مسرح للكفيفات في مصر.. 9 موهوبات يقهرن الظلام
"العين الإخبارية" تلتقي أعضاء الفريق المسرحي للحديث عن التجربة الرائدة منذ بداياتها حتى خروجها للنور
تقمُّصهن للأدوار المرسومة يشعرك للوهلة الأولى أنك أمام ممثلات محترفات، يقفن على خشبة المسرح بكل ثقة وثبات متناغمات مع بعضهن البعض في الحوار، لا يوقفهن شيء عن الأداء التمثيلي المبهر إلا تصفيق الجمهور المستمر طوال العرض.
وأثناء العرض، تعود "سعيدة" إلى الكواليس لمراجعة دورها، ممسكة بالسيناريو المكتوب بطريقة "برايل".
مصير واحد
9 فتيات مصريات تلاقت مصائرهن رغم اختلاف أعمارهن وظروفهن الاجتماعية داخل أروقة جمعية "النور والأمل لرعاية الكفيفات" بحي مصر الجديدة شرقي العاصمة القاهرة، لتقررن خوض تجربة التمثيل المسرحي.
بدأت سعيدة جمعة (42 عاماً) التمثيل كهواية في تجربة أولى مع الجمعية، متحمسة لتطوير مهارتها في تقليد الشخصيات وإلقاء الإفيهات عبر التدريبات المستمرة.
تشعر "سعيدة" بالارتياح عند الانتهاء من حفظ الحوار، وتقمُّص شخصيتها ببراعة أثناء البروفات.
تقول لـ"العين الإخبارية": "التمثيل مصدر سعادة بالنسبة لي، وأفضِّل تقديم شخصيات كوميدية تسعد الجمهور وأكون سبباً في إضحاكهم".
صعوبة حركتها على المسرح لم تمنعها من إتقان دورها، معتمدة على الأداء الصوتي والحفظ خاصة بعد صقلها لمهاراتها اللغوية بحفظ القرآن الكريم بعد تخرجّها في كلية الآداب.
بداية الحكاية
وعن قصة تشكيل فريق مسرحي، تقول منى زكي، عضو مجلس إدارة الجمعية، إنَّ التجربة بدأت بعد نجاح مشروع "تمكين" في تطوير مهارات الفتيات الذي تضمن بعض الاستعراضات الصغيرة، وفي نهاية المشروع "وجدنا رغبة شديدة من القائمين عليه والمشاركات لإقامة عرض مسرحي كبير".
تخوّف "منى" من نجاح تجربة مسرح الكفيفات لم يمنعها من استكمال المشروع خاصة بعد أن طرح عليهم المؤلف والمخرج جورج أنور عرض "مملكة الذهب"، الذي يتناول قيماً لتمجيد العمل في حياة الإنسان، وهو الأمر الذي توافق مع هدف الجمعية في دمج الفتيات الكفيفات بالمجتمع.
إصرار الفتيات كان عاملاً رئيسياً في نجاح التجربة، وتقول "منى": "زالت العقبات من أمامنا بإصرار المشاركات على تحدي أي إعاقة، إضافة إلى مجهود المخرج وفريق العمل، ليحقق العرض نجاحاً غير متوقع".
ونجح العرض الأول الذي قدَّمه الفريق في أكتوبر/تشرين الأول، وتؤكد "منى" أنَّ قدوم الجمهور في البداية كان بهدف التشجيع فقط، لكن سرعان ما تحول التشجيع إلى إعجاب كبير بموهبة الفتيات التي تمكنهن من تخطي أي إعاقة يظن البعض أنها مانع للإبداع.
اختلاف وإبداع
تتراوح أعمار فريق المسرح بين 12 إلى 42 عاماً، وشكَّل هذا الفارق العمري توعناً إيجابياً خلق نوعاً من التناغم خلال التدريبات.
"شهد" أصغر عضوات الفريق لديها روح مثابرة للتعلم، وبعد انتهاء يومها الدراسي في المرحلة الإعدادية تتوجه سريعاً إلى مقر الجمعية، استعداداً للبروفات الأسبوعية التي تسبق عرض المسرحية.
ورغم صغر نفسها، فإنها أتقنت اللغة العربية بشكل جيّد، متقمصة دور "الوزير" بمسرحية "مملكة الذهب".
ودفع حب "منى عبدالغني" للسينما ودراستها في مجال الإعلام للالتحاق بالفريق المسرحي، مكتشفة موهبتها الحقيقية في التمثيل.
وبصوت عالٍ تؤدي دورها على المسرح دون خوف من الحركة، قائلةً: "لا يوجد خوف على المسرح ولا صعوبة في الحركة".
ثقة فريق العمل في موهبة "منة" منحتها ثقة كبيرة في شخصيتها، معلنة رغبتها في احتراف التمثيل بالمسرح أو السينما.
إرادة تفوق الصعوبات
"يمتلكن من المشاعر والإحساس ما يفوق الممثل المُبصِر"، عبارة وصف بها المخرج المنفذ للعرض أكرم معوض، موهبة الـ9 فتيات.
ويؤكد معوض تميزهن في الأداء الصوتي والحركة باحترافية: "فقدان حاسة لديهن لم يمنعهن من تقديم عرض جيّد وإظهار موهبة إبداعية في التمثيل والحركة، هن يستطعن المنافسة على مستوى إقليمي إذا توفَّرت لهن الفرصة".
مسؤولية كبرى وقعت على كتفي المخرج والمخرج المنفذ، بداية من تقديم المسرحية باللغة العربية الفصحى وصولاً إلى الدمج بين الأداء الصوتي والحركة على المسرح.
وعلى مدار 7 أشهر بدأ مشوار الفريق بجلسات استماع لفهم شخصية كل فتاة واختيار الدور الملائم لها، ويقول معوض: "أصعب مرحلة هي التدريب على الحركة ونظرة كل فتاة للباقيات في المشهد".
ومن التسجيل الصوتي إلى طريقة "برايل"، كانت رحلة حفظ الحوار، وهنا تولى المدقق اللغوي محمد الباسم مسؤولية ضبط الحوار لغوياً وتلقين الفتيات أدوارهن بجانب تسجيل النص صوتياً وكتابته بطريقة "برايل".
ساعات طويلة تقضيها الفتيات لحفظ الحوار، وتتمسك "سعيدة" على حفظ النص بطريقة "برايل"، مؤكدة أن التمثيل تحدٍ لهن لإسعاد أنفسهن والآخرين.