الأزرق المصري.. محاولات لحل لغز الصبغة التي حيرت العلماء (خاص)

على مدار أكثر من قرن، حاول العلماء إعادة تصنيع "الأزرق المصري"، إحدى أقدم الصبغات الصناعية في التاريخ، والتي كانت تُستخدم في الحضارة المصرية القديمة.
وتتميز الصبغة بلونها الأزرق الناتج عن مركب "كوبوريفيت"، الذي يحتوي على السيليكات النحاسية، ورغم أن معظم المحاولات السابقة اقتربت من النجاح، فإن العلماء لم يتمكنوا بعد من إعادة بناء الطريقة الأصلية بالكامل.
في دراسات حديثة، حاول الباحثون سد فجوة في الفهم تتعلق بالمصدر النحاسي المستخدم في تصنيع الصبغة، وفي حين أن معظم التجارب السابقة اعتمدت على "المالاكيت" أو أكسيد النحاس التجاري كمصدر للنحاس، أشار المهندس الروماني فيتروفيوس (مهندس ومعماري روماني عاش في القرن الأول قبل الميلاد) في كتاباته إلى استخدام برادة النحاس التي قد تكون مستخلصة من الخردة المعدنية، وهو عنصر لم يُستخدم بشكل كافٍ في التجارب الحديثة.
وفي دراسة جديدة منشورة بدورية "سبيكتروكيميكا أكتا"، استخدم العلماء من قسم العلوم البيولوجية والجيولوجية والبيئية بجامعة كاتانيا الإيطالية، برادة نحاسية مأخوذة من قطعتين نقديتين رومانيتين قديمتين، بهدف اختبار إمكانية تصنيع "الأزرق المصري" باستخدام برادة النحاس.
قارن الباحثون نتائج هذه التجربة بتجارب سابقة استخدمت "المالاكيت"، بالإضافة إلى عينات أثرية قديمة، كما حاولوا تقييم تأثير إضافة حبيبات "الأزرق المصري" القديمة على عملية التفاعل كعوامل نواة لتسهيل التبلور.
اعتمدت الدراسة على تقنيات تحليل مختلفة، حيث تم استخدام الميكروسكوب الضوئي، والتحليل الطيفي للألوان، واللمعان المرئي المستحث (VIL) لاستبعاد المنتجات غير المتوافقة مع العينات الأثرية، كما تم استخدام تقنيات متقدمة مثل التحليل الطيفي بـ"رامان" وأشعة "إكس" لتحديد المنتجات الأكثر تطابقًا مع العينات الأثرية.
وكانت إحدى النتائج المهمة للدراسة هي أن استخدام العملة التي تحتوي على شوائب الزرنيخ أدى إلى تكوين "أرسينات النحاس" كصبغة زرقاء، وهو أمر مختلف عن التكوين المطلوب، ولكن، التجربة التي استخدمت عملة أنقى وعوامل نواة من الأزرق المصري كانت ناجحة، حيث تم تحقيق تبلور مركب "كوبوريفيت" بنجاح.
تشير هذه الدراسة إلى أن برادة النحاس قد تكون المفتاح لإعادة بناء عملية تصنيع الصبغة القديمة، مع تسليط الضوء على التحديات التي واجهها العلماء في تتبع التغيرات البنيوية عند درجات الحرارة العالية.
ومن جانبه، يبدي خالد العفيفي، باحث الدكتوراة بقسم الكيمياء جامعة جنوب الوادي (جنوب مصر) حماسا لهذه النتائج المهمة التي توصلت لها الدراسة حول سر الصبغة الزرقاء، مشيرا إلى قيمة هذه الصيغة التاريخية والأثرية، وكذلك في التطبيقات الحديثة.
ويقول العفيفي لـ"العين الإخبارية" إن "فهم تركيب الصبغة الأزرق يعمق فهمنا للحضارة المصرية القديمة وتقنياتها المتقدمة في الكيمياء والفنون، ويساعد في استعادة الأعمال الفنية والمواقع الأثرية القديمة، حيث يمكن لخبراء الترميم إعادة إنتاج الألوان الأصلية في اللوحات والجداريات الأثرية".
ويضيف أن هناك أيضا تطبيقات حديثة لهذه المعرفة، حيث يتميز الأزرق المصري بقدرته على إصدار ضوء تحت تأثير الأشعة تحت الحمراء، ويمكن استخدام هذه الخصائص في التطبيقات الحديثة مثل التكنولوجيا الحيوية، وأجهزة الاستشعار، وحتى في الفنون البصرية المعاصرة.
aXA6IDMuMTQ0LjEwNS4yNTUg جزيرة ام اند امز