استراتيجية وطنية وطموحات تنافسية.. مصر تراهن على صناعة التعهيد
تضع الحكومة المصرية، صناعة التعهيد ضمن أولوياتها الاستراتيجية، مستفيدة من الثورة التكنولوجية الحديثة التي تشهدها الأسواق العالمية.
وتعتمد مصر، ممثلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات "إيتيدا"، على مقومات تنافسية فريدة وكوادر بشرية مؤهلة ذات خبرات تراكمية، بفضل المبادرات الاستراتيجية التي تطلقها الوزارة وهيئاتها وجهاتها التابعة، ما يجعلها أحد أفضل مقاصد تقديم خدمات التعهيد وخدمات تكنولوجيا المعلومات العابرة للحدود.
ما هو التعهيد؟
التعهيد، أو ما يُعرف بـOutsourcing، يشير إلى استئجار مؤسسات أو شركات خارجية لتقديم خدمات أو تنفيذ مهام محددة للشركات. ورغم أن العديد من الشركات تمتلك الإمكانات لتنفيذ المهام داخليًا، إلا أن مزايا التعهيد، مثل التركيز على الأنشطة الأساسية، وخفض التكاليف، والاستفادة من خبرات خارجية، تجعله خيارًا استراتيجيًا مفضلًا.
على سبيل المثال، تعتمد شركة "أبل" على شركات صينية لتصنيع منتجاتها، ما أسهم في زيادة إيراداتها من الصين بنسبة 57% عام 2023 مقارنة بالعام السابق.
مصر تطلق خدمة «Wi-Fi Calling» رسميا.. ما مزايا التقنية الجديدة؟
استراتيجية مصر الرقمية لتنمية صناعة التعهيد
في فبراير/شباط 2022، أطلقت الحكومة استراتيجية مصر الرقمية لصناعة التعهيد (2022-2026)، التي تركز على تعزيز نمو صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات، وخدمات عمليات الأعمال، وخدمات المعرفة، وأبحاث وتطوير الهندسة.
وتهدف الاستراتيجية إلى تحقيق عائدات صادرات رقمية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 19%، وخلق 215 ألف فرصة عمل جديدة في القطاع، مع التركيز على الخدمات ذات القيمة المضافة العالية مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
لماذا ينجح التعهيد في مصر؟
حققت مصر تقدمًا كبيرًا في العديد من المؤشرات والتقارير التي تعكس قدراتها المتقدمة في هذه المجالات، وتعزز الحكومة مكانة البلاد كمركز عالمي للتعهيد من خلال: الترويج الدولي عبر التواصل مع الشركات العالمية والمشاركة في المؤتمرات من خلال "إيتيدا" وهي الجهة المعنية بتنفيذ استراتيجية الدولة للتعهيد، وكذلك الكفاءات البشرية بوجود أكثر من 760 ألف خريج سنويًا، بينهم متخصصون في العلوم والتكنولوجيا والهندسة، بالإضافة إلى البنية التحتية من خلال استثمارات ضخمة تدعم تقديم خدمات عالية الجودة بأسعار تنافسية.
ويبرز تقرير أعدته مجموعة "إيفرست" الاستشارية لعام 2024، دور مصر الرائد كمركز تنافسي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات، والعمليات التجارية (BP)، والبحوث والتطوير الهندسي(ER&D).
كما أوضح التقرير، أن مصر تتصدر المنطقة، حيث تضم 28% من إجمالي العاملين في تصدير الخدمات العالمية بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بفضل توافر المهارات، والبنية التحتية القوية، والسياسات الحكومية الداعمة، وتعتبر كلًا من القاهرة والإسكندرية وأسيوط مراكز رئيسية لتقديم مختلف خدمات صناعة التعهيد.
وأكد التقرير، أن التكلفة التنافسية تعد عاملًا رئيسيًا في المقومات التنافسية لمصر، حيث تحقق وفورات تصل إلى 70% مقارنةً بمقاصد التعهيد الأوروبية مثل بولندا ورومانيا وغيرها من المقاصد بشرق أسيا وقارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
نتائج ملموسة ونمو لافت
ارتفعت الاستثمارات الموجهة لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 83.3 مليار جنيه في خطة العام المالي 2024/2023، بنمو 48.8% مقارنة بالعام الذي يسبقه.
