حماية الآثار المصرية.. رحلة 200 عام
الولع الغربي بالآثار المصرية بدأ مع قدوم الحملة الفرنسية، وحتى منتصف القرن الـ19 لم يكن هناك أي تشريع يخص تجارة الآثار بمصر
بدأ الولع الغربي بالآثار المصرية مع قدوم الحملة الفرنسية "1798-1801م"، ونشر مجلدات متعاقبة من كتاب "وصف مصر" الذى خلق اهتماما عالميا بمصر وآثارها القديمة، وحتى منتصف القرن التاسع عشر لم يكن هناك أي تشريع يخص تجارة الآثار بمصر.
فقد كانت هناك آلاف القطع الأثرية من مجوهرات وتماثيل ونقوش وحتى آثار بأكملها قد نزعت من بيئتها الأصلية لتنضم إلى مجموعات خاصة أو مجموعات متاحف مختلفة حول العالم.
مصلحة الآثار
خلال عام 1858م صدًق "سعيد باشا" على إنشاء مصلحة الآثار التي كان اسمها الرسمي آنذاك "مصلحة الآثار"، وذلك للحد من استمرارية الاتجار المحظور فى الآثار المصرية، وتم تعيين العالم الفرنسي "أوجست مارييت" كأول مدير لتلك المصلحة، وكانت تلك المصلحة الحكومية مسؤولة عن إقامة الحفائر والموافقة والإشراف على البعثات الأثرية الأجنبية، وقام مارييت بموافقة من الخديوي إسماعيل بإنشاء أول متحف وطني في الشرق الأوسط، وتم افتتاحه في عام 1863م بمبنى حكومي مؤقت بمنطقة بولاق.
كانت مصلحة الآثار على مدار قرن تقريبا تحت رئاسة علماء فرنسيين، وفي عام 1956م ومع جلاء قوات الاحتلال البريطاني نهائيا أصبحت مصلحة الآثار هيئة حكومية مصرية خالصة، وكان أول مدير مصري لها هو السيد مصطفى عامر، الذى تولى منصبه في عام 1953م واستمر نحو 3 سنوات، وتبعت مصلحة الآثار وزارات الأشغال العامة، والتعليم، والإرشاد القومي بالترتيب، وخلال عام 1960م تم نقل تبعيتها إلى وزارة الثقافة.
وفي عام 1971م وخلال فترة رئاسة السيد/ جمال مختار تحولت مصلحة الآثار إلى هيئة الآثار المصرية، ثم تم تغيير الاسم من هيئة الآثار المصرية إلى المجلس الأعلى للآثار خلال عام 1994م، وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم 82 لسنة 1994م، وأصبح الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الحليم نور الدين أول أمين عام للمجلس الأعلى للآثار. وفي عام 2011م استقل المجلس الأعلى للآثار عن تبعيته لوزارة الثقافة وتحول إلى وزارة مستقلة، وأصبح الأستاذ الدكتور/ زاهي حواس أول وزير لوزارة الدولة لشئون الآثار، وخلال عام 2015م تحولت وزارة الدولة لشئون الآثار إلى وزارة الآثار.
محمد علي باشا
أصبحت ظاهرة البحث عن الآثار وتهريبها للخارج وانتشار الرحالة الأجانب والمغامرين في مصر بحثا عن الآثار منتشرة بشكل كبير في بداية القرن التاسع عشر، لدرجة أصبحت القطع الأثرية تُعامل كالهدايا يهديها الأمراء والملوك للتجار والوجهاء والدبلوماسيين الأجانب، ففي عام 1855م حينما زار الأرشيدوق النمساوي "ماكسميليان" وهو أحد أفراد العائلة المالكة فى النمسا هذه القاعة أعجب بمجموعة أثرية فأهداها له والي مصر "عباس باشا" ونقلت إلى فيينا.
كانت الخطوة الأولى للحد من إخراج الآثار المصرية خارج البلاد قد تمت في يوم 15 أغسطس/آب من عام 1835م، عندما قام محمد علي باشا والي مصر بإصدار مرسوم يحظر تماما تصدير جميع الآثار المصرية والاتجار بها، وشمل أيضا هذا المرسوم إنشاء مبنى بحديقة الأزبكية بالقاهرة استخدم كدار لحفظ الآثار.
سرقات مشروعة
يقول المستشار أشرف العشماوي في كتابه "سرقات مشروعة" إن المرسوم احتوى على 3 مواد فقط، الأولى وصفت الآثار برائعة القرون الماضية، والثانية بضرورة تجميع الآثار، وما ينتج مستقبلا من الحفائر فى مكان خاص بمدينة القاهرة، والأخيرة نصت على الحظر المطلق لتصدير الآثار فى المستقبل، لكن تلك القرارات لم تكن كافية لمنع عمليات السرقة، ليصدر محمد على مرسوما آخر فى عام 1835 لإنشاء متحف للآثار، وأسند مهمة الإشراف عليه إلى رفاعة الطهطاوي، الذي نجح فى إصدار قرار بمنع تهريب والاتجار فى الآثار المصرية إلى خارج مصر، لكن بوفاة محمد على باشا عام 1849 عادت الأمور مرة أخرى إلى عهدها الأول.
ضوابط أثرية
وفي مارس/آذار 1869، في عهد الخديو إسماعيل، صدرت لائحة الأشياء الأثرية تضم 7 مواد تحظر إجراء أي حفائر إلا بترخيص رسمي من وزارة الأشغال العامة، وتمنع تصديرها، وفي عام 1874 صدرت لائحة جديدة سمحت بنظام قسمة الآثار التي يتم اكتشافها، بموجب هذه اللائحة, تقسم الآثار إلى قسمين متساويين، أي 50% لكل طرف، وفي عام 1880 صدر مرسوم بحظر تصدير الآثار نظرا لتزايد أعداد الأجانب الذين يغادرون مصر محملين بقطع أثرية.
أما أول قانون متكامل لحماية الآثار كان في عام 1912 ويحمل رقم 14، ويتضمن تعريفا للأثر وضوابط تداوله وعقوبات لمخالفة أحكامه, واستبعد المشرّع منها جميع الآثار الإسلامية من التصدير للخارج، في عام 1951 صدر القانون رقم 215 بغرض وضع إجراءات عملية حاسمة للقضاء على تجارة الآثار غير المشروعة, وفي عام 2010 صدر القانون رقم 3 الذي منع الاتجار والتصرفات بالبيع والشراء نهائيا.