مصادر لبوابة "العين": مصر تبدأ توثيق الآثار المهربة لقطر
قضية الآثار المصرية أثيرت في إطار اختفاء نحو 32 ألفا و648 قطعة أثرية أخيرا، والدوحة من محطات التهريب المُحتملة
طفت قضية الآثار المصرية في قطر على السطح من جديد هذه الأيام، في ظل كشف المستور عن الممارسات القطرية في مختلف دول المنطقة، والتي وصلت إلى ما يندرج تحت اسم السرقة، أو التهريب لقطع أثرية مصرية، بعضها معروض في متاحف قطرية، منها متحف الفن القطري، والبعض الآخر يقتنيه مسؤولون قطريون بشكل شخصي.
بالصدفة".. اكتشاف سرقة مخزن آثار في مصر
مصادر رسمية مصرية كشفت لبوابة "العين" الإخبارية أن عملية توثيق جارية حالياً لتحديد طبيعة القطع الأثرية التي خرجت من مصر في السنوات الأخيرة، واتجهت بطرق غير شرعية إلى الدوحة، أو دول عربية أخرى، وإمكانية استردادها بالطرق الرسمية في إطار مساعي مصر لاستعادة مقتنياتها التراثية المُهربة، أو تلك التي بيعت في مزادات تدور عليها علامات استفهام، أو تلك التي خرجت بطرق رسمية وفق ترتيبات سياسية خاصة، أو فترات سياسية معينة.
قضية الآثار المصرية في قطر أثيرت في إطار البحث عن اختفاء نحو 32 ألفا و648 قطعة أثرية من مخازن الأقصر وحدها خلال السنوات الأخيرة، حيث كشفت التحقيقات أن الدوحة وعواصم عربية وأوروبية من بين محطات التهريب المُحتملة، بخلاف أن إثارة هذه القضية فرصة للبحث في مجمل ملف المقتنيات الأثرية المصرية الموجودة بقطر بشكل عام أو بشكل شخصي، واتخاذ ما يلزم لاستردادها، والتأكد مما يقال أن هناك قطعا "مقلدة" أو "مصنعة" شبيهة لنفس الآثار المصرية، أو مُباعة.
وفي نفس الإطار يناقش المهرجان السنوي الرابع لفنون المشربيات والذي تنظمه الجمعية المصرية لفنون الأرابيسك والمشربية في 12 سبتمبر أيلول المقبل قضية التحديات التي تواجه قطاع الآثار المصري والإسلامي منه بصفة خاصة، وما يتعرض له من سرقات، والملف القطري في تهريب الآثار المصرية.
وقال الدكتور محمد الديب المنسق العام للمؤتمر ورئيس الجمعية المصرية لفنون الأرابيسك والمشربية، لـ"بوابة العين": إن قضية سرقة الآثار المصرية من أهم القضايا التي تواجه القطاع الأثري في مصر بصفة عامة، والإسلامي منه بصفة خاصة، ومن هنا تم وضع هذا الملف ضمن موضوعات المهرجان، حيث تتناول ورقة عمل المعلومات الخاصة بتهريب قطع أثرية من مصر إلى دول أخرى، ومنها قطر، والتحديات التي تواجه الآثار المصرية، خصوصاً ما يتعلق بالإجراءات الأمنية ووسائل الحماية، والتي يشوبها تقصير، مما يجعلها عُرضة للسرقة والنهب والتهريب.
ولفت إلى أن ملف الآثار المصرية من الملفات الشائكة، فهناك من ظهر لإطلاق مفهوم جديد هو "تكفير الآثار"، ولا ننسى هنا من قاموا وطالبوا بهدم الأهرامات والتراث المصري بدعوى أنها "أصنام"، وليست تاريخاً إنسانياً وحضارياً، ثم جاء من يسرق وينهب تاريخ مصر وآثارها من أجل صناعة تاريخ لهم، أو صناعة سياحة.
ونوه الديب إلى أن مناقشة قضايا الآثار المصرية في حضور مسؤولين معنيين بالقطاع مثل الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، سيعطي زخماً أكبر للموضوع، مما يعني أن الدولة مهتمة باتخاذ خطوات لاستعادة آثارها المهربة، والمسروقة من أيٍّ من دول العالم.
وأوضح الدكتور صلاح عز العرب ،أستاذ الترميم في كلية الفنون التطبيقية، بالقاهرة لـ"بوابة العين": أن "أمن وسلامة الزخارف والمشربيات واللوحات الفنية والآثار الإسلامية والقبطية المصرية" هي خلاصة ما انتهى إليه العديد من الدراسات على مدار ربع القرن الأخير، خصوصاً في الفترة التي تلت 25 يناير، ففي عام واحد فقط، وهو 2014، تعرضت عشرات المساجد والمواقع الإسلامية والقبطية لعمليات سرقة ونهب ممنهجة.
وبيَن أن العديد من المتابعين والمهتمين بالآثار المصرية الإسلامية يتفقون على أن أخطر ما يواجه هذه الثروة ليس قضية الترميم والتدوين فقط، بل الأهم هو حمايتها من اللصوص، والمهربين، خصوصاً بعد اكتشاف عمليات ومخططات سرقة، لمنظمات ودول هدفها سرقة الآثار المصرية خصوصاً الإسلامية، والقبطية.
ولفت إلى أن محاضر عديدة للشرطة تفيد أن مساجد مثل الأزهر والسيدة زينب والسيدة نفسية والسيدة عائشة والرفاعي، ومسجد الحسين والغوري، وأحمد بن طولون، والقاضي، والعديد من البيوت والمنازل التاريخية، تعرضت لسرقات، أو محاولات سرقة لمقتنيات منها، بل وصل الأمر إلى فك "فصوص" وقطع من بعض منابر المساجد، لتختفي عن عمد ومع سبق الإصرار والترصد، وحتى الآن لم يتم التوصل لشيء من تلك المسروقات، وبعضها معروض في متحف الفن الإسلامي.
وأضاف عز العرب: قبل سنوات تعرض منبر مسجد "منجك اليوسفي" بالقاهرة لعميلة سرقة، حيث اختفت حشوات الطبق النجمي المطعم بالعاج والأبنوس ومصراعا باب المنبر والنص الإنشائي للمنبر، وتم اتهام خادم المسجد بالإهمال والسرقة، ووقتها أعلن المجلس الأعلى للآثار المصرية أنه كلف قطاع الآثار الإسلامية والقبطية اتخاذ الإجراءات القانونية ضد خادم المسجد التابع لوزارة الأوقاف بسبب سرقة أجزاء من منبر المسجد الأثري، فيما ظهرت القطع وقتها في الدوحة ولندن.
ونوه إلى أول من وجه صوابع الإتهام قبل سنوات إلى وجود مخطط قطري لسرقة الآثار المصرية، هو الكاتب الراحل جمال الغيطاني، والذي حذر من خطر سرقة الآثار المصرية لصالح قطر عندما بدأت في تشييد متحف الفن الإسلامي قبل سنوات، ووقتها حدد بعض القطع التي اختفت بفعل فاعل، ودعا إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات الحمائية للآثار والمقتنيات التراثية المصرية، إلا أن أحداً لم يهتم وقتها، والآن نرى تحركا مختلفاً.
من جهته أشار دكتور أحمد هاشم المتخصص في الآثار الإسلامية، أن ملف تهريب 63 قطة أثرية مصرية من مصر إلى قطر في الأعوام بين 2004 و2006، وكلها من آثار "إخناتون" لابد أن يتم فتحه، لافتاً إلى وجود تقارير دقيقة في هذا الشأن لدى وزارة الثقافة التي كان يتبعها قطاع الآثار، وكذلك تقارير لدى وزارة الآثار الحالي، حول هذا الملف، ويمكن استعادتها بطرق عديدة.
ونوه إلى أنه سبق التحقيق في هذا الملف بمعرفة النيابة، وهناك أوامر وقرارات واجبة النفاذ لاستعادة القطع الأثرية المصرية، بل هناك قطع معروضة رسميا في قطر، مدون عليها أنها من "أصل مصري"، ولكن كيفية وصلت إلى الدوحة، فالأمر مازال محل تساؤل، وهو ما يستوجب العمل على استعادته، متوقعا أن يكون هذا ضمن الملف الجاري إعداده حاليا حول "ملف مصر الأثري في قطر".
ويتفق كل من الدكتور مدحت الفيومي والدكتور سمير حلمي أستاذا الآثار في كلية الآثار التابعة لجامعة القاهرة، مع تقرير أعده الدكتور مختار الكسباني، بضرورة دخول اليونسكو طرفاً في استعادة الآثار المصرية من قطر، من خلال تعاون مشترك بين وزارتي الآثار والخارجية، خصوصاً تلك الآثار التي خرجت بطرق غير شرعية، أو بيعت في مزادات غير معلومة المصدر، على أن يتم التدقيق في مختلف كل الأوراق الخاصة بطبيعة تلك الآثار لدى الجانب القطري.
وأشار د. الفيومي إلى أن القول بأن جزءا من الآثار لقطر قد تم بيعه وفق قانون كان يتيح ذلك، هو من اختصاص اليونسكو التي تحدد آلية البيع، وتتخذ قراراً يراعي في النهاية حماية التراث الإنساني، خصوصاً إذا ما ثبت عدم امتلاك قطر لأي وثائق لما لديها من آثار.
وبين د. سمير حلمي أن من حق مصر مقاضاة قطر أو غيرها من الدول التي لديها آثار من أصل مصري لاستردادها، موضحاً أن جزءا كبيرا من الآثار الإسلامية، الحشوات الخاصة بأبواب وشبابيك ومنابر المساجد تمثل جزءا كبيرا من أعمال التهريب التي جرت إلى قطر، خصوصاً خلال فترة وجود الإخوان في السلطة، موضحا أن هناك من ساعد ويساعد على عمليات التهريب تلك، فتجار الآثار لم ولن يختفوا.