وبحسب تقرير صادر عن مجلس الوزراء المصري في يوليو/تموز 2024، شهد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت القيمة المضافة للقطاع في العام المالي 2023/2022 إلى 275.5 مليار جنيه، مقارنة بـ209.5 مليار جنيه في العام المالي 2022/2021، بنمو 31.5%، كما سجلت صادرات مصر الرقمية قفزة بنسبة 26.5% لتصل إلى 6.2 مليار دولار في العام المالي 2023/2022.
وأشار التقرير، إلى أن هيئة "إيتيدا" بالتعاون مع "الجمعية الألمانية للتعهيد" عملت على إطلاق دليل يبرز إمكانات مصر في هذا المجال، مع استعراض المزايا التنافسية للبلاد كوجهة استثمارية جاذبة، كما تبنت الحكومة المصرية مجموعة من القوانين لدعم بيئة التعهيد، منها قوانين الملكية الفكرية، وحماية البيانات الشخصية، والاستثمار، بالإضافة إلى توقيع بروتوكولات تعاون مع جهات تنظيمية.
ولفت إلى أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات حقق تقدمًا كبيرًا عبر إطلاق أطر تنظيمية متقدمة، منها تنظيم خدمات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء. وفي السياق نفسه، أطلقت وزارة الاتصالات العديد من المبادرات لتدريب الشباب وتأهيلهم لسوق العمل الرقمي محليًا ودوليًا، ما يساهم في بناء مجتمع رقمي متكامل ورفع تنافسية الكفاءات المصرية.
دعم حكومي ومراكز تعهيد متطورة
وخلال لقائه مع الرئيس التنفيذي لشركة "كونسنتركس" العالمية أمس، أكد رئيس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، اهتمام القيادة السياسية بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، خاصة مجال صناعة التعهيد، معربًا عن تطلعه لتعزيز التعاون مع الشركة عبر افتتاح المزيد من مراكز خدمات التعهيد في مصر، لتوفير المزيد من فرص العمل.
وأشار مدبولي، إلى أن صناعة التعهيد تُعد من أبرز القطاعات الواعدة للاقتصاد المصري على المديين القصير والمتوسط، وتستهدف الحكومة تحقيق طفرة كبيرة في نتائج أعمال القطاع على أساس سنوي، مضيفًا أنه مُهتم بشكل بدعم جميع الشركات العاملة في القطاع، لزيارة مراكز التعهيد بشكل دوري،
وأكد أن الشباب المصري يتمتع بمهارات عظيمة في هذا المجال، قائلًا: هذا ما رأيته من خلال زياراتي المتكررة لمراكز التعهيد، وهي فرصة مهمة أمام الشركات العالمية للاستفادة من المواهب المصرية البارعة".
ووقعت شركة "كونسنتركس"، مذكرة تفاهم مع هيئة (إيتيدا) للتوسع في عمليات الشركة بمصر وضخ استثمارات بنحو مليار دولار، وتوفير 16 ألف فرصة عمل جديدة؛ ليصل إجمالي عدد العاملين بالشركة إلى 35 ألف موظف بنهاية عام 2028.
مقومات تنافسية
ووفقًا لتصريحات وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري، الدكتور عمرو طلعت، فإن الوزارة حريصة على تعظيم المقومات التنافسية لمصر وجذب المزيد من الاستثمارات في مجال صناعة التعهيد، خاصة مع الإقبال الكبير من كبرى الشركات العالمية على التوجه لمصر كمقصد رائد فى مجال تصدير الخدمات الرقمية للعالم.
وذكر طلعت، أن مصر لديها فرص غير مسبوقة لتصدير الخدمات الرقمية من خلال المهنيين المستقلين أو مراكز تعهيد تقيمها الشركات العالمية، ومستهدف زيادة عدد العاملين بهذه الصناعة والمهنيين المستقلين للوصول إلى 550 ألف متخصص فى 2026.
وأكد أن مصر أصبحت وجهة رئيسية لشركات الدول الرائدة في مجال التعهيد، التي حرصت على إنشاء مراكز لها في مصر، بفضل الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر وما يتمتع به السوق المصري من كفاءات بشرية مؤهلة والبنية التحتية الرقمية المتطورة، ما يجعل مصر بيئة جاذبة للاستثمار في هذا المجال.
وأشار إلى أن أحد المحاور الهامة في صناعة التعهيد يتمثل في تطوير البرمجيات والدعم الفني لدول متعددة، إلى جانب النظم المدمجة وتصميم الإلكترونيات، موضحًا أن الوزارة تسعى إلى تعزيز هذه المجالات بشكل خاص، بما فيها تطوير البرامج المدمجة المستخدمة في الأجهزة الحديثة مثل السيارات.
ولفت إلى أن مراكز التعهيد تنتشر في محافظات مختلفة، حيث تعمل نحو 14 شركة عالمية كبرى في مراكز خارج العاصمة، ما يعكس انتشار الخدمات وتنوع مواقع العمل، كما أن المراكز مجهزة على أعلى مستوى لتوفير بيئة عمل مريحة وجاذبة للشباب الموهوبين، لضمان إعدادهم بشكل احترافي وإتاحة الفرصة لهم للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية الرقمية.
مؤشرات صناعة التعهيد
ووفقًا لأحدث مؤشرات صناعة التعهيد في مصر لعام 2024، يبلغ عدد الشركات المحلية والعالمية العاملة في خدمات التعهيد نحو 186 شركة، تدير 206 مركزًا متخصصًا في تصدير الخدمات، يعمل 86 منها بخدمات تكنولوجيا المعلومات (ITS)، و49 مركزًا في مجال تعهيد العمليات التجارية (BPO)، ويصل عدد مراكز البحث والتطوير الهندسي (ER&D) إلى 71 مركزًا من إجمالي مراكز تصدير خدمات التعهيد.
كما تتميز صناعة التعهيد في مصر بتنوع الشركات العالمية العاملة فيها، حيث تشمل 42 كيانًا من أمريكا الشمالية، و20 من منطقة الخليج العربي، و54 شركة أوروبية. بالإضافة إلى ذلك، تعمل 10 شركات آسيوية و4 شركات أفريقية في السوق المصرية، ما يعكس جاذبية مصر كوجهة متعددة الجنسيات لصناعة التعهيد.
وفي هذا الإطار، تتولى هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) جهود جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية الصناعة المحلية، ورعاية المستثمرين، مع التركيز على بناء كوادر شابة قادرة على تلبية احتياجات الأسواق العالمية.
رؤية مصر لسوق التعهيد
وفي حديثه حول هذا التوجه، صرح الرئيس التنفيذي لـ"إيتيدا"، المهندس أحمد الظاهر، بأن مصر تعمل وفق رؤية طموحة لتعزيز تنافسيتها في سوق التعهيد العالمي، من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية، وضمان وفرة المهارات المتخصصة التي تلبي متطلبات الشركات الدولية.
وأضاف الظاهر لـ"العين الإخبارية": "نلتزم بدعم الشركات المحلية والعالمية عبر تهيئة بيئة أعمال مواتية، تتيح لها التوسع في الخدمات العابرة للحدود والاستفادة من الإمكانيات الكبيرة التي توفرها مصر في هذا المجال".
وأشار إلى أن مصر تطرح العديد من الفرص الاستثمارية في هذا المجال، ليس فقط لشركات التعهيد وتكنولوجيا المعلومات، ولكن أيضًا لمراكز الخدمات المشتركة (SSCs) للشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات، ومنها البنوك لتقديم الخدمات المالية والمحاسبية والتسويق والموارد البشرية.
وأكد أن مصر تتمتع بمزايا تنافسية قوية في هذه الخدمات المعرفية وخدمات القيمة المضافة المعتمدة على العنصر البشري، حيث توفر كوادر مؤهلة قادرة على تقديم خدمات متعددة اللغات بجودة عالية وتكلفة تنافسية، موضحًا أن الهيئة تعمل على تحفيز الشركات وانتشار صناعة التعهيد، بخلق فرص عمل متميزة وتعزيز مكانة مصر كمركز عالمي للخدمات الرقمية والمعرفية.
كما لفت إلى التعاون بين "إيتيدا" ومختلف الجهات الحكومية والشركات المحلية والعالمية لتنفيذ برامج تدريبية متخصصة، لتطوير المهارات الرقمية واللغوية والشخصية للشباب المصري، ما يعكس التزام الحكومة بتعزيز قدرات الكوادر البشرية، وجعل مصر مركزًا عالميًا لتقديم الخدمات الرقمية والمعرفية عالية القيمة.
aXA6IDE4LjE5MS4yOC4yMDAg جزيرة ام اند امز