا، والجيزة 9 متاحف، زارها أكثر من 8 ملايين شخص في نهاية 2016، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018.
- المتحف القومي للحضارة.. صرح مصري متفرّد بالمقتنيات الأثرية
- مصر تعيد افتتاح متحف طنطا بعد 19 عاما من إغلاقه
نقطة قوة أم ضعف؟
نقل إلى المتحف الكبير المتوقع افتتاحه نهاية 2020، أهم القطع الأثرية كتمثال الملك رمسيس الثاني ومقتنيات الملك توت عنخ آمون من العجلة الحربية والتابوت الذهبي من مقبرة الملك بالأقصر والسرير الجنائزي، إضافة لصندوق خشبي وعمود مرنتباح وأجزاء لمركب خوفو، وتمثال ثلاثي من الجرانيت الوردي يتوسطه الملك رمسيس الثاني، والإله حتحور والمعبود بتاح، الناتج من أعمال حفر البعثة المصرية الألمانية في الشرقية.
ويرى الدكتور بسام الشماع، المؤرخ والباحث في علم المصريات وعضو الجمعية التاريخية المصرية، أن إنشاء المتاحف يحمل خطورة على القطع الأثرية والأماكن التاريخية، خصوصاً مع الاعتماد على المركزية في التشييد ونقل جميع المقتنيات إليها، ضاربا المثال بنقل مقتنيات مقبرة الملك توت عنخ آمون من الأقصر تمهيدا لعرضها بالمتحف الكبير بالجيزة قرب الأهرامات.
وحذر الباحث في علم المصريات، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، من فكرة تجميع كل القطع الأثرية في مكان واحد، نظرا لاحتمالية تعرضه للسرقة أو حدوث ضرر للقطع في حال نشوب حريق مثل ما حدث في متحف البرازيل، منوها إلى أن الحريق الذي لحق بمتحف البرازيل الوطني في سبتمبر/ أيلول 2018 أضر بمقتنياته الأثرية.
في المقابل، يؤكد الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، أن تشييد المتاحف خطوة إيجابية، خصوصاً أن عدد المتاحف مقياس لدرجة ثقافة الشعوب وقوة الدول، وفي مصر نتميز بحضارة فرعونية متفردة تحتاج ما يبرز أسرارها بالعرض الدائم لهذه المقتنيات الأثرية.
ويضيف لـ"العين الإخبارية"، أن المتاحف رسالة قوية للعالم تظهر قوة مصر الناعمة في الثقافة، وترفع من وعي الأجيال الصغيرة، وتعتبر عنصر جذب مهماً للسياحة الوافدة والداخلية، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يجذب المتحف الكبير أكثر من 15 ألف زائر بعرض 100 ألف قطعة أثرية ما يحفز حركة الاستثمار بالقرب منه.
تفريغ المناطق الأثرية
أعيد افتتاح المتحف القومي للحضارة بالفسطاط في منطقة مصر القديمة، ليضم آثاراً للحضارات الفرعونية واليونانية والمسيحية والإسلامية، إذ يستعد لضم 22 مومياء ملكية و17 ثوبا ملكيا تنتمي للأسرات الـ17 و18 و19 و20 من بينها، مومياء الملك رمسيس الثاني والملك تحتمس الثالث والملكة حتشبسوت والملكة ميرت آمون زوجة الملك أمنحتب، إضافة لاستقباله التابوت الذهبي المسترد للكاهن "نجم عنخ" بعد عودته من الولايات المتحدة، وتابوتين، الأول لأحد النبلاء "سنجم"، وهو شخصية بارزة في عهدي رمسيس الثاني وسيتي الأول، والثاني لزوجته.
ويرى الباحث بسام الشماع، أن خطورة الأمر تتعلق بتفريغ المناطق الأثرية من مقتنياتها، وتغير الطبوغرافية التاريخية للأماكن، نظرا لأن تاريخ الأثر يتعلق بموقعه، مشيرا إلى أن نقل مسلات من مدينة تنيس بالشرقية دلتا مصر يؤثر على القطع المنقولة ومكانها الأصلي الذي يؤرخ لحقبة زمنية معينة.
وهو الأمر الذي أتفق معه د. مجدي شاكر، قائلا: "الآثار المكتشفة حديثا يستدعى توزيع عرضها بين متاحف المحافظات ومتاحف القاهرة، حتى نترك مساحة للسائحين لزيارة المناطق الأثرية خارج القاهرة"، مشيرا إلى أن خبيئة العساسيف المكتشفة حديثا بالأقصر تضمنت 30 تابوتا خشبيا كان من الممكن ترك جزء بمتحف الأقصر ونقل بعضها للمتحف الكبير.
وأشار شاكر إلى أن إنشاء المتاحف مشروع قومي يحافظ على تاريخ المدن ويجذب الاستثمارات، مشددا على ضرورة التخلي عن المركزية في الأمر، خصوصاً أن هناك كنوزا أثرية خارج العاصمة مثل قصر ألكسان بأسيوط صعيد مصر وقصر الشناوي بالمنصورة دلتا مصر.
وأكد شاكر والشماع على أن المتاحف بالمحافظات تعتبر أمناً قومياً لمصر، وتعد جزءا من مشروع التنمية ورسالة على تجاوز مصر مرحلة محاربة الإرهاب.
وكانت محافظات مصر شهدت طفرة في المتاحف، بإعادة إحياء متاحف طنطا والإسماعيلية والسويس والإسكندرية، وإنشاء متاحف الوادي الجديد وشرم الشيخ والغردقة والعاصمة الإدارية الجديدة.
مقتنيات وتجهيزات
اعتبر بسام الشماع أن مقتنيات المخازن يجب أن تكون جزءا أساسيا من معروضات المتاحف، ما يتيح الفرصة لعرض كنوز مخبأة مع احتفاظ المناطق الأثرية بمحتوياتها التي ترمز لتاريخ أسرات فرعونية مختلفة.
وعن تجهيز المتاحف، أشاد الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين، بتأسيس المتحف الكبير بشاشات عرض مجهزة بتقنيات تكنولوجية حديثة ما يسمح بجذب أكبر عدد من السياحة الوافدة، مشددا على أهمية طرق عرض الآثار وإجراءات التنظيم في تأسيس المتحف وإنشاء بنية تحتية جيدة مع إشراك القطاع الخاص في صناعة المنتج الثقافي وجذب السياحة لمصر.