«نشر مصر وثائق حرب أكتوبر».. خبراء عسكريون يكشفون الرسائل وسر التوقيت
وثائق سرية حول حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 كُتب معظمها بخط اليد، نشرتها لأول مرة وزارة الدفاع المصرية، أسالت الكثير من حبر الخبراء حول توقيتها بالغ الحساسية، والرسائل وراءها.
وذهب بعض الخبراء العسكريين والمراقبين إلى اعتبار أن توقيت نشر الوثائق يحمل رسائل مصرية إلى إسرائيل، لا سيما وأن مؤشرات عدة تقول إن العلاقات بينهما متوترة، مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه شن هجوم على رفح الفلسطينية، الأمر الذي يثير قلقاً بالغاً لدى القاهرة التي أظهرت بشكل علني رفضها لهذا الهجوم المحتمل.
- لأول مرة منذ 50 عاما.. مصر تزيح الستار عن وثائق حرب أكتوبر السرية
- حرب أكتوبر.. مؤسس "الفرقة 999" يروي ذكريات الألم والأمل
لكن آخرين اعتبروا أن توقيت نشرها لا يرتبط بما يجري في غزة أو الأوضاع في المنطقة، بل خطوة مجدولة جاءت الموافقة عليها منذ شهور، ارتباطا بذكرى مرور 50 عاما على الحرب، وأنها مجرد رسالة طمأنة للداخل المصري حول مدى قدرة وكفاءة القوات المسلحة.
وقد اشتملت الوثائق على أمور عدة بداية من حرب 1967 وصولاً إلى وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، مثل التعليمات الخاصة بالاستعداد والتخطيط الاستراتيجي للحرب بما في ذلك تحطيم الساتر الترابي.
إضافة إلى الخطة "شامل" التي تعاملت مع تصفية ثغرة الدفرسوار، وكذلك الخطة "شامل المعدلة"، وكشفت كذلك عن خطط الدعم العربي للجيش المصري.
خلفيات نشر الوثائق
"العين الإخبارية" تحدثت مع الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج أحد أبطال حرب أكتوبر حول دلالات وتوقيت نشر تلك الوثائق، والذي كشف عن بعض من كواليس قرار الإفراج عنها، لكنه أكد أن التوقيت ليس له أي ارتباط بما يجري على الساحة سواء في غزة أو سيناء.
وأوضح "فرج" أن "القوات المسلحة المصرية فكرت في مسألة نشر الوثائق على أساس يتم ذلك بالتزامن مع ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول الماضية أي بمناسبة مرور 50 عاماً كوثائق تترك للأجيال الجديدة، وقد اتخذ القرار بهذا الشأن في يوليو/تموز الماضي بتكوين لجنة من 12 من ضباط القوات المسلحة الذين عايشوا الحرب والذين يغطون كل أفرع وإدارات القوات المسلحة".
وذكر الخبير العسكري المصري أن "اللجنة بدأت اجتماعاتها في شهر أغسطس/آب الماضي، واستمرت إلى أكتوبر/تشرين الأول"، مشيراً إلى أنه "بحلول ذكرى الحرب لم نكن جاهزين لنشرها، لأنها تتكون من آلاف الوثائق، وقد تم الانتهاء منها الشهر الجاري أي بعد 6 أشهر من تسلم المهمة".
وجدد اللواء سمير فرج الإشارة إلى أنها "آلاف الوثائق، كونها تتضمن إشارات متبادلة وخرائط وبلاغات قتال، وأوامر من القائد العام وأوامر من وزير الدفاع وغيرها من التعليمات والأوامر، لافتاً إلى أن كل هذه الأمور لم يتم الانتهاء منها إلا هذا الشهر، وبالتالي تم نشرها"، مشدداً على أنه "في ضوء ذلك ليس لنشرها أية علاقة بما يجري في غزة أو الأوضاع في المنطقة".
وقد ذكرت وزارة الدفاع المصرية عبر موقعها رفقة الوثائق أهمية التخطيط العسكري الاستراتيجي لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والذي قالت إنه يصل إلى أعلى درجات الفكر العسكري العالمي.
كما سلطت الضوء على "أهمية ودور الإعلام المصري خاصة العسكري وما قام به من دور في إحداث التأثير الدولي والإقليمي ونشاطه لكشف نوايا إسرائيل".
إسرائيل تعلم مكانة مصر
بدوره، يقول اللواء أركان حرب محمد الشهاوي رئيس أركان الحرب الكيميائية الأسبق والخبير العسكري، إن "هذه الوثائق تؤكد قدرة القوات المسلحة المصرية على تحقيق المستحيل كما حدث في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهي رسالة للداخل حول مدى قدرة وكفاءة القوات المسلحة للاطمئنان على الجاهزية والكفاءة القتالية والاستعداد القتالي لها".
وقال "الشهاوي"، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن "نشر الوثائق يأتي في توقيت تشهد فيه المنطقة كثيراً من التغيرات خاصة الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكاب المجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني والتهديد باقتحام رفح برياً".
ولفت عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية إلى أن "رفح خط أحمر بالنسبة لمصر"، مشدداً على أنه "بنشر تلك الوثائق فإننا أمام رسالة حول مدى الجاهزية المصرية وقدرة وكفاءة القوات المسلحة، وبالتالي هذه هي الرسالة الأولى للداخل المصري والأطراف الإقليمية والدولية".
ويرى "الشهاوي" أن "إسرائيل بدورها لن ترتكب (هذه الحماقة) – على حد تعبيره – لأنها تعلم أن مصر دولة وازنة في المنطقة وقواتها المسلحة متفوقة ومتقدمة، كما أن القاهرة وسيط نزيه لحل هذا الصراع عبر وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإنفاذ المساعدات والعمل على حل الدولتين".
وأعرب "الشهاوي" عن اعتقاده أن التصريحات الإسرائيلية بشأن رفح تأتي في سياق الضغوط والتهديدات تجاه حركة حماس حتى لا تزداد في شروطها فيما يتعلق بالهدنة وعدد الرهائن والمسجونين الفلسطينيين في إسرائيل.
وتتحدث تقارير متواترة عن حالة استنفار في كل الأوساط المصرية منذ بداية أحداث غزة في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، وقد تصاعدت مع اتجاه إسرائيل لهجوم على رفح أدنى جنوب القطاع وعلى حدود مصر، ما يثير مخاوف بإمكانية دفع نحو 1.7 مليون فلسطيني يتحصنون في تلك المنطقة الضيقة نحو الأراضي المصرية، ما يشكل بكل تأكيد مساساً بالأمن القومي المصري.
رسالة ذات مغزى
اللواء عادل العمدة المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية المصرية يرى هو الآخر، أن "نشر الوثائق أمر له دلالات تتعلق بقدرات الجيش المصري ورسالة بأنه جيش قادر على فعل كل ما يعتقد البعض أنه مستحيلاً"، مؤكداً، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الوثائق ذات دلالة كبيرة وترتبط بما تشهده منطقة الشرق الأوسط من توترات متصاعدة خصوصاً في قطاع غزة".
وأكد الخبير العسكري المصري أن "الوثائق تلفت إلى أن هناك دولة قوية اسمها مصر ولديها جيش قوي يتسم مقاتلوه بالكفاءة".
لكنه شدد على ما يؤكده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دائما بأن "مصر جيشها رشيد، وقادر على التعامل مع مختلف الأحداث والتطورات بقوة وثبات يتناسب مع قدرة ومكانة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وتابع "العمدة" إننا "نعلم أن الظروف التي أحاطت بحرب أكتوبر/تشرين الأول المجيدة وقد كانت صعبة للغاية، ومع ذلك استطاع الجيش المصري تحقيق النصر، وعليه فإنه عندما تكون ظروفه أفضل كما هو الحال الآن فإنه قادر على تنفيذ ما يطلب منه بشكل أفضل وأنه جاهز لأي أمر في أي وقت، وأن جيش مصر كذلك قادر على حماية حدود مصر وأمنها القومي".