"لا أفق ولا حل".. انتخاب رئيس للبنان مرهون بمواقف السياسيين
"نعمل على وصول رئيس يشبهنا"، و"نرفض رئيساً من 8 آذار"، و"نعمل على انتخاب رئيس داعم للمقاومة ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد".
تلك كانت مواقف "متصلبة" و"سقوف عالية" صدرت من قوى سياسية بارزة خلال الساعات الأخيرة، تعكس تمترس كل فريق في موقعه حول مواصفات مرشحه، بشأن الاستحقاق الرئاسي، ما يقف "حجر عثرة" ويعرقل الوصول لتوافق و"تسوية وطنية" ما، من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد.
يأتي هذا مع دخول أزمة الشغور الرئاسي في لبنان شهرها الثالث، إثر انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ووسط غياب أي ملامح لانتهاء تلك الحالة، خاصة بعد فشل البرلمان على مدار 11 جلسة في انتخاب رئيس جديد، وغياب أي دعوات للحوار حول الخروج من الأزمة، وسط تدهور معيشي واقتصادي وانقسام في الجسم القضائي بشكل غير مسبوق.
وضمن تطورات مواقف الكتل النيابية البارزة من الاستحقاق الرئاسي، أعلن النائب جورج عقيص عضو تكتل "الجمهورية القوية"، رفض التكتل أي رئيس من فريق 8 آذار، معلنًا عدم المشاركة بأي حكومة تديرها سلطة 8 آذار.
وأشار "عقيص" في حديث إذاعي إلى أن "موقع رئيس الجمهورية يبقى له دور مؤثّر إذا أحسن استخدامه وخاصة إذا مثّل وحدة البلد والسلاح الشرعي ويحافظ على الدستور.
وزاد النائب ملحم الرياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية ( يضم 20 نائبا) خلال لقاء في أنطلياس مع رؤساء مراكز المتن الشمالي في القوات اللبنانية، أمس: "ملف رئاسة الجمهورية معقد، ولكن في الوقت نفسه بدأت الأمور تسلك مسار الانحسار باتجاه أسماء معينة قد تكون الحل لمعضلة الرئاسة".
وشدد على أن : "معركة الأسماء لا حسم فيها بعد، ولكن الأكيد أننا لن ننتخب رئيسا لا يشبهنا ولن نعمل بعكس قناعاتنا".
وقبل أن تمضي ساعات على تصريح القيادي في حزب "القوات اللبنانية"، صرح من النائب جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر (التكتل النيابي يضم 18 نائبا): "نعمل لوصول رئيس يشبهنا ووضعنا في "التيار" مسودة لائحة أولية بأسماء من دون تبنّيها أو ترشيحها ومن دون التمسك بأي واحدة منها، ولكن اخترناها على قاعدة أنها أفضل من غيرها، أقلّه أفضل مما هو مطروح وبدأنا جولة اتصالات مع نواب وكتل".
وشدد في مؤتمر صحفي أمس: "صحيح أن الأولوية لانتخاب الرئيس لكن هذا الأمر لا يكفي بل يلزمه برنامج الأولويات الرئاسية" ينفذه الرئيس مع الحكومة وبالتعاون مع المجلس النيابي، وهو ما يتطلب وفاقاً وشراكة ومن دونهما لا أفق ولا حل".
وأكد أن "التفكير بانتخاب رئيس جمهورية من دون المسيحيين "ضرب جنون وطني وسياسي"، معتبراً أنّ "على المسيحيين مسؤولية الاتّفاق لأن باتفاقهم يستطيعون تحقيق خياراتهم في ظلّ هذا النظام طالما أنّ خيارهم وطني".
وفي أحدث مواقف "حزب الله" الرئاسية، أكد نائب مسؤول منطقة البقاع في "حزب الله" فيصل شكر، اليوم، أن "حزب الله يعمل لانتخاب رئيس للجمهورية يكون داعما للمقاومة، ويعمل لبناء الدولة وغير مرتهن للخارج".
انسداد رئاسي
وفي وقت سابق، قال النائب محمد رعد، رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (التكتل النيابي لحزب الله) في وقت سابق: "إننا في مواجهة الاستحقاق الرئاسي نعرف من نريد، ونتحرك من أجل أن يأتي إلى الرئاسة من نريد".
أما المرشح المعلن حتى الآن النائب ميشال معوض، فعبر في تصريحات تلفزيونية، عن حالة الانسداد الرئاسي الحالي، قائلا: "أنا كمرشح لست جاهزاً لاستكمال المسرحية "السمجة" بوضع اسمي من أسبوع لأسبوع من دون نتيجة، وقد عرضت أكثر من حل على حلفائي لمواجهة هذا التسخيف".
وفي تعليقه على مجمل تلك المواقف الرئاسية، قال الخبير الاستراتيجي ريشار داغر، في حديث لـ"العين الإخبارية": أننا "ما زلنا في المربع الأول، فالوضع اليوم كما كان منذ بدء عملية الشغور الرئاسي، والأخطر أن هذه المواقف لا تزال على حالها رغم الانهيار الخطير الذي يشهده لبنان على كافة المستويات الاقتصادية والمالية والقضائية".
وأوضح: في ظل هذا الانهيار ما زالت حالة الانقسام العمودي مهيمنة على الوضع السياسي بالبلد، وهو ما يعيق انتخاب رئيس جمهورية، وعودة الحد الأدنى من الحياة السياسية الطبيعية للبلد، وهذا مرشح أن يستمر أكثر في ظل المواقف المتصلبة، والسقوف العالية التي تتمسك فيها القوى السياسية المختلفة.
وأضاف: "هناك موقف معروف من حزب الله ومعه القوى المتحالفة معه من الثنائي الشيعي، فلا يمكن لحزب الله القبول بأن يصل لسدة الرئاسة شخصية غير مطمئنة بالنسبة إليه، خاصة في ظل الواقع الإقليمي والدولي المعقد حاليا من صراعات وتوترات دولية تسود المسرح العالمي".
وأكد الخبير الاستراتيجي، أن "الوضع في لبنان على درجة من الخطورة والصعوبة والتعقيدات ما يتطلب قراءة واقعية للوضع اللبناني من كافة القوى التي تقع خارج دائرة نفوذ حزب الله".
وعلى هذه القوى، والحديث لـ"داغر"، التصرف على هذا الأساس لإحداث موقف معين؛ لأن الاستمرار في التمسك بمواقف تصعيدية على غرار رئيس يشبهنا، وما إلى ذلك من طروحات عالية يعقد الموقف أكثر، ويدفع الوضع اللبناني لمزيد من التدهور الذي لا يمكن أن يستمر في هذا الشكل دون الوصول للانفجار سواء نتيجة الوضع المعيشي أو الاقتصادي أو نتيجة التجاذبات التي تضرب السلك القضائي وغيرها.
رئيس يناسب الجميع
وفي تشخيصه لمواقف وواقع القوى السياسية المختلفة، قال الدكتور محمد سعيد الرز، المحلل السياسي اللبناني، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن حديث كل طرف في الطبقة الحاكمة عن عدم انتخاب رئيس لا يشبهه يعني لا يشبه مشروعه، فحزب الله يريد رئيسا لا يطعن مشروع الحزب الذي يقوم على المقاومة بخلفية الأجندة الإيرانية، والقوات اللبنانية تريد رئيسا يشبه مشروعها في التمدد داخليا وتوسيع الدور خارجيا.
وأردف:" العونيون يريدونه متماشيا مع محاولاتهم لأحادية التمثيل المسيحي وإحداث تعديلات أساسية في الدستور واتفاق الطائف تسمح بسيطرتهم على الإدارات الرئيسية في البلد، فيما يبحث زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي عن رئيس يكفل حصصه السياسية والاقتصادية.
أما السياسيون السنة فمشروعهم المجيء برئيس يضمن تنفيذ اتفاق الطائف بكل بنوده بما فيها موقع رئاسة الحكومة (عدا أقلية تنحاز لهذا الفريق أو ذاك )، ويعزز علاقات لبنان العربية وخاصة مع دول الخليج العربي .
ورغم ن لقاءات واتصالات جارية بين أكثر من كتلة وتحرك أكثر من نائب، لا تبدو في الأفق أي بوادر انفراجة جديدة.
وينقسم مجلس النواب اللبناني بين محور 8 آذار الذي يقوده "حزب الله"، والمحور السيادي التغييري، وبعض المستقلين، دون أن يتمكن أي معسكر حتى من الوصول إلى اتفاق على مرشح واحد.
فالمحور السيادي التغييري (ويضم أحزاب القوات والكتائب والتقدمي الاشتراكي وبعض نواب التغيير وكتلة تجدد)، والذي يدعم النائب ميشال معوض، لم يستطع حتى الآن تجاوز عتبة الـ 45 صوتا لمرشحة، والذي يحتاج إلى 65 صوتا في الدورة الثانية من الانتخاب.
لكن هذا المحور أيضا ضرب الانقسام أركانه، مع إعلان بعض أطرافه كـ"التقدمي الاشتراكي" بشكل ضمني وغير معلن، عدم الاستمرار في دعم ميشال معوض في ظل الجمود الرئاسي الحالي.
في المقابل، يختبئ حزب الله وبعض حلفائه خلال جلسات انتخاب الرئيس، خلف الورقة البيضاء (50 صوتا)، بسبب عدم قدرة الحزب على إقناع حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" بدعم مرشحه (غير المعلن حتى الآن) وهو رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، فيما يقف نواب آخرون في المجلس النواب موقف المتفرج، على ما وصفه مراقبون بـ"مسرحية انتخاب الرئيس".
ويبرز أيضا مرشح ثالث غير معلن حتى الآن هو قائد الجيش جوزيف عون، بعد طرح بعض التكتلات النيابية اسمه كحل للأزمة الحالية.
aXA6IDE4LjExOC4xNDQuOTgg جزيرة ام اند امز