فتوات مصر.. شهامة نصرت "الغلابة" وقاومت الاحتلال
عصر الفتوات بدأ في مصر عام 1798، وكان ينبغي لكل "فتوة" أن يتمتع بعدة صفات منها امتلاك بنيان قوي متين وشارب عريض ونبوت غليظ
رغم انتهاء عصر الفتوات في مصر إلا أن الأعمال الفنية تسلط بين الحين والآخر الضوء عليه لتجسد شهامة الرجل المصري، وكان آخرها مسلسل "الفتوة" للفنان ياسر جلال الذي تدور أحداثه حول ذلك العصر خلال القرن الـ19، والذي يكشف دور الفتوات في المجتمع المصري قديمًا.
وبدأ عصر الفتوات في مصر عام 1798، وكان ينبغي لكل "فتوة" أن يتمتع بعدة صفات منها امتلاك بنيان قوي متين وشارب عريض ونبوت غليظ، الشهم الجريء، وأن ينصر الضعيف ولا يقبل الظلم أو الإهانة ويدافع عن الحق ويتحلى بالصدق والأمانة وعزة النفس.
وكان للفتوات دور بطولي في الدفاع عن استقلال مصر ضد احتلال الفرنسيين، فبعد تخاذل المماليك في مقاومتهم، اتحد الشعب المصري وكان على رأسهم الفتوات الذين اشتبكوا مع قوات الاحتلال، الأمر الذي دفع نابليون لتضييق الخناق عليهم وإصدار منشورات وزعت على الشعب تصف الفتوات بأنهم "الحشاشون البطالون".
وبعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، أدرك الإنجليز قوة الفتوات بعد معركتهم مع الفرنسيين، لذا قاموا بدفع البلطجية كي يتصدوا للفتوات وأغروهم بالمال ومنحوهم جنسيات مختلفة حتى يفلتوا من القانون المصري الذي لا يطبق على رعايا الدول الأجنبية.
ومن أشهر الأحياء المصرية التي شهدت تواجد الفتوات حي "الحسينية" في القاهرة الذي أخرج إبراهيم عطية الذي ذكر مؤرخون أنه اشتد بطشه وأصبح ذا صيت واسع بين فتوات القاهرة خلال عام 1958، وبعد فترة ترك جلباب الفتوة، مخليا الساحة إلى ابن أخته أحمد عرابي الذي تربع على عرش "الحسينية"، ونصب نفسه زعيما عاما على الفتوات وقاضيا يفصل في مشاكلهم.
وفتوة "الحسينية" كان قريبا من الناس البسطاء ودائما ما كان يقف في صفهم، ويسرع لمساعدتهم وقت النكبات، وأصبحت قهوة "عرابي" في حي "الحسينية" مقرا فيما بعد لحل النزاع بين الفتوات، وكانت أحكامه نافذة بدون تعليقات أو اعتراضات من قبل الفتوات الآخرين.
وانتهى عصر "عرابي الحسينية" بمعركة دامية حطم فيها محالا ومقاهي، لذا وجد نفسه ماثلا أمام محكمة جنايات القاهرة محكوما عليه بالسجن 5 سنوات، ليسقط الفتوة أحمد عرابي خلف القضبان.
وأخرجت منطقة بولاق أبو العلا بالقاهرة الفتوات عفيفي القرد، وأحمد الخشاب، وسلامة صبرة، وجميعهم كانوا مدافعين عن الغلابة والضعفاء، وظلوا رافعين راية الحق حتى اندثرت في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
وكان من أشهر فتوات حي الحسين الشهير في القاهرة فهمي علي الفيشاوي الذي رحل وترك مقهى يحمل اسمه في حي الحسين حتى الآن، بعد أن تربع على عرش الفتونة في هذا الحي خلفا لزمن مهدي العجمي الذي سقط أمام الفيشاوي في إحدى المعارك بينهما، بسبب اتجاه "العجمي" لطريق البطش، وهو ما اعترض عليه "فهمي".
وفي حي الناصرية، كان يوجد 3 فتوات هم: أبوطاجن وحسن الأسود وأحمد منصور، وفي حي باب اللوق يوجد 3 آخرون هم: عبده الجياشي وفرج الزيني ومرجان السقا، كما كان محمود عبدالحكيم من أشهر فتوات حي الغورية، حيث ظل مدافعا عنه سنوات طويلة.
وكان من أشهر فتوات الدراسة حسن كسلة الذي استطاع أن يحمي أهالي منطقته بقوة وشجاعة ولعب دور البوليس الشعبي بحرفية وظلت ذكراه محفورة في قلوب أهالي الدراسة حتى الآن.
ومن أبرز فتوات محافظة الإسكندرية إسماعيل سيد أحمد، فتوة محرم بك في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، الذي كان شبيها للملك فاروق، ويتمتع بعلو مكانة أسرته وسط أهالي منطقته، وحسه الوطني العالي، حيث كان يدافع عن الأراضي الفلسطينية بعد هروبه في سيارة والده التابعة لسلاح المقاومة، حتى يقاتل العصابات الصهيونية في ذلك التوقيت.
وعند حادث اغتيال وزير المالية المصري الأسبق أمين عثمان عام 1944، كان لفتوة محرم بك دور مهم عندما أخفى الضابط محمد أنور السادات داخل فيلته بالإسكندرية، وبعد مرور فترة تبدلت الأدوار وحبس شبيه الملك فاروق على ذمة إحدى القضايا، وعند وصول السادات للحكم ومعرفته بسجن فتوة محرم بك، أمر السلطات بالإفراج عنه.
وكان من أشهر فتوات الإسكندرية "النونو" الملقب بـ"بعبع" الاحتلال الإنجليزي، حيث كان يستولي على المؤن والعتاد التي ترسلها بريطانيا العظمى لقواتها، وبعد وفاته عثر المقربون منه ضمن أوراقه على خطاب شكر عن دوره في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
وتميز حميدو الفارس، فتوة الأنفوشي بالإسكندرية، بقوة ضرباته التي يوجهها لأعدائه، وفاز عام 1930 بسباق القوارب عن منطقة السيالة تحت أنظار الخديو عباس حلمي الثاني الذي ألقى له بعض الريالات على الأرض كنوع من المكافأة له، إلا أن "حميدو" رفضها حفاظا على كرامته.