إشكالية الدين والانتخابات.. تشريح "الصوت اليهودي" في سباق البيت الأبيض

الأمريكيون اليهود أحد المكونات النشطة للحزب الديمقراطي (70% يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين مقابل 22% فقط يميلون لغريمه التقليدي الحزب الجمهوري)
كره الآباء المؤسسون لأمريكا، كلمة "الديمقراطية" واعتبروها "اختيارات غوغاء"، فبات الشعب لا يختار رئيسه مباشرة، بل عبر وسطاء.
توجسوا خيفة من الدكتاتورية، فحاكت أناملهم آلة انتخابية لا يهدأ صخبها طوال العام، تحاصر القوي وتحرمه الانفراد بالسلطة.
عابوا على الأحزاب رعايتها التمزق والتشرذم، وأسقطوها تماما من صياغة الدستور، ولكنهم تبنوا "كماشة" حزبية لا يخرج عنها ساكن البيت الأبيض.
وسط هذه "الأحجيات الانتخابية" التي تعكس خصوصية التركيبة السياسية في بلاد "العم سام"، يكتسي "الصوت اليهودي" بهالة أسطورية من التهويل في أغلبها، تحتاج مبضع جراح يحدد شرايينه الحقيقية، وأوردة تماسه الجدلية بالخطين الديني (اليهودية والمسيحية)، والسياسي (الثنائية الحزبية، وجماعات الضغط ودعم إسرائيل).
في البداية، يجب التفرقة لأغراض التشريح التحليلي، بين الصوت "اليهودي"، والصوت "المسيحي المتهود"، فالأول يشير إلى الكتلة التي تشمل كل من ينتمون إلى محيط اليهودية كديانة أو ثقافة أو تنشئة، أما الثاني فهو يشير إلى ما يسميه بعض الأكاديميين المتخصصين في مقارنة الأديان بعملية "اختراق" للمسيحية في أمريكا، عبر تيار يميني أصولي "متهود". وقام هذا التيار على دعامتين أساسيتين؛ الأولى دينية، مع انتشار فكر الألفية (عودة المسيح) والذي قام على تفسيرات جديدة لسفر دانيال (العقد القديم)، ورؤيا يوحنا (العهد الجديد)، وأصبح لليهود دور في "خطة الرب لنهاية التاريخ"، ثم تواصلت هذه الدعامة بحركة الإصلاح البروتستانتي، حيث أصبح العهد القديم (التوراة) المرجع الأعلى للاعتقاد لديهم.
أما الدعامة الثانية فكانت الاستيلاد الجديد لأسطورة "الشعب المختار"، حيث شبه المهاجرون الأوائل من البروتستانت أنفسهم بالعبرانيين القدماء حين فروا من ظلم فرعون (الملك الإنجليزي جيمس الأول)، وهربوا من أرض مصر (إنجلترا) بحثا عن "أرض الميعاد" الجديدة، وباتت مطاردتهم للهنود الحمر مثل مطاردة العبرانيين القدماء للكنعانيين في فلسطين، وأصبحت أمريكا "إسرائيل الجديدة" ليأخذ هذا الخط مسارا متفردا في موزاييك الحلم الأمريكي.
وستتضح المفارقة، بين الصوتين "اليهودي"، و"المتهود"، مع رسم خطوط التماس السياسية لهما، فالأول اتسم مساره بالميل إلى العلمانية واقترن ارتباطه السياسي بالحزب الديمقراطي الذي عرف طوال تاريخه بأنه الأكثر عوناً لإسرائيل، بينما الثاني تشكل بهيئة أصولية يمينية، تمثل إحدى الدعائم للحزب الجمهوري، وله قاعدة تصويتية تتجاوز بأضعاف كثيرة الصوت اليهودي. ويحتاج توضيح ذلك تشريحا خاصا ليس هنا موضوعه.
تغير "الهوية اليهودية"
وبالعودة إلى الصوت اليهودي، يتضح أن اختلاف مستويات الإجابة عن هذا السؤال الإشكالي (من هو اليهودي الأمريكي؟)، يؤثر على تحديد الوزن الانتخابي "المطاطي" للصوت "اليهودي"، وذلك تبعا لاتساع وضيق هامش الإجابة.
وتضع أحدث دراسة عن اليهود الأمريكيين، أجراها مركز "بيو" للأبحاث في الولايات المتحدة، بشكل مفصل معادلات تستجلي بدقة الكتلة التصويتية اليهودية في أمريكا وفق المستويات التالية:
إذا اعتبرنا اليهود هم الذين ينتمون إلى "الديانة اليهودية" فإن عددهم 1.8٪ من إجمالي البالغين في الولايات المتحدة أي 4.2 مليون نسمة، مع ملحوظة أن إجمالي عدد السكان أمريكا حاليا 332 مليون نسمة.
وإذا اتسع الهامش ليشمل من يعتبرون أنفسهم يهودا "خارج الديانة" اليهودية، أي يهودا علمانيين، أو المنتمين لليهودية بالثقافة أو التنشئة أو بالاسم فقط، ترتفع النسبة إلى 2.2٪ من إجمالي الأمريكيين البالغين أي 5.3 مليون نسمة. وإذا ضاقت الهوامش هنا قليلا تضيق بحيث لا يشمل من يعرفون أنفسهم "يهودا بشكل جزئي"، سيقل الإجمالي 600 ألف ليصبح 4.7 مليون نسمة.
أما إذا أخذنا الحدود التعريفية لمساحة أكبر، بحيث يتسع نطاق تعريف اليهود الأمريكيين ليشمل كل من كان أحد أبويهم (الأب أو الأم) يهوديا، أو تربّوا كيهود، بغض النظر عما إذا كان لهم دين آخر مثل المسيحية، والعلمانيين أو من لهم خلفية يهودية، سترتفع النسبة لـ3.3٪ أي 7.8 مليون نسمة.
أما إذا فتحنا الحدود بشكل كامل لتشمل كل الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم يهودا لأي سبب من الأسباب، فستصل النسبة إلى 3.8٪ أي حوالي 9 ملايين من إجمالي البالغين بالولايات المتحدة.
والغالبية العظمى من اليهود الأمريكيين من البيض غير اللاتينيين (الروس 10٪ منهم) ويعيشون في المناطق الحضرية، (فقط 4٪ منهم يعيشون في المناطق الريفية)، ويتركزون في الشمال الشرقي بنسبة كبيرة تتجاوز 40٪، تقل إلى النصف في الجنوب والغرب والغرب الأوسط.
ولدى اليهود الأمريكيين مستويات عالية من التحصيل العلمي، معظمهم (58٪) يحملون شهادات جامعية، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بـ29٪ للبالغين الأمريكيين. كما يوصفون بأنهم ذوو الدخل المرتفع نوعا ما، استنادا إلى أن ربعهم يتجاوز دخله السنوي 150 ألف دولار.
وتظهر القراءة المتأنية لتشريح الصوت اليهودي الأمريكي تراجع الانخراط في مجمل العملية الانتخابية وضعف الاهتمام بالموقف من إسرائيل لمعظم اليهود الأمريكيين، وانحسار الاهتمام أو الانتساب إلى الدين، مع استمرار تمرد الصوت الشبابي.
وتؤكد نتائج دراسة "بيو" هذا التغيير الذي طرأ على "الهوية اليهودية"، حيث تستمر نسبة المتدينين (الملتزمين) اليهود في مسار الهبوط المستمر فيه منذ الخمسينيات من القرن الماضي، لتسجل حاليا أقل من 2٪.، في الوقت نفسه تستمر العلمانية التي لها باع طويل في حياة الأمريكيين اليهود، في الاستحواذ على نصيب الأسد في مجمل الصوت اليهودي، لتظهر الأرقام أن 62٪ يعتبرون اليهودية مسألة لا تتعلق بالدين.
ومع الغوص في تشريح أرقام وإحصائيات الجيل الحالي بشرائحه العمرية المختلفة، يظهر تسرب الابتعاد عن الدين حتى وسط شريحة كبار السن (التي تعتبر عماد الشريحة المتدينة) حيث بات 7٪ منهم يصفون أنفسهم "بلا دين" أي يهودي بالاسم فقط، وهذا ما يعتبر تغيرا لافتا.
أما فئة البالغين فتظهر أرقامهم بالمتوسطات الحسابية أن ما يقرب من الثلث أو أقل بقليل يعتبرون "اليهودية" مجرد انتماء للأسلاف أو الثقافة ويعتبر 22٪ منهم أنفسهم "بلا دين".
اليهود والمال وهوليوود
وللاقتصاد والسينما والمسرح دور كبير في تاريخ الطائفة اليهودية في أمريكا، تطرق له المفكر الاقتصادي الفرنسي، جاك أتالي، في سفره الضخم "اليهود والعالم والمال، التاريخ الاقتصادي للشعب اليهودي"، حيث يرى ارتباطا وثيقا للطائفة اليهودية في الأمركة بعد أن سكن اليهود في رحم "أرض الأحلام" الجديدة، ويقول إنه مع إعلان ميلاد الولايات المتحدة الأمريكية في يوليو 1776، كانت المستعمرات في أرضها أغلبها زراعية وقليل جدا من الصناعة، ولهذا أبقى النفوذ البريطاني هذه المستعمرات معتمدة عليها وبالتالي لم يكن هناك من يؤمن الاحتياجات المالية لهذه الدولة البازغة، لا البنوك الإنجليزية، ولا البنوك الأوروبية، وهنا جاء دور الطائفة اليهودية المتمرسة في عالم الصيرفة والمال لتملأ هذا الفراغ عبر إنشاء العديد من البنوك، وشركات السمسرة مقبلين على مجازفات لم يرغب أحد في القيام بها.
