الراقصة المهندسة إيمي سلطان: "نخطط لمنح الماجستير في الرقص بمصر" (حوار)
مؤسسة معهد "طرب": نجيب ساويرس كان أول الداعمين لنا
قبل دخولك إلى معهد «تقسيم» لتعليم الرقص بطريقة أكاديمية في مصر، يجب أولًا أن تخلع نعليك، لتجد بعد خطوتين من الباب رسومات لأيقونات الرقص الشرقي في استقبالك.
من هذه اللوجات صورة لنعيمة عاكف وأخرى لسامية جمال، وعندما تهم بالجلوس، ستفاجأ ببورتريه للراقصة سامية جمال مرسومًا على قاعدة الكرسي.
الراقصة المصرية إيمي سلطان احتفلت قبل أيام بتدشين معهد تقسيم في منطقة الزمالك بالقاهرة ضمن مشروعها "طرب"، واعتماده رسميًا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، بحضور عدد من رموز المجتمع مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس ومصممة الحلي عزة فهمي.
تحدثت "سلطان"، في حوارها مع "العين الإخبارية"، عن أهداف مشروعها، ومبادرتها لتسجيل الرقص المصري في "اليونسكو" كتراث ثقافي غير مادي، وتطرقت إلى أوضاع الرقص والراقصات في مصر، والنظرة المجتمعية "غير العادلة" لهذه المهنة، معتبرة أن "الرقص مظلوم في مصر".
بداية ما هو مشروع "طرب"، وما فكرة معهد "تقسيم"؟
طرب هي شركة للحفاظ على التراث المصري الاستعراضي، مكونة من 3 محاور: الأول توثيق الرقص المصري في منظمة اليونسكو كتراث مصري غير مادي، والمحور الثاني هو معهد تقسيم لتعليم الرقص بطريقة أكاديمية، والمحور الثالث هو شركة الإنتاج، التي قدمت عرضا في ختام مهرجان الجونة عام 2012 باسم "العصر الذهبي للسينما المصرية".
أما معهد تقسيم فهو أول مكان يعلم الرقص بطريقة أكاديمية في مصر، وهو أيضًا أول مكان معتمد من المجلس الدولي للرقص التابع لمنظمة اليونسكو، وهو مجلس تأسس عام 1973 ويرأس جميع أنواع الرقص المعروفة في العالم، ولم يكن قبل ذلك معترفا بالرقص المصري، وعندما أسسنا شركة طرب كان هذا أحد أهدافنا، وبالفعل حصلنا على الاعتماد قبل عامين.
كما حصلنا على الاعتماد من منظمة اليونسكو لتعيم الرقص بطريقة أكاديمية، وهذا يعني أن من يجتاز تدريبات الرقص في المعهد وعدد الساعات المعتمدة البالغة نحو 150 ساعة وكذلك اجتياز الاختبارات المقررة، يمكنه الحصول على شهادة معتمدة، ومن ثم يكون بمقدوره استغلال هذه الشهادة في امتهان الرقص في الأماكن المخصصة والمعترف بها لتقديم هذا الفن.
أنتِ في الأساس مهندسة ديكور.. من أين جاء هذا الاهتمام بالرقص وتعليمه وتوثيقه؟
أنا خريجة هندسة ديكور، لكنني لم أعمل أبدًا في هذا المجال، وكنت راقصة باليه، وعندما فكرت في اعتزال الباليه وجدت أن الرقص المعاصر في مصر ضعيف جدًا، ولكن لضعف الإمكانات المتوفرة لامتهان هذا النوع من الرقص، قررت دخول مجال الرقص الشرقي منذ نحو 7 سنوات، ولو كانت لديّ الفرصة لدراسة الرقص بشكل أكاديمي في الطفولة لما ترددت في ذلك.
أما توثيق الرقص كتراث ثقافي، هذه الخطوة تحفظ الرقص كجزء من التراث المصري من محاولات السرقة والاستيلاء، وللأسف مصر لم تسجل حتى الآن سوى 3 أشياء كجزء من التراث، وهي السيرة الهلالية والأراجوز والتحطيب، في حين أن إيطاليا مثلا سجلت آلاف الأشياء كتراث، وأنا على استعداد لاستكمال هذا المشروع وتقديمه للجهات الرسمية لتقدمه بدورها في شكل طلب لتسجيله في اليونسكو.
عودة إلى "تقسيم".. ماذا يعني تعليم الرقص بطريقة أكاديمية؟
هذا معناه أن يخضع المتدرب لمناهج تعليم الرقص، وفي تقسيم عكفنا على إعداد بعض المناهج، والبعض الآخر في طور الإعداد والتطوير الآن، ونحن لدينا منهج للفون الشعبية، ومنهج للباليه الكلاسيكي، وفي الواقع يمكن اعتبار تقسيم بمثابة معهد ومعمل نختبر فيه عددا من المناهج والأساليب التعليمية، كما نخطط في المستقبل القريب لمنح بعض المتقدمات درجة الماجستير في الرقص.
وبالإضافة إلى المناهج النظرية، نعمل في معهد تقسيم على تعليم المتدربات حركات وإيقاعات الرقص، وهي الحركات التي تأسست في مصر ولها مسمياتها، كما ندرس جميع أنواع الرقص المصري؛ لأن الرقصة الواحدة تأخذ أكثر من شكل، فالنساء في المدن الساحلية المصرية يرقصن بطريقة مختلفة عن طريقة الرقص في سيناء وجنوب مصر والدلتا، وهذا يؤثر على الحركات وطريقة تأديتها.
ويجب العلم هنا أن "هز الوسط والبطن" لا صلة له على الإطلاق بالرقص الذي ندرسه في المعهد، فالطريقة التي نعتمدها تقوم بشكل أساسي على حركة الرجلين، والركبة تبدأ منها جميع الحركات، مع العلم أن جميع عضلات الجسم تتحرك أثناء الرقص لكنها يجب أن تأتي من الأرض، ونحن ندرس كل ما له علاقة بالرقص في مصر منذ قدماء المصريين وحتى العصر الذهبي للسينما مرورا بسهير زكي ونجوى فؤاد.
الطريقة الأكاديمية تعتمد أيضًا على الأغاني الشرقية الغنية بالتقسيمات، ومعناها أن الآلات الموسيقية تعمل سولو أو تقسيم، والرقص الذي يتماشى مع هذه النغمة يسمى تقسيمة، والحالة التي يكون عليها الجمهور والفرقة عندما يحدث كل هذا تسمى طرب، ومن هنا جاءت تسمية الشركة "طرب"، والمعهد "تقسيم"، أما الأغامي الجديدة فلا يوجد بها تقسيم ولا آلات ولا توزيع، وأغاني المهرجانات هي مجرد "تنطيط وطاقة ورعش".
هل واجهتك صعوبات عند تأسيس معهد تقسيم في القاهرة؟
بالفعل كانت هناك بعض الصعوبات، وتطلب الأمر الحصول على تراخيص وموافقات، بالإضافة إلى دراسة المشروع وأخذ رأي الخبراء في التعليم والأبحاث تجنبًا للأخطاء، وركزنا عند تأسيس المعهد على دعم الفتيات الراغبات في تعلم الرقص، لأنهن في حاجة ماسة إلى الدعم في مصر؛ بسبب ما يتعرضن له من مضايقات وتنمر ووصم.
ما إجراءات التقدم إلى المعهد، وهل الدراسة بالمجان أم برسوم؟
المتقدمات إلى المعهد يخضعن لاختبارات لبيان مدى قابليتهم للدراسة والتعليم، فالموضوع ليس مجرد دراسة لتاريخ الرقص ولكنه يعتمد على الحركات والإيقاعات، ونحن نسعى لتخريج راقصات تعمل-إذا ما أرادت- في الأماكن المعترف بها لإقامة عروض الرقص، ولا نسعى لتخريج راقصات لأماكن السهر والملاهي الليلية.
أما عن الرسوم، فبعض الطالبات تدفع رسومًا مقابل تعلم الرقص، بالإضافة إلى المتقدمات للحصول على ورش ودورات مكثفة وليس كورسات كاملة، كما نقدم منح دراسية لبعض المتقدمات غير القادرات على الدفع، وبشكل عام نحن نحتاج إلى إيرادت للإنفاق على المقر، وما يتوفر لدينا بعد سداد هذه البنود نوجهه إلى مبادرة توثيق الرقص والمنح المقدمة لغير القادرات.
نجيب ساويرس ظهر بجانبك في حفل تدشين "تقسيم".. هل تتلقين دعمًا من رجال الأعمال؟
نحن نسعى للحصول على الدعم من أي مانح، والمهندس نجيب ساويراس كان من أول الداعمين، ولكنه كان دعمًا بسيطًا، والدغم الأكبر الذي حصلنا عليه كان من الجهات المانحة في ألمانيا وليس من مصر.
وماذ عن الجهات الحكومية مثل وزارة الثقافة؟
لم نقدم حتى الآن طلبات للحصول على دعم من الوزارات، والحقيقة أنني أرى أن الاتجاه الرسمي قديما ضد فكرة الرقص، وبالتالي لا يمكنني طلب الدعم من جهة لا تؤمن بما أقدمه، لكن الوضع الآن قد يختلف بعد الحصول على اعتماد اليونسكو، وأنا قادرة على السير حتى بدون هذا الدغم الرسمي.
ويجب العلم أن الرقص في مصر مقنن، والراقصات يدفعن ضرائب ويجددن تراخيص المصنفات الفنية بشكل سنوي.
ما رأيك في نظرة المجتمع للرقص والراقصات في مصر؟
الرقص كان عبادة عند قدماء المصريين، وتوجد نقوش على جدران المعابد لأجدادنا وهم يمارسون الرقص، وفي الواقع كانت المعابد مكانًا للرقص، وكانت هذه هي طقوس العبادة، إذًا الرقص هو من ثقافتنا وليس نابعًا من ثقافات أخرى، فلا مجال للانتقادات التي تقول بأن الرقص غريب على الثقافة والمجتمع.
أنا شخصيًا تعرضت للتنمر في مواقف كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنني لا أعبأ بكل هذا الضجيج، ودائمًا ما أنظر إلى الهدف الأكبر، وهذا تاريخ مسجل وعلم منقوش على جدران المعابد وفي الآثار المصرية القديمة، وبالتالي أنا لا أهتم بكل هذه الانتقادات، وأركز فقط على الصورة الأكبر.
وقديمًا كانت النظرة للرقص مختلفة، لكن نظرة المجتمع الأبوية للمرأة ودروها في المجتمع وقدرتها على الظهور، كل هذه العوامل أثرت على صورة للرقص والراقصات، وفي العصر الذهبي للسينما كانت المرأة رائدة في هذا المجال، وكان لدينا منتجات مثل عزيزة أمير وبديعة مصابني التي خرّجت كوكبة من النجوم مثل إسماعيل يس وشكوكو، وإجمالًا كانت النظرة للسينما والرقص مختلفة تمامًا.
الرقص مظاوم الآن في مصر، والنظرة المجتمعية إلينا غير عادلة، وفي المقابل يقدم الرقص في الأماكن الخطأ، لذا يجب أن نعرضه بطريقة فنية وثقافية حتى يتمكن الجمهور من استيعابه أكثر وبالشكل الصحيح، ولا علاقة لهذا الموضوع بملابس الراقصات، فنحن لدينا رياضات مثل السباحة الإيقاعية والجمباز الإيقاعي واللاعبات يرتدين مايوهات ويرقصن بها ولا أحد يعترض، وأعتقد أن المكان والإطار الذي يقدم فيه الرقص لهما دور في هذه النظرة.
ويجب تحسين هذه النظرة من الناس أنفسهم، ولسنا بحاجة إلى اعتراف دول الغرب بالرقص أولًا لكي نعترف به هنا في مصر، يجب أن يكون الاعتراف نابعًا من مصر، ولا بد من التخلص من عقدة الخواجة، فنحن كمصريين لدينا مشكلة منذ عهد الاحتلال، فعندما يأتي الخواجة ويهتم بشئ ما سرعان ما نقلده، هذا ما يحدث مع الرقص، وبشكل عام يجب أن نحب أنفسنا وتراثنا.