لا شيء يدور برأسي منذ نهاية مباراة إثيوبيا ومصر سوى مانشيت الراحل نجيب المستكاوي، شيخ النقاد الرياضيين المصريين، في سبعينيات القرن الماضي: "انهزمنا من مالاوي، أمّا بلاوي".
أكيد أن الربط ليس لأن منتخب مصر خاض مباراته ضد إثيوبيا في مالاوي، ولكن لتواضع المنتخبين والهزيمة غير المتوقعة أمام كليهما، وربما لـ"الخيبة" التي يمر بها منتخب الفراعنة من حين لآخر.
بداية، يعلم القاصي والداني قدر احترامي لمدرب الفراعنة الجديد "أو السابق" إيهاب جلال، وما يقدمه في كل الأندية التي عمل بها، باعتباره أحد أكثر مدربي المحروسة ثقافة وتعلما وأدبا، لكن ذلك لن يمنعني من رصد كم الكوارث الفنية، التي ارتكبها مع الفراعنة.
منتخب مصر يا سادة قبل أسابيع قليلة صال القارة وجال، شاهرًا أسلحته الفنية تجاه كبارها، حتى وصل إلى نهائي بطولتها الأولى وخسر -بركلات الترجيح- اللقب الذي يحتفظ برقمه القياسي كأكثر بلدان أفريقيا تتويجا به.
خسرت مصر لاحقا فرصة التأهل للمونديال أمام منافسها نفسه في أمم أفريقيا، منتخب السنغال، وبالطريقة نفسها، لكن ظل الفريق محافظًا على شخصيته داخل الملعب وخارجه.
حتى جاءت لحظة التغيير الفني، وفي ظروف غامضة وغير مبررة، رحل البرتغالي كارلوس كيروش، وتولى إيهاب جلال مهمة تدريب مصر، وخاض مباراتين فاز في الأولى بفريق مدجج بالنجوم على رأسهم محمد صلاح، أحد أفضل لاعبي العالم، بهدف في اللحظات الأخيرة أمام غينيا، قبل أن يخسر بثنائية من إثيوبيا، وسط غياب المحترفين، وللمصادفة فإن المباراتين كانتا ضد منتخبات غير مصنفة في أفريقيا.
أعترف بغياب الدعم الإعلامي والجماهيري للمدرب الجديد منذ توليه المهمة، وتصوُّري في ذلك لأنه ليس من أبناء أندية القمة، ولم يحقق أي بطولة أو يقدم ما يشفع عندما درّب ناديا جماهيريا بحجم الزمالك أو ناديا لديه الإمكانات مثل بيراميدز.
إيهاب جلال نفسه كان سببا في غياب الدعم بسبب بعض التصريحات، فور توليه المهمة، استهان فيها بمنتقديه، فضلا عن تمسكه باستمرار مشواره الأفريقي مع بيراميدز بعد إعلانه مدربًا للفراعنة.
انعكس ذلك على الجماهير التي افترشت الطرقات لمشاهدة الفراعنة في كأس الأمم وتصفيات كأس العالم، بينما غابت عن ملعب القاهرة الدولي، الذي احتضن مواجهة غينيا، رغم وجود محمد صلاح الذي تألق بقوة في إنجلترا هذا الموسم.
ووسط العزوف الجماهيري، غاب منتخب مصر عن المشهد الإعلامي في الأيام الأخيرة، تارةً لصالح تسريبات رئيس الزمالك ومؤتمره وقضاياه ومبادراته، وتارة أخرى لصالح ميركاتو القدم والسلة، وتاراتٍ لصالح بيتسو موسيماني، مدرب الأهلي، الذي أشعل الرأي العالم بتغريدات قرأ الأعمى فيها نيته الرحيل اعتراضًا على تدخلات الإدارة في عمله.
نعود إلى مباراة إثيوبيا، الذي دفعْنا فيها ثمن تغييب الحقيقة، فالمدرب وجهازه الفني تعاملا معها ابتداءً باعتبارها مواجهة ودية، حيث سمح للمحترفين بعدم السفر إلى إثيوبيا تحت تبريرات أراها "غير منطقية"، كما ضمّ لاعبين دون المستوى في معظم الخطوط يعرف أي متابع للدوري المصري أنهم "ثغرات حقيقية" في مراكزهم.
قال إيهاب جلال إنه لن يستطيع تغيير طريقة سلفه "كيروش" في أول مباراتين، لكنه فعل العكس تمامًا، لعب بفريق مهلهل وطريقة غير معروفة، فخط الهجوم غاب تماما لدرجة لم نشاهد حارس إثيوبيا، بينما تصدر الدفاع المشهد، ليس لتألقه، ولكن بسبب الأخطاء الساذجة.
ربما يتحمل الجهاز الفني الجزء الأكبر من الهزيمة، ففضلا عما سبق، لعب الفريق بثنائي ارتكاز فقط بدلا من الطريقة المعتادة "3 ارتكاز بمهام دفاعية" فضلا عن تأخر التغييرات أو كارثيتها، مثل الدفع بعمر كمال - الذي يجيد في مركز الظهير الأيمن- في مركز الظهير الأيسر بدلا من أيمن أشرف.
ورغم التغييرات الفنية، التي قد يتم تبريرها بالغيابات الكثيرة في صفوف المنتخب، فإن الأمر تجاوز المدرب وانتقل إلى اللاعبين.
بدا المشهد داخل الملعب وكأنه مؤامرة، ليس فقط ضد المدرب، ولكن ضد المنتخب واتحاد الكرة والمنظومة كلها، لعب الجميع دون روح، دون إصرار وعزيمة، بشكل باهت، رفعوا لافتة عنوانها "عفوا منتخب مصر لم يأت إلى هنا"، رغم أن البعثة كانت برئاسة 4 من أعضاء مجلس الإدارة... صحيح "أما بلاوي".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة