كعادة الأمريكان في انتهاز كل فرصة ممكنة للاحتفال، وسط تقاليد معينة من البهجة وإشاعة السرور والالتفاف حول المائدة، وأكل الطعام وشرب الشراب وربما بعض الألعاب النارية هنا أو هناك.
يستعد الملايين في الولايات المتحدة لمتابعة ليلة الانتخابات الصاخبة مساء اليوم الثلاثاء وسط أجواء احتفالية ربما قد تكون غير مسبوقة في تاريخ الديمقراطية الامريكية برمتها.
ففي ليلة الانتخابات، تتحول الولايات المتحدة إلى ساحة احتفالات تضج بالحماس والترقب، حيث يستعد الملايين لمتابعة الأحداث بشغف وكأنها سهرة عيد وطني أو متابعة مباراة ساخنة.
ومن يعيش في الولايات المتحدة، يعرف جيدا أجواء الـ Election Night والتي يتابعها الملايين سواء في منازلهم أو في المطاعم والحانات لمتابعة الليلة الكبيرة، وهي ليلة ليست ككل ليلة.
فيقيم العديد من الأمريكيين حفلات صغيرة في منازلهم حيث يجتمع الأصدقاء وأفراد العائلة لمتابعة النتائج المباشرة عبر القنوات الإخبارية والشبكات الاجتماعية، ويتم تحضير المأكولات والمشروبات، بما في ذلك البرجر المعتاد والهوت دوج السهل، لتكتمل نكهة الاحتفال بطابع أمريكي خالص.
وفي قلب المدن الأمريكية، تنظم البارات والمطاعم فعاليات خاصة لليلة الانتخابات حيث يتجمع الناس لمشاهدة النتائج معًا. يتم في بعض الأماكن تقديم عروض خاصة على الطعام والشراب، وتتزين الأماكن بالأعلام الأمريكية والشعارات الانتخابية.
وبعض المؤسسات تنظم أنشطة ترفيهية مثل المسابقات والرهانات على النتائج، حيث يتوقع المشاركون الولايات التي سيفوز بها المرشحون. وتعتبر هذه الأنشطة فرصة للتفاعل الاجتماعي والتخفيف من حدة التوتر الناجم عن الترقب.
أما بالنسبة للمناصرين المتحمسين، فتقوم الأحزاب السياسية بتنظيم تجمعات رسمية لمتابعة النتائج. يكون لهذه التجمعات أجواء احتفالية خاصة، خصوصًا إذا كانت النتائج الأولية تشير إلى تقدم مرشح الحزب.
البعض الآخر يحتفل بطقوسه الخاصة الرمزية، مثل ارتداء الملابس التي تعبر عن دعمه لمرشح معين أو تعليق الأعلام الأمريكية أو حتى كتابة الرسائل والتمنيات، أمام أبواب المنازل.
حتى وسائل الإعلام الأمريكية والدولية تتبارى لتشارك في موسم الانتخابات، رأيت موقعا يمنيا وآخر سودانيا يستعد لتغطية كبيرة لليلة الانتخابات، ولا بأس إذا كان الغرض هو التريند، دون محتوى حقيقي أو هدف توعوي أو تثقيفي.
وربما يكون مفهوما اهتمام الأمريكان بالعرض أو الـShow وأحيانا يكون العرض أهم من الحدث نفسه، لكن إلى حد مواقع إخبارية تعتمد في تغطيتها على النقل من وسائل الإعلام الأخرى أو حتى ترجمات وسائل الإعلام الأمريكية فهذا غير مفهوم على الإطلاق، أعرف جرائد ومواقع عربية كبيرة لا تخجل من ذكر وسيلة الإعلام الأمريكية باعتبارها مصدر معلومات مستقل بذاته.
وربما كان الآباء المؤسسون للولايات المتحدة اختاروا يوما في وسط الأسبوع (الثلاثاء الأول بعد أول اثنين) بالتحديد للحد من الاحتفالات الصاخبة التي عادة ما تصاحب اختيار الرئيس، لأن الجميع يعمل صباح الأربعاء التالي، ولربما إذا كانت الانتخابات في عطلة نهاية الأسبوع، لرأيت الأمريكان يسهرون حتى الصباح الباكر في الشوارع ابتهاجا بأعظم ديمقراطية في العالم الغربي.
المهم عزيزي القارئ أن ليلة الانتخابات تحولت هذه المرة لكابوس بالنسبة لسلطات إنفاذ القانون، والإشراف على الانتخابات، فالانتخابات تجرى في جو مشحون بلغ ذروته بعدة محاولات لاغتيال الرئيس السابق ترامب، بينما المرشحة الديمقراطية هاريس والتي تم إفساح المجال لها دون أن تخوض أي انتخابات تمهيدية لتنتزع بطاقة ترشح الحزب الديمقراطي انتزاعا بعد انسحاب الرئيس بايدن في أعقاب مناظرته الكارثية أمام ترامب قبل عدة شهور.
والطرفان تشير استطلاعات الراأي إلى أن نسبة قد تكون ثابتة تقترب من الـ 48٪ لكل منهما، وإذا وضعنا في الاعتبار هامش الخطأ في استطلاعات الرأي والقريب من الـ3٪ سنجد أننا أمام انتخابات يصعب التكهن بنتيجتها.
وحتى أمس أشارت الأرقام إلى أن أكثر من 75 مليون ناخب أمريكي أدلوا بأصواتهم بالفعل في التصويت المبكر، وهو رقم قياسي يعكس إقبالًا غير مسبوق، وفي ولاية ميشيغان، شارك نحو 3 ملايين ناخب في التصويت المبكر، وهو الأول من نوعه بعد تعديل قوانين الانتخابات في الولاية عام 2022.
الأمر الذي جعل المنافسين لا يتباريان للفوز بالولايات المتأرجحة فحسب، بل بالمدن المتأرجحة كذلك، وفي سباق رئاسي متقارب بهذا الشكل يغدو الصراع على كل صوت وعلى كل قرية ومدينة ومقاطعة صغيرة، أخبرني أحد مسؤولي حملة ترامب خلال وقت سابق، أنه لو كان الأمر بيده لجعل الرئيس ترامب يقود بنفسه حملة لطرق الأبواب بابا بابا في بعض مدن بنسلفانيا وجورجيا وميشغيان.
وبعدما كانت "الولايات المتأرجحة الحاسمة" تحسم مصير ضيف البيت الأبيض، يبدو أننا أمام ظاهرة جديدة على الساحة الانتخابية الأمريكية، فمع سباق انتخابي متقارب بهذا الشكل، من المتوقع أن تحسم المدن الصغيرة في الولايات المتأرجحة الانتخابات برمتها، فالجميع تتجه أنظاره لمدن إيري في بنسلفانيا، وغوينيت في جورجيا، وغراند رابيدز في ميشيغان، وماديسون داين في ويسكنسون، ولاس فيغاس في نيفادا، وماريكوبا في أريزونا.
وما يزيد الأمر صعوبة يبدو أننا سنكون أمام إعلان مبكر من جانب ترامب بالفوز إذا بدا أنه متقدم في النتائج، أو سيناريو التنازع على نتائج الانتخابات، ويكفي مشكلة قانونية في الإجراءات التي صاحبت الانتخابات هنا أو هناك أو إعادة الفرز كما هو متوقع إذا كانت هوامش الفروق ليست كبيرة لتصبح الليلة الموعودة بلا فائز في انتظار الحسم لاحقا.
وفي نهاية المطاف، تُظهر ليلة الانتخابات الأمريكية كيف أن كل صوت وكل رأي يهم، ومهما كانت النتائج فإن الأمريكان سيختارون رئيسا جديدا، فربما يتم انتخاب هاريس للمرة الأولى أو إعادة انتخاب الرئيس ترامب، الذي قضى السنوات الأربع الماضية، في صراعات قضائية لا تنتهي، ومن المؤكد أن ليلة الانتخابات نفسها تعد تجسيدًا حيًا لروح الديمقراطية الأمريكية والتي بالرغم من سيطرة الوجوه التقليدية عليها خلال السنوات الماضية، فإنها تظل حيوية بالنظام الانتخابي الأمريكي نفسه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة