مبارك وطابا.. إرادة مصرية جسدتها مفاوضات السنوات الـ7
الرئيس الأسبق حسني مبارك سجل مشهدا لكل من يحاول المساس بتراب بلاده؛ إذ أمسك بالعلم المصري رافعاً إياه على رمال طابا بعد حرب دبلوماسية وتفاوضية.
بوقفة عسكرية ونبرة حاسمة، وقف الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أمام مذيعة أجنبية موجهاً لها سؤالا صادما: "هل يمكنكِ التخلي عن أحد أطفالك؟!".. أما سؤال السيدة فكان عما يمكن أن تقبل به مصر من تسهيلات إسرائيلية مقابل التنازل عن طابا.
بالصوت والصورة، سجل مبارك مشهداً للإسرائيليين قبل المصريين، حين أمسك بعلم بلاده رافعاً إياه على رمال طابا، بعد حرب دبلوماسية وتفاوضية عمرها 7 سنوات.
وتحظى مدينة طابا، الواقعة بمحافظة جنوب سيناء، بموقع استراتيجي يجعلها نقطة تماس حدودية لمصر مع 3 دول عربية هي السعودية والأردن وفلسطين.
حين صعد مبارك إلى سدة الحكم في مصر، خلفاً للرئيس الراحل أنور السادات، أدى اليمين في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1981، وبدا واضحاً أن الرجل استهل عهده بمفاوضات السنوات السبع، بعد معاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل في مارس/آذار 1979.
كعادتها إسرائيل حاولت فرض سياسة الأمر الواقع، وقبل تنفيذها المادة الأولى من معاهدة السلام بالانسحاب من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين، وسعت الأقاليم المحيطة بميناء إيلات، وأولى خطواتها التي نفذتها خلسة دون إبلاغ كانت بناء فندق سياحي في وادي طابا، ليبدأ خلاف الحدود الشهير، خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بالمدينة.
وفى أكتوبر/تشرين الأول عام 1981، الشهر الذي اغتيل فيه السادات، اصطدم مبارك في بداية حكمه بمخالفات إسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى، أرادت ضمها إلى الأراضي المحتلة، غير أن رسالة مصر آنذاك كانت واضحة "لا تفريط في سنتيمتر واحد".
تفاوض عنيف
أما سنوات الدبلوماسية فبدأت شرارتها الأولى مارس/آذار 1982 بإعلان القاهرة عن خلاف مع إسرائيل حول العلامات الحدودية المذكورة، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التي تثبت تبعية تلك المناطق للأراضي المصرية.
وعقدت مصر اجتماعات عدة رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة، لكن الأمور تعقدت بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين في إعادة طابا، فطالبت مصر باللجوء إلى التحكيم الدولي لحل النزاع كما تنص المادة السابعة من معاهدة السلام.
أمام ضغط حكومة مبارك، اضطرت إسرائيل إلى قبول اللجوء للتحكيم الدولي، في 13 يناير/كانون الثاني 1986، قبل أن تصدر الهيئة المحكمة قراراتها مصحوبة بانطباع راسخ عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة الاحتلال.
وبالفعل، توجت هيئة التحكيم الدولية في جنيف الجهود المصرية في 29 سبتمبر/أيلول عام 1988 بحكمها التاريخي بالإجماع بـ"مصرية طابا خالصة"، ثم رفضت القاهرة عرضاً إسرائيلياً بتأجير المدينة لـ99 عاماً لكونه يتعارض مع السيادة المصرية.
حل نهائي
حسمت مصر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1988 أزمة طابا نهائياً على الأراضي الإيطالية، بحضور أمريكي؛ حيث انتهى مشهد الاحتلال لطابا عبر 3 اتفاقيات:
الأولى تختص بالنشاط السياحي بتعويض إسرائيل بمبلغ 37 مليون دولار تدفعها مصر مقابل تسليمها المنشآت السياحية في فندق "سونستا طابا" والقرى السياحية، على غرار ما حدث في كل من: دهب ونويبع وشرم الشيخ من قبل.
الثانية ترتبط بتحديد موعد الانسحاب الإسرائيلي النهائي من طابا، وتوصيل خط الحدود إلى شاطئ خليج العقبة (النقطة 91) وتحدد 15 مارس/آذار 1989.
أما الاتفاقية الثالثة فتتعلق بنظام مرور الإسرائيليين من وإلى طابا بجنوب سيناء، فتم السماح لهم بدخول الأراضي المصرية، مع بعض التفاصيل المرتبطة بتحرك السيارات وحمل القادمين من الأراضي المحتلة جوازات سفر، على أن تتولى السلطات المصري ملأها بمعرفتها.
ربما يكون بعض المصريين تحركوا ضد مبارك وطالبوه بالتنحي عن الحكم، إلا أنهم لا يزالون يحتفظون له بـ"نقاط فخر" منها كلماته الشهيرة بالعامية المصرية: "فضلنا ورا طابا هما يتكتكو -يقصد الإسرائيليين- واحنا نتكتك لحد ما خدنا طابا، ماسيبناش ولا سنتيمتر من أرضنا، بس تعبونا".
جدير بالذكر أن مدينة طابا تبلغ مساحتها 805.8 فدان تقريباً، وتبعد عن مدينة شرم الشيخ نحو 240 كلم شمالاً، وتعد آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة في مقابلة الميناء البحري الوحيد للأردن وهو ميناء العقبة.
aXA6IDE4LjIyNy40OC4yMzcg جزيرة ام اند امز