ومن هنا باتت نيويورك، التي يعيش فيها نصف اليهود الأمريكيين، عاصمة المال على حساب بوسطن وفيلادلفيا، ويكفي استقراء هذا النفوذ بحالة جون بير بونت مورجان الابن، الذي قام بتمويل خطوط السكك الحديدية ووضع نظام شركة الكهرباء العامة "جنرال إليكتريك" وشركة حديد وصلب الولايات المتحدة، وأسس فرعا جديدا لمصرفه يقال إنه أقوى نفوذا من رئيس الولايات المتحدة شخصيا. وأقل تأثيرا من مورجان الابن جاء جو سليجمان، وسيمون جوجنهايم، وكذلك مؤسسات أخرى مثل لازار، كوهن، لويب، الإخوة ليهمان، ساشس.
ومثلما الحال مع صناعة المال، كانت صناعة السينما وهوليوود، فإذا لم يكن اختراع التصوير السينمائي في عام 1894 يهوديا، إلا أن أهم المؤسسات السينمائية أسسها مهاجرون يهود أغلبهم من شرق أوروبا، ففي عام 1933 كان هناك 53 يهوديا من بين الـ85 منتجا أمريكيا في هوليوود.
أودولف ذكور القادم من المجر أسس شركة "بارامونت للأفلام"، لتساعد في الدعاية للحرب العالمية الأولى، كالال لاميل القادم من ألمانيا، أسس "استوديوهات ينفرسال"، ويلهليم فوشس أسس شركة "فوكس القرن العشرين"، الإخوة وارنر القادمون من بولندا أسسوا أول قاعة لعرض الرسوم المتحركة وشركة "الإخوة وارنر"، لويس ماير، القادم من مينسك، أسس شركة ميترو، فيما أنشأ صامويل جولدفيش شركة جولدوين، ثم اندمجت الشركتان الأخريان مكونتيْن "مترو جولدوين ماير".
الصوت اليهودي واللوبي الإسرائيلي
وفيما يتعلق بالمسار السياسي لـ"الصوت اليهودي"، يرى أغلبه أن الولايات المتحدة "داعمة لإسرائيل"، وبناء عليه لا تصبح "الدولة اليهودية" القضية المحورية الأولى له مقارنة بالقضايا الأخرى الداخلية، وهذا ما يدفعنا إلى التأكيد على أن تأثير هذا الصوت على مسار الانتخابات الأمريكية مبالغ فيه، نسبة لحجمه ووزنه الانتخابي كما تم توضيحه سلفا.
وباستخدام مفردات القاموس السياسي الخاص للولايات المتحدة، فإن الأمر هنا سيختلف في الإشارة إلى "اللوبي الإسرائيلي"، والذي يعتبر دعم إسرائيل والدفاع عنها قضيته المركزية، وهنا يمكن وصف هذا الصوت بأنه من الأصوات المؤثرة في المشهد السياسي والانتخابي، بفضل "التبرعات المالية"، والآلة الإعلامية في الانتخابات الأمريكية.
ففي أي انتخابات رئاسية لابد أن يحصل المرشحون وخاصة الديمقراطيون على ما اصطلح عليه بعض الخبراء بـ"براءة الذمة" بالحديث أمام "اللوبي الإسرائيلي" معلنين التزاما شخصيا عميقا وعزما لا يلين للحفاظ على المصالح الإسرائيلية.
واختلفت الأسباب في شرح كيف يختلف أغلب السياسيين باستثناء الحديث عن إسرائيل، بين ما يرجعه البعض لروابط تاريخية هي الجذور الفكرية واللاهوتية، وأخرى استراتيجية باعتبار إسرائيل شريكا في الحرب على الإرهاب لا يمكن الاستغناء عنه، وأخرى تستورد المعلبات الجاهزة لـ"نظرية المؤامرة".
ولكن الخبيريْن السياسييْن ستيفن والت وجون ميرشايمر يرون أن القضية أبسط من ذلك، فهي تعكس قوة اللوبي الإسرائيلي باعتباره أقوى مجموعات المصالح في الولايات المتحدة. وتشير تقديرات إلى أن (اللجنة اليهودية الأمريكية–إيباك) أحد أبرز منظمات اللوبي الإسرائيلي وأكثرها شهرة على سبيل المثال تجاوزت في تأثيرها جماعات ضغط ثقيلة الوزن مثل اتحاد العمل الأمريكي، وصنفتها مراكز بحثية بـ"اللوبي الأكثر فاعلية" في الكونجرس.
واللوبي الإسرائيلي، كما يوضح الخبيران اسم براق، ولكنه خادع وفيه تبسيط مخل، فهو ليس منظمة مