حين "اختطف" الإخوان الدولة المصرية.. الأمن القومي والاقتصاد في مهبّ "ذبذبات التخابر" (3)
في سلسلة حلقات عن جرائم الإخوان ضمن أوراق قضية التخابر، كشفنا بالوثائق واستنادا إلى الشهود والخبراء، أجزاء من أفعال الإخوان في الدولة المصرية، في السنوات الماضية.
ورأينا في الحلقة الأولى كيف مررت الاتصالات من وراء البوابة الخاصة، للتخابر على الدولة المصرية، والتجسس على الأفراد المصريين، سبيلا إلى الوصول إلى أجندة خاصة تهدد الأمن القومي لهذا البلد.
وتطرقنا في الحلقة الثانية، لمرحلة مقاضاة الإخوان حول جرائمهم، استنادا لأوراق قضية التخابر المحالة إلى القضاء المصري، عام 2020، والتي اختار فيها العود على بدء، ونبش أسرار التنظيم من عام 1992.
وضعنا في "العين الإخبارية"، عبر هذه السلسلة، القارئ خلال الحلقتين الأوليين، في صورة واضحة، عن كشف الأجهزة الأمنية أكبر قضية تجسس في القرن الواحد والعشرين، يتهم فيها عناصر من جماعة الإخوان الإرهابية، ورأينا كيف كانت البداية مع قضية "سلسبيل" التي كشفت التنظيم وتخطيطه لاختراق أجهزة الدولة، عبر توريد أجهزة حاسب يمكن أن تكون محملة ببرامج نقل المعلومات، وكيف استقوت الجماعة بالخارج لوقف المحاكمة وإخلاء سبيل المتهمين، ورأينا كيف أن الجماعة لن تكف عن ارتكاب الجرائم الواحدة تلو الأخرى، للاستيلاء على الحكم، ولو عبر التعاون مع أجهزة أمن أجنبية.
واليوم وفي الحلقة الثالثة، نستعرض أركان التهمة الرئيسية التي كانت سببًا في كشف خيوط مؤامرة شبكة تمرير المكالمات الدولية والتصنت والتجسس، واستقدام أجهزة محرمة ومجرمة في القانون المصري، لتمرير المكالمات لخادم إلكتروني في إسطنبول، ومن ثم التورط في التخابر مع دولة تركيا، وكيف يمكن لهذه الجريمة الإضرار بالأمن القومي المصري، سواء اقتصاديًا او أمنيًا.
أجهزة ممنوعة
فحسب قرار الإحالة الذي تمكنت "العين الإخبارية" من الحصول عليه، فإن "المتهمين اتفقوا جميعا على تمرير المكالمات الدولية من وإلى البلاد، بعيدا عن البوابة الدولية المرخص لها، للتأثير سلبا على موارد البلاد الاقتصادية، من العملات الأجنبية، بما من شأنه الإضرار بمركزها الاقتصادي، وجمع معلومات من خلال التنصت على تلك المكالمات وتسجيلها".
وخلال العملية حاز عناصر الإخوان، أجهزة ممنوعة مثل: " فويب جيت واي" و" سيم بوكس" و"في بي إن راوتر" و"نانو ستيشن" و"إس بي أو" اللاسلكية، لاستخدامها في تمرير المكالمات الدولية وتوزيع خدمة الاتصال بشبكة المعلومات الدولية، كما قدموا خدمة اتصالات دون الحصول على ترخيص بذلك، بغرض المساس بالأمن القومي للبلاد، على النحو المبين في التحقيقات.
الأسئلة الكبرى
وعرضنا في "العين الإخبارية"، الاتهام الذي جاء بقرار الإحالة على خبراء في القانون، وفي أمن المعلومات، وباحثين في الإسلام السياسي، للإجابة على أسئلة جوهرية: "هل جريمة الإخوان اقتصادية أم خيانة عظمى؟ هل هي جنحة أم جناية، هل الضرر مادي مالي؟ أم الخطر على الأمن القومي المصري؟.
يرى المهندي أحمد طارق خبير المعلومات " أن جريمة تمرير المكالمات الدولية هي جريمة بنص القانون وهي ضارة بالاقتصاد اذ تجرمها الدولة المصرية
في تصريح لـ"العين الإخبارية"، يؤكد الخبير المصري في الاتصالات وأمن المعلومات، المهندس أحمد طارق، أن "تمرير المكالمات الدولية بالطرق غير الشرعية جريمة بكل ما يحمله المعنى، وكثير من الدول تحارب تلك الجريمة بتعقب الخوادم الإلكترونية غير القانونية، وحسب إحصاءات سابقة تكبدت الدولة المصرية خسائر بلغت نحو 30 مليار جنيه، جراء تمرير المكالمات، الذي تمت عبر سنترالات خاصة، قام بإنشائها مواطنون غير مرخص لهم وغير خاضعين لرقابة الدولة".
في البداية وضح الخبير المصري في الاتصالات بعض المصطلحات الخاصة بالاتهام قائلاً: " حتى نفهم فداحة تك الجريمة علينا أن نوضح معنى "الخادم الإلكتروني" هو نظام كمبيوتر مصمم للتعامل مع مجموعة واسعة من التطبيقات القائمة على الاتصالات تقدم خدمة الاتصال لمستفيدين، هذا الخادم أو الجهة تقوم مقام الأجهزة الإلكترونية الرسمية أو ما يعرف شعبيا بـ (سنترال) وبالتالي تمر المكالمات بين الخادم وبين جهة التمرير دون المرور على الخوادم القانونية الرسمية، ومعنى أن يكون مقر هذا الخادم في تركيا أي أنه مؤسس بشكل شخصي بين الطرفين وبشكل غير قانوني".
وعن آلية عمل تلك الشبكات المشبوهة، قال الخبير المصري: "إن كل شبكة اتصالات في العالم لها تقنية خاصة بها وبالدولة التي تعمل فيها، مثل تردد الشبكة وموجاتها، والتمرير هنا يعنى التحايل على الشبكة الرسمية"، مستكملا: "هناك نوعان من تمرير المكالمات؛ تمرير المرسل والتمرير المستقبل، حيث تستخدم أطباق تشبه الدش، وهي أجهزة لتقوية إشارات الشبكة توضع على أسطح العقارات، لذا يصعب اكتشافها، بالإضافة إلى جهاز راوتر وجهاز هوائي للربط اللاسلكي وجهاز (USP )، إلى جانب بطارية جهاز للتأمين في حالة انقطاع التيار الكهربائي، ومجموعة من الكوابل ومشتركات كهربائية، و عدة تليفون أرضي".
خطر الإخوان على الأمن القومي
يفرق الخبير القانوني ثروت الخرباوي بين تمرير المكالمات والتصنت؛ فتمرير المكالمات فقط هي جنحة يعاقب عليها القانون، ليس بأقل من ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات، أما التصنّت وتسجيل المحادثات عن طريق الهاتف أو أي وسيلة أخرى في أماكن خاصة، بدون اتباع الطرق القانونية، فهو جريمة جنائية وفقا لنص المادتين ( 309 مكرر، 309 مكرر أ) من قانون العقوبات، وقضية التخابر حسب قرار الإحالة تتضمن التصنت وتسجيل المكالمات والتخابر مع دولة أجنبية.
وأوضح "أن قضية التخابر مع تركيا، متعددة الاتهامات والأركان، فلا يمكن النظر إليها كقضية تمرير مكالمات فقط، لأنها انتهت بارتكاب بعض المتهمين جرائم التجسس والتصنت وتسجيل مكالمات والتخابر مع دولة أجنبية ونقل معلومات عن مؤسسات المجتمع المصري لهم"
أدوار وتهم شتى
وبعيدًا عن سير التحقيقات وإجراءات النيابة وجلسات التقاضي، يقول الخرباوي: "إن قضية التخابر مع تركيا ليست كأي جريمة، فهي جريمة تمت باتفاق أعضاء الجماعة المتهمين، وذلك بقيام كل مجموعة بركن من أركان الجريمة، لذلك وصل العدد 81 متهما، فمنهم من قام بتمرير المكالمات ومنهم من قام بتوفير الخادم الإلكتروني بتركيا، ومنهم من قام بتوفير الأجهزة اللازمة لتلك الجريمة، ومنهم من أسس شركة لتكون واجهة لنشاط التخابر الإجرامي، ومنهم من قام بتوفير الأموال اللازمة لهذا النشاط وغيره، ومنهم من قام بتسجيل المكالمات والتصنت على المتحدثين، ومنهم من وفر كل هذه المعلومات وقدمها لأجهزة الأمن التركية لتقوم بتحليلها والاطلاع على أسرار المصريين، بغرض إضعاف المركز السياسي والاقتصادي للدولة المصرية".
ويضيف الخرباوي: "هذه جريمة أمن قومي بالدرجة الأولى، فلا يمكن فصل هذه القضية وما احتوته من اتهامات خطيرة ضد الوطن، بالجرائم المثبتة نهائيا، في حق أعضاء وقادة الجماعة، والتي تتصل بشكل أو بآخر مع قضية التخابر الحالية؛ فأعضاء هذه الشبكة عملوا بغرض واحد واتفاق جنائي واحد، وتمكن قادتهم من توظيف أتباعهم بعد غسل أدمغتهم وإقناعهم أن أول خطوة لتكوين دولة الإسلام هي هدم الدولة الحالية، لهذا لا يجب النظر للقضية (مجتمعياً) على أنها مجرد جنحة اقتصادية قام بها بعض الأفراد للتكسب أو للتهرب من دفع استحقاق المكالمات، بل هي جريمة تستهدف الأمن القومي المصري، وهذا الغرض الدائم والنهائي لجماعة الإخوان الإرهابية؟".
محاكمة شعبية حاسمة
ومن ناحيته أكد طارق البشبيشي الكاتب والباحث السياسي أن قضية التخابر المنظورة أمام القضاء، سبق أن نظرت أمام المجتمع، فالمحاكمة المجتمعية أهم وأكبر وأشمل من المحاكمة القضائية الجنائية، المجتمع أصدر حكمه على الجماعة ولفظها واعتبرهم ليسوا مصريين، وفي 30 يونيو/ تموز 2013 نفذ حكمه وعزلهم عن الحكم وعن مكانتهم في المجتمع".
ويستكمل البشبيشي، قائلا: "لا مجال لاعتبار قضيتهم الحالية مجرد قضية اقتصادية، بل هي قضية تخابر وخيانة وجاسوسية، لكن الخطوة القادمة هي الأهم وهي محاكمة أفكار تلك الجماعة الإرهابية، فالأفكار التي تؤدي أو التي تنتهي بصاحبها لأن يخون وطنه، يجب أن توضع على طاولة النقاش العلمي والمجتمعي، فهذه ظاهرة يجب معرفة مسبباتها ومكوناتها، فكيف لجماعة دينية أو سياسية تدعي أنها تناضل من أجل الوطن، ثم ينتهي بأفرادها بالتجسس والتخابر ضد الوطن، لابد أن هناك عطبا ما في أفكار الجماعة، رغم إدراكنا أنها جماعة إرهابية لكن كيف جمع الإخوان بين الإرهاب والتطرف والعنف، مع الخيانة والتجسس والتخابر".
لم تكتف الجماعة الإرهابية بدفع أفرادها لارتكاب جرائم التجمهر والعنف ومقاومة السلطات وعدم الانقياد للقوانين، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، بل قاموا بإدارة شبكة من أعضاء الجماعة ومسانديهم للتجسس على المصريين، والعمل على الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن القومي.
aXA6IDMuMTIuNzMuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز