محادثات تركيا ومصر.. مساران وسلسلة قضايا عالقة
بمجرد انتهاء المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا، بدأت الأسئلة والتوقعات حول مسار التطبيع بين البلدين ومستقبله.
وأمس، اختتمت مصر وتركيا الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية التي عقدت في أنقرة على مدار يومي 7 و8 سبتمبر/ أيلول الجاري.
ووفق بيان مشترك، اتفقت مصر وتركيا في نهاية المحادثات، على مواصلة المشاورات بينهما، وتأكيد الحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بينهما، لكن لا يزال سؤال رئيسي يطرح نفسه بقوة: إلى أين يسير قطار التطبيع بين البلدين عقب انتهاء جولة المحادثات الثانية الاستشكافية؟
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، يجيب عمرو الشوبكي الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، قائلا "إنه في ظل التقدم الملموس للمباحثات، فمن الوارد عودة العلاقات بشكل كامل، وتبادل للسفراء، وعقد لقاء بين وزيري الخارجية في البلدين، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت".
وأرجع الشوبكي توقعه بعودة العلاقات، إلى "البيئة الإقليمية المواتية، لا سيما ما تحقق على صعيد المصالحة الخليجية، وعودة العلاقات مع قطر"، قبل أن يشدد على أن "العلاقات بين أنقرة والقاهرة لن تصل إلى حد التحالف الكامل، بل سيحدث تباين في عدد من الملفات".
وحول شكل ومستوى العلاقة بين الدولتين خلال المدى القريب، أكد البرلماني المصري السابق أن العلاقات ستصل لمستوى مفهوم ومتوافق على تخفيض التوتر، مع استمرار المشاورات لتقريب وجهات النظر في ملفات ما زالت تمثل إشكالية حقيقية؛ أبرزها الملف الليبي وملف المنصات الإعلامية لتنظيم الإخوان التي تبث من تركيا.
وحول منصات الإخوان الإعلامية، قال الشوبكي إن "هناك تراجعا في خطاب التحريض ضد مصر عقب القيود التي فرضتها تركيا على تلك المنصات، في مقابل عدم تعامل القاهرة مع الملف الإعلامي بالمثل، حيث لم تستضيف الأخيرة قنوات تعمل ضد أنقرة".
الملف الليبي
وعلى صعيد الملف الليبي، قال الخبير المصري إنه "إذا حدث تفاهم بين القاهرة وأنقرة، سيساهم بشكل حاسم في حل الصراع بليبيا، والاعتراف بنتائج الانتخابات المتوقع عقدها في ديسمبر/كانون الأول المقبل".
وتابع الشوبكي أن "تركيا بلد هام ولها تراث حضاري مشترك مع مصر، وإذا ما تم التوصل إلى تفاهم وصيغة تحمل عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإن التقارب سيعود بالنفع على كلا الشعبين والمنطقة".
وتتمسك القاهرة بخروج أنقرة غير المشروط من الأراضي الليبية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار مع دول المنطقة، كشروط لأي تقارب محتمل.
وبخلاف الملفات العالقة نسبيا بين الجانبين، قال الشوبكي إن "مشكلة التعامل مع تركيا تتمثل في أن حزب العدالة التنمية الحاكم يحمل وجها براجماتيا، ووجها آخر أيديولوجيا تجاه الوضع السياسي المصري، لذلك فهناك دائما مراوحة "تأرجح"، على عكس باقي الأطياف السياسية في تركيا التي تحكمها علاقات المصلحة والفائدة المتبادلة".
كما رأى الخبير المصري أنه "من غير المفيد عقد جولة ثالثة للمحادثات الاستكشافية قبل أن تكون هناك تحركات دبلوماسية وسياسية عملية"، مضيفا "إما بقاء الوضع على ما هو عليه أو ستكون هناك عودة للسفراء وللعلاقات".
وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أكد في تصريحات صحفية أمس الأول، أن بلاده ستتخذ الخطوات اللازمة لتعيين سفير لها لدى مصر، حال نجاح المفاوضات بين البلدين.
وأوضح أن "مسيرة التطبيع مع مصر مستمرة، ووضعنا لأجل ذلك خارطة طريق، واليوم نستضيف في أنقرة وفدا مصريا، وإن توصلنا إلى اتفاق سنقدم على الخطوات اللازمة لتعيين السفراء في كلا البلدين".
فيما قال سامح شكري وزير الخارجية المصري، إن القاهرة تسعى لإيجاد صيغة لتطبيع العلاقات مع تركيا، مضيفا "لكن أمامنا الكثير لتنفيذ ذلك".
وتابع شكري "سنفتح الباب لمزيد من التقدم في علاقتنا مع تركيا عندما نكون راضين عن الحلول المطروحة للمسائل العالقة بيننا".
قوة دفع
بدوره، قال بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الجولة الثانية من المحادثات حققت نتائج أفضل وتقدما ملموسا من الأولى التي عقدت بالقاهرة في مايو/أيار الماضي.
وتابع عبد الفتاح أن الجولة الثانية ناقشت بعمق النقاط العالقة بين الجانبين مثل الملف الليبي وشرق المتوسط، وأحرزت تقدما ملموسا في المفاوضات بين البلدين لكن دون حدوث اختراق كبير حتى الآن في تلك الملفات.
واستنادا إلى تحليله لتصريحات المسؤولين الأتراك ومخرجات اجتماع أنقرة، رأى عبدالفتاح أن أنقرة تتسرع في اتخاذ خطوات التقارب مع القاهرة بغض النظر عن الاستجابة لشروط مصر، والوفاء بالالتزامات المطلوبة منها.
وتابع: "تريد أنقرة تسجيل نقاط في التقارب تعلن عنها كما حدث مع دول خليجية عديدة، وفي ذات الوقت لا تريد أن تقدم المطلوب منها".
وأضاف: "كان من المفترض الحديث عن إجراءات جديدة لبناء الثقة، وخطوات إيجابية لإثبات حسن النية، كما تطالب مصر".
السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق، يتفق مع الشوبكي وعبدالفتاح، وقال في حديث لـ"العين الإخبارية" إن مخرجات الجولة الثانية تشير إلى "وجود أجواء طيبة وإيجابية وقوة دفع نحو تطوير العلاقات".
وتابع أنه "من الواضح أن الأمور ما زالت في حاجه لبعض الوقت؛ لتسوية ملفات قد تكون صعبة بين الجانبين في مقدمتها الملف الليبي".
وكان وزير الخارجية المصري الأسبق أشار في تصريح سابق لـ"العين الإخبارية" أن "مسألة تبادل السفراء أمر سابق لأوانه، ولن تكون خطوة قادمة سريعة"، مرجعا ذلك إلى "وجود قضايا صعبة وشائكة على الجانب التركي حسمها أولا، أبرزها؛ خروج قواتها من ليبيا إضافة إلى عمليات التنقيب غير القانوني بشرق المتوسط".