سباق عتيد عاشته جماهير كرة القدم العالمية لخمس سنوات، ذكّرها بسباق استمر نحو 15 عاما بين الأسطورتين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، لكنه هذه المرة كان بين نجمَيْ فريق واحد، وينتميان لقارة واحدة.
أخيرًا، وبعد 5 سنوات من الركض، توقف سباق محمد صلاح وساديو ماني في ليفربول، وقد يمتد السباق في المواسم المقبلة، ولكنه لن يكون إلا على عرش الكرة الأفريقية، بعد أن ظل متفرعًا في حلبات عدة على مدار الفترة الماضية.
لا شك أن الطريقة التي انتهى بها هذا السباق لفتت انتباهك، فالأمر لم يقتصر على رحيل "ماني" إلى بايرن ميونخ وبقاء "صلاح" في ليفربول، فالنجم المصري وقّع أيضًا عقدا جديدا، ليبقى مع الفريق حتى 2025، وأصبح صاحب أعلى راتب في تاريخ النادي الإنجليزي.
وأنا أفند معطيات المشهد، تبادر إلى ذهني -ولا شك لديّ أنه تبادر إلى ذهنك أيضًا- سؤالان، أحدهما: هل لرحيل "ماني" دور في تجديد عقد صلاح؟
وهو سؤال يبدو من الصعب الإجابة عنه، في ظل عدم توافر تصريحات رسمية تؤكد أو تنفي هذا الأمر، غير أن السؤال الأهم، والذي يمكن أن تعثر على إجابته: لماذا فاز "صلاح" بسباق ليفربول على حساب "ماني"؟
واقع الأمر يقول إنّ عقدَيْ اللاعبَين كانا سينتهيان بنهاية الموسم المقبل، وقد كان كل منهما يحصل على الراتب نفسه تقريبًا "200 ألف جنيه إسترليني أسبوعيا"، وبرحيله إلى بايرن ميونخ، ارتفع راتب النجم السنغالي إلى 250 ألفًا، بينما ارتفع راتب صلاح إلى 400 ألف أو 350 ألف جنيه إسترليني على أقل تقدير في ظل تضارب التقارير الصحفية.
بلغة الأرقام، يمكن القول إن بقاء "ماني" ورحيل "صلاح" كانا سيوفران على ليفربول 100 ألف جنيه إسترليني أسبوعيًّا على أقل تقدير، ولن يكسرا سقف الرواتب في النادي كما كسره راتب "صلاح" المرتفع، ولكن إدارة ليفربول لم تمانع في رحيل "ماني"، ولم تستغرق المفاوضات مع بايرن ميونخ أكثر من شهرين، فيما بدأت المفاوضات مع "صلاح" واستمرت لنحو عام كامل.
الإجابة تبدو بسيطة، يمكن استنباطها من رسالة "كلوب"، التي أقنعت "صلاح" بالتجديد، فوفقا للصحفي الإيطالي الشهير فابريزيو رومانو، أخبر مدرب ليفربول نجمه المصري بأنه سيكون "واجهة" الفريق في المرحلة المقبلة.
كلمة "واجهة"، وإن بدت مطّاطة إلى حدٍّ ما، لكنها تتضح مع محمد صلاح في مشاهد عدة، فالنجم المصري بالفعل أصبح واجهة جماهيرية لنادي ليفربول، تهتف الجماهير باسمه وتهتف له منذ وصوله في 2017 بالهتاف، الذي كانت تتغنى به لساديو ماني من قبله.
صورة محمد صلاح في وسط نيويورك، الحملات الإعلانية، التي تستهدفه كنجم أول، صورته في الطريق إلى ملعب "أنفيلد"، قمصانه الأكثر مبيعا في متاجر ليفربول، بل وصورته في تقديم كرة كأس العالم 2022، والتي لم يتأهل لها من الأساس، في الوقت الذي لم يظهر فيه "ماني"، الذي تأهل مع منتخب بلاده على حساب "صلاح".
كل هذه الأمور تجيب ببساطة عن السؤال المثير: لماذا فضلت إدارة ليفربول "صلاح" على ماني؟
لأن خسارة 5 ملايين جنيه إسترليني سنويا سيكون أمرًا هيّنًا مقابل الملايين الأخرى، التي سيربحها النادي من بقاء النجم المصري، لا سيما على المستوى الجماهيري، من حيث الرضا العام، وما يترتب عليه من شراء للقمصان وحضور للمباريات.
الجانب الآخر يبدو فنيا، فالنجم المصري لا بديل له قادر على تعويض ما يقدمه في ليفربول، بعكس "ماني"، الذي كان يلعب في الأساس كجناح أيسر، وهو المركز الذي شغله لويس دياز في النصف الثاني من الموسم الماضي، لينتقل النجم السنغالي إلى مركز المهاجم، الذي تعاقد فيه النادي مؤخرا مع المهاجم القادم بقوة داروين نونيز.
وبوجود ديوجو جوتا وروبرتو فيرمينو، لم يعد ليفربول في قلق من وجود لاعبين قادرين على شغل مركزي المهاجم الصريح والجناح الأيسر، بعكس "صلاح" الذي لا يوجد له بديل في مركزه.
وكما بدأنا بلغة الأرقام، فإن الختام الأجمل سيكون بلغة الأرقام أيضا، وهي اللغة، التي أتقنها محمد صلاح منذ وصوله إلى ليفربول، فسجل معه 156 هدفا وصنع 63 على مدار 5 سنوات، مقابل 120 هدفا و48 تمريرة حاسمة للنجم السنغالي في 6 سنوات.
وكما ربح محمد صلاح سباقًا هو الأقوى في مسيرته مع ساديو ماني في ليفربول، سيكون عليه أن يربح المزيد من السباقات خلال الفترة المقبلة، وهو ما تنتظره الجماهير من فارس عربي لم يعرف أبدًا معنى الهزيمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة