مع وصول سفينة "إنرجي باور" -"سفينة يونانية متعاقدة مع إسرائيل"- إلى حقل "كاريش" للتنقيب عن النفط والغاز، عاد ملف الحدود البحرية إلى الواجهة بين لبنان وإسرائيل.
يأتي ذلك وسط مخاوف من انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية بينهما، دون أن يعني ما سبق عدم إمكانية عقد صفقة بين الجانبين، في ظل إعلانهما الاستعداد للعودة إلى الوساطة الأمريكية بهذا الخصوص. حيث شكّل وصول "إنرجي باور" إلى حقل "كاريش" صدمة في لبنان، وسط تحميل العديد من الأوساط اللبنانية أركان السلطة في بلادهم المسؤولية، بسبب خلافات على الحصص من جهة، ومن جهة ثانية للتهاون في التعامل مع الوساطة الأمريكية الهادفة للتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. فضلا عن الجدل الجاري بشأن تأخر لبنان في إبلاغ الأمم المتحدة بتعديل المرسوم 6433 عام 2011، القاضي باعتماد خط 29 بدلا من خط 23، ما يعني إضافة 1430 كيلومترا مربعا للحدود اللبنانية البحرية مع إسرائيل، وجعل حقل "كاريش" حقلا مشتركا بين الجانبين.
أوجه الخطورة كثيرة، إذ إن الخطوة الإسرائيلية ببدء إرسال السفن للتنقيب عن النفط والغاز في حقل "كاريش" قبل التوصل إلى اتفاق مع لبنان لترسيم الحدود البحرية، جاءت بعد أيام من مناورات إسرائيلية برية وبحرية وجوية في قبرص، وأخرى في البحر الأحمر، ودمج نظام القبة الحديدية في السفن الحربية الإسرائيلية، التي تقوم بحماية سفن التنقيب، كذلك التأهب العسكري الكامل لحماية منصات الغاز البحرية الإسرائيلية من أي هجوم محتمل، وسط تأكيد إسرائيل أنها لن تنتظر إلى ما لا نهاية في قضية بدء التنقيب عن النفط والغاز، كما أن الخطورة مرتبطة بالتهديدات التي صدرت عن مليشيا "حزب الله" الإرهابي عندما هدد أمينه العام حسن نصر الله، قبل فترة، بـ"منع إسرائيل بالقوة من التنقيب عن الغاز والنفط في الحدود البحرية"، قبل أن يصمت الحزب ويتوارى خلف الدولة عقب التصعيد الأخير.
ولعل ما يزيد الوضع خطورة هو تزامن قفز قضية حقل "كاريش" إلى الواجهة مع اشتداد الحرب الاستخباراتية بين إيران وإسرائيل، إذ لا يستبعد كثيرون أن تلجأ إيران إلى تفجير الوضع بين لبنان وإسرائيل عبر أداتها "حزب الله" الإرهابي بشن هجوم على سفن التنقيب في الحقل المذكور، ردا على مقتل العديد من كبار الضباط والعلماء النوويين الإيرانيين مؤخرا.
في مقابل هذه المخاطر المحتملة لتفجير مواجهة بين إسرائيل ولبنان، ثمة حرص من الجانبين اللبناني والإسرائيلي على إعطاء فرصة للجهود الأمريكية والأممية بغية إنجاح الوساطة الأمريكية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث طلب لبنان رسميا من الجانب الأمريكي استئناف وساطته بهذا الخصوص، وهو ما يفتح نافذة أمل بعقد صفقة تجنّب الطرفين مواجهة محتملة.
ولعل مثل هذه الصفقة تأتي بفوائد استراتيجية للبنان، الذي يعيش أسوأ الظروف، ليس من ناحية جلب موارد مالية ضخمة له قد تنقذه من أزماته المتفاقمة، بل تجنّبه مواجهة لا قدرة له على تحمل أكلافها الباهظة والمدمرة، وأبعد من ذلك، فإن مثل هذه الصفقة ستكون بمثابة ضوء أخضر أمريكي لشركات الطاقة العالمية بالتوجه إلى المياه الإقليمية اللبنانية للتنقيب عن النفط والغاز وتصديره إلى الخارج.
فقد ربطت واشنطن هذا الضوء الأخضر دائما بتوصل لبنان وإسرائيل إلى اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما.. صفقة -إنْ رأت النور- ستسهم دون شك في تعزيز منطق الدولة في لبنان أمام منطق تحكم المليشيا في قرار البلاد، وربما تكون بداية لاستعادة لبنان عافيته في ظل التقارير التي تتحدث عن اكتشاف حقول نفطية في المنطقة البحرية الإقليمية، الواقعة بين جبيل والبترون، هي الأضخم في العالم.
أما دون ذلك، فإن الفرصة التي توفرها الوساطة الأمريكية قد تشرع لمواجهة مدمرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة