"الدعم النقدي" صداع في رأس الحكومة المصرية
الدعم النقدي يراه البعض علاجا سحريا لقضية الدعم في مصر، إلا أن تجربة ومناقشات عشرات السنوات ترجح أنه علاج صعب.
الدعم النقدي يراه البعض علاجا سحريا لقضية الدعم في مصر، إلا أن تجربة ومناقشات عشرات السنوات ترجح أنه علاج صعب، خصوصا أن الدعم بصفة عامة يمثل صداعاً في رؤوس مختلف الحكومات المتعاقبة على مصر خلال السنوات الماضية.
والدعم السلعي خصوصاً أكثر تعقيداً في تفاصيله، خاصة أنه يرتبط بنحو 72 مليون فرد موزعين على 21 مليون أسرة يمتلكون بطاقات تموينية، يخدمهم 42 ألف بقال وجمعية استهلاكية، بينهم 35 ألف بقال تمويني وفروع جمعيتي في مختلف أنحاء البلاد، و3 آلاف جمعية تعاونية استهلاكية، يتبعها نحو 4 آلاف فرع على مستوى الجمهورية، وجيش من العاملين في مكاتب التموين.
وتطبيق الدعم النقدي جزء من التزامات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الجاري تنفيذه، وأحد مكونات المرحلة الثانية من البرنامج، والمقرر تنفيذها في العام المالي 2017 – 2018، وحتى يتسنى الاستمرار في تسييل أقساط القرض المتفق عليه بقيمة 12 مليار دولار.
وزير التموين الدكتور علي مصيلحي قال إن من ضمن مهامه تغيير منظومة الدعم من العيني للنقدي، تنفيذا لتوجهات الحكومة وتوجيهات رئيس مجلس الوزراء، وهو ما قوبل بترحيب من البعض، وتحفظات من البعض الآخر.
ومع مرور الوقت، اتضحت تعقيدات القضية اقتصاديا، واجتماعيا، وهو ما دفع وزارة التموين، وفقا لما قالته مصادر مسؤولة لـ"بوابة العين" إلى تشكيل لجنة مهمتها وضع خطة لتهيئة الأرضية المناسبة لتطبيق الدعم النقدي، خصوصا ما يتعلق بتنقية بطاقات التموين بشكل واضح وجدي، وتحديد الفئات المستحقة للدعم، بخلاف البحث مع وزارة المالية حول المبالغ النقدية البديلة للدعم العيني، وآليات الصرف للفئات المختلفة، سواء موظفين، أو معاشات، والأكثر تعقيداً، العمالة اليومية والحرة.
قبل أن يترك الوزارة قال وزير التموين السابق اللواء محمد على مصيلحى، تصريحاً مهماً ، جاء فيه: "الدعم النقدي كلمات يراد بها خير ومحتواها باطل"، وفي الوقت نفسه شدد على أن التحول من الدعم العيني للنقدي يلغي أبواب الفساد والتلاعب بمنظومة الدعم العيني، فيما تعمل الوزارة على تنقية بطاقات الدعم التموينية، لوجود بطاقات كثيرة كانت متوقفة، إلا أن التطبيق ليس سهلاً..
وجاء وزير التموين الحالي ليرد: "إن لم يتم ضبط حركة المواد فلن نتمكن من ضبط حركة النقود فى الدعم"، وستظل قضية التحوّل من الدعم العينى إلى النقدى ملفاً رئيسيا على مناقشات وأعمال وزارة التموين، والحكومة والبرلمان.
أرقام ميزانية مصر لعام 2016 – 2017، توضح أن حجم الدعم السلعي يبلغ 111,9 مليار جنيه بنسبة 11,9%، من إجمالي الميزانية البالغة 936,1 مليار جنيه، وهذا الدعم موزع على ستة قطاعات مختلفة، ويستحوذ دعم السلع التموينية على 41,1 مليار جنيه بنسبة 36,7% من الدعم الكلي، منها 29,4 مليار لدعم الخبز، و12,4 مليار جنيه لدعم سلع البطاقات التموينية "السلع التموينية".
وينال دعم المواد البترولية 35 مليار جنيه بنسبة 31,2% من إجمالي الدعم، فيما ينال دعم الكهرباء 28,9 مليار جنيه بنسبة 25,8%، ويبلع دعم المزراعين 5,1 مليار بما نسبته 5,4%، بينما يصل دعم المياه "عن طريق شركات المياه" مليار جنيه بنسبة 0,9% من إجمالي الدعم، ويبلغ دعم الأدوية 600 مليون جنيه بنسبة 0,5%.
الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين والعدالة الاجتماعية الأسبق، كان أكثر حذرا، حيث نبه إلى خطورة الاندفاع السريع من الدعم العيني للدعم النقدي من دون توفير حماية واضحة ومتكاملة للفئات والشرائح المستحقة للدعم في المجتمع ووجود قاعدة بيانات حقيقية ببيانات هذه الفئات.
وأفاد أن قضية تطبيق الدعم النقدي ليست بسيطة، ويجب أن تتم في ظل توفير شروط تتضمن لها النجاح، ومنها استقرار الأسعار ووجود وسائل فعّالة حتى تصل المبالغ النقدية للمواطنين المستحقين، مع توافر التنافسية في الأسواق وانتفاء الاحتكار، موضحا أنه إذا لم تتوافر مثل هذه الشروط، سيصبح من الصعب بل من الخطر تطبيق الدعم النقدي، وربما يؤدي إلى مزيد من الفوضى في الأسواق.
وقال الدكتور جودة: في كل الأحوال فإن تطبيق منظومة الدعم النقدي ستحرم فئات وشرائح من المجتمع من احتياجاتها الأساسية من الغذاء، وهو ما ينعكس بالسلب على مستويات المعيشة، ومن المهم أن يتم التمهيد للتطبيق بمجموعة إجراءات على رأسها، تنقية جداول المستحقين للدعم، وإجراء إصلاح لنظام الدعم، مع توفير التمويل اللازم للدعم النقدي من وزارة المالية، وتحديد آليات الصرف لمختلف الشرائح المستفيدة.
دكتور مصطفي المليجي أستاذ الاقتصاد المجتمعي في جامعة المنوفية شدد على أهمية الدعم النقدي للحد من حالات الفساد في منظومة الدعم، وهو أحد البدائل للحد من الضغوط على ميزانية الدولة، إلا أن التطبيق الصحيح هو أهم معيار في المرحلة الحالية، وحتى لا نخرج من فساد إلى فساد آخر يتعلق بمنح من لا يستحق ما لا يستحق، وحصر الفئات المتوقع وقوع ضرر عليها، بينها البقالون التموينيون، وهم عدد كبير ويعمل لديهم مثات الآلاف من العاملين.
ولفت إلى أهمية إعادة هيكلة وزارة التموين، لتصبح وزارة رقابة ومتابعة، للأسواق بالمفهوم العالمي للرقابة على المواد الغذائية، وعلى الأسواق، موضحا أنه من المهم الاستفادة من عدد ضخم من الموظفين في وزارة التموين ومكاتبها في مختلف أنحاء مصر، لضمان تطبيق الأسعار الواقعية، ومنع أية حالات احتكار، ورفع الأسعار دون أدنى مسؤولية مجتمعية.
ومن جهته بين مختار الشريف "خبير اقتصادي" أن تجربة تطبيق الدعم النقدي في دول عديدة حققت نجاحات جيدة، ولكن وفق ضوابط محددة، تتضمن العدالة للمجتمع، ولا تقتصر على السلع الغذائية فقطـ، بل تمتد إلى ضمانات التعليم للمواطنين، وتطبيق قواعد تحفيز للمبدعين والمتفوقين من مختلف شرائح المجتمع، مع توفير فرص عمل حقيقية، ووضع آليات لوصول الدعم النقدي، دون حالات تشويه للمنظومة، لأنها لو بدأت مشوهة، ستكون بابا لفساد أكبر.
وأوضح أن الدعم النقدي يجب أن يكون مرتبطا بآليات مراجعة دورية، للوقوف على مدى حاجة الأفراد للدعم من عدمه، بمعنى أن من يستحق الدعم في مرحلة قد لا يستحقها في مرحلة أخرى، وأيضا من لا يستحق الدعم الآن قد يستحقه في مرحلة لاحقة، وذلك وفق مستويات الدخول.
ويشير دكتور مدحت زيدان الباحث في مركز الصفوة للدراسات الاقتصادية بالجامعة العمالية، إلى أن الأرقام تشير إلى أن دعم السلع الغذائية يصل إلى أكثر من 41 مليار جنيه، وهذا الرقم، ووفقا لاتفاق صندوق النقد، يجب ترشيده بنحو 30% إلى 40% في غضون 12 شهرا، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للمستفدين من الدعم، بخلاف الحد من تسرب الدعم في مسار وصوله إلى المواطنين، واتباع الدعم النقدي سيحل هذا التسرب.
وبين أن التطبيق يصبح معيار النجاح، خصوصاً ما يتعلق بالفئات المستهدفة، ومدى استحقاقها، ونظم الوصول إلى المستحقين بنظام ذكي، يضمن الشفافية في التطبيق، واستبعاد أية وسائل يمكن مجرد الشك فيها.