قدر لـ"الشهيد" المصري محمد سمير أن يكون في مواجهة مباشرة مع الإرهاب وأدواته التدميرية في لحظة فارقة في تاريخ مصر.
فالإرهاب بشبكاته الدولية والمحلية تربى على كره الإرادة الوطنية ومحاولة كسرها وتغذى على التخريب والتفريق بين أبناء البلد الواحد، أثبت أيضا بهذه الواقعة أنه يحمل الضغينة للشباب المتطلع لمستقبل أفضل لبلاده بالعلم والمعرفة والتنمية كونها قيم تعيقه داخل الدول التي يستهدفها.
"استشهاد" الشاب محمد سمير على يد الإرهاب وغيرها من الوقائع المماثلة، تعيد التأكيد على أن الإرهابيين يقفون على النقيض من الحياة، متحفزين وبكل خسة إلى هدم المستقبل وتصفية عوامل النهوض مستبدلين العلم والمعرفة والتنمية بخطاب الكراهية والتحريض على العنف لتنفيذ المخططات الشيطانية داخل الدول التي تقف حائط صد أمامهم، وفي القلب منها مصر.
الواقعة تعود إلى 29 يوليو 2013، في أعقاب تعبير الشعب المصري عن فرحته بفرض إرادته القوية والصلبة أمام محاولات السطو والهيمنة الإخوانية على البلاد، والذي ومن خلال التنظيم الإرهابي شكل ثقوبا عديدة في البلد الآمن لتتسلل منها المجموعات الإرهابية المحلية والدولية، التي تختبئ خلف رداء الدين، مستغلة مسمياته المقدسة بصورة تلفيقية وانتهازية لتنفيذ مخططات سياسية معدة سلفا في دهاليز المخابرات الدولية.
كان محمد سمير يستعد لإتمام دراسته الجامعية التي كان متفوقا فيها، وفي العام الأخير يتطلع للخروج الى سوق العمل بعلم نافع لوطنه، وهذا أول ما يكرهه الإرهاب وداعميه وبالتوازي كان والده يدافع بثبات ومن موقع عمله عن هوية مصر وتاريخها واستقرارها، وكذا الثبات على المبدأ الوطني وإعلاء القيم والمبادئ العليا وهذا ثاني ما يثير غضب الإرهاب ويدفعه نحو التدمير والقتل والهدم.
وفي الموعد المقدر كان الشاب محمد متوجها لتلقي أحد دروسه (كورس) ليضاعف من خبراته العملية والمهنية، حتى يستعد لامتحانات السنة النهائية في كليته والتخرج للإسهام في بناء بلده، بينما كان بصحبته زملاء له، بينهم زميلهم (المسيحي) في تعبير صادق عن وحدة المصير وعفوية التركيبة المصرية.
وهي تركيبة لطالما حاول الإرهاب أن يجعلها على غير حقيقتها لوضع ألغامه حتى يتسنى له ضرب الاستقرار ونشر الفرقة في البلد الطيب.
وبشكل مفاجئ خرجت سيارة "جيب" سوداء كقلب من أرسلها، تزعم زورا وبهتانا الدفاع عن "بيت المقدس"، واعترضت سيارة الشباب المصري وأمطرت مستقبل مصر بوابل من الرصاص والخرطوش واستهدفت رصاصة الغدر الإرهابية رأس الشاب محمد فداء لكل زملائه الذين أصيبوا في الحادث.
ولأن والد "الشهيد" محمد رجل متجرد لأبعد حد ممكن تصوره، لم تأخذ القضية حقها في التداول والوصول للرأي العام، لتسجيلها في الذاكرة الوطنية المصرية باعتبار الشاب المغدور هو جزء من الأسرة الوطنية المصرية الكبيرة، ويمثل مع غيره من الشباب الذين بدد مستقبلهم الإرهاب أهم عناصر ثروتها البشرية التي كانت تنتظره للإسهام في مستقبلها النهضوي.
مؤخرا، وبالصدفة اكتشفت أن "الشهيد" محمد هو الابن الوحيد لأحد الرجال الذين جمعتني بهم الظروف في تلك الفترة، والذي كان بالرغم من جرحه (الذي لم أكن أعرفه وقتها) جسورا وبشوشا ومثابرا ومستمرا في أداء عمله بدأب في الدفاع عن هوية مصر وتاريخها واستقرارها في مواجهة الحالة الإرهابية التي كانت تثأر بحقد شديد من كل ما هو أصيل في مصر، وذلك في ذروة التحرك المصري والفرحة الشعبية بإقصاء التنظيم الإخواني الحاضن الأول والتاريخي للإرهاب.
ورغم الألم على الشاب "الشهيد" محمد سمير، والذي لم يكن يحمل إلا سلاح العلم والمعرفة، إلا أن تفاصيل ما بعد الواقعة حملت قيما تبعث على الأمل وتؤكد صلابة المقاومة في سبيل رفعة الأوطان والتقدم بها نحو المستقبل وعدم الاستسلام أو الوقوع تحت وطأة الشر والموت والعدوان والإرهاب.
من بين هذه التفاصيل؛ رد فعل أسرته الصغيرة الذي كشف الروح الوطنية المصرية المتجذرة في التراب المصري الذي هو ليس (حفنة تراب عفن)، كما روج أحد أقطابهم في أدبياته التكفيرية.
واختارت الأسرة المصرية تضميد جراحها بالخير والعلم بتعليم أبناء المصريين مجانا استمرارا لمسيرة "الشهيد" في العلم والتعليم والمعرفة.
وقامت الأسرة على نفقتها الخاصة بإنشاء مدرسة في إحدى القرى المصرية ستبدأ رسالتها من العام الدراسي القادم بعد اكتمال الإنشاءات.
ويضاف لذلك، رد فعل فتاة مصرية من أسرته المصرية الكبيرة، قادتها موهبتها لرسم لوحات لتخليد ذكرى عدد من "الشهداء" المصريين في الجيش والشرطة، وكذلك من المدنيين بينهم "الشهيد" محمد سمير.
وحين عرض عليها مقابل مادي لقاء ذلك بكت في رد فعل سريع وتلقائي، وقالت إن "محمد سمير وكل (شهداء) مصر دفعوا لي الثمن مقدما من دمائهم الذكية حتى أعيش مرفوعة الهامة موفورة الكرامة وقدموا أرواحهم الطاهرة فداء لكل المصريات حتى لا يتحولن إلى سبايا ضمن المشروع الإرهابي".
جردت المقال من تفاصيل كثيرة وحجبت معلومات أكثر، ربما، يأتي الوقت لاحقا لكشفها وتوضيح أبعاد وقيم أخرى وآثرت الاختزال وتكثيف الصورة أمام قدسية وجلال الشهادة والقيم التي أحيتها وبعثت فيها الروح المصرية الطاهرة وهو ما يخصني في تجربتي التي مست وجداني، كأحد أفراد العائلة المصرية الكبيرة التي يمثل محمد سمير وأقرانه من "الشهداء" المصريين بالجيش والشرطة والمدنيين أبناء للمصريين جميعا ولحمهم ودمهم الذي بذل للدفاع عن هذا الوطن وهويته.
وفي يوم "الشهيد" المصري الذي يحين في 9 مارس من كل عام والذي اتخذته مصر عيدا لها بعد "استشهاد" البطل عبد المنعم رياض في 1969 دفاعا عن وطنه. تحية للشهيد محمد سمير وأسرته الصغيرة وعائلته المصرية الكبيرة.
نقلا عن سكاي نيوز عربية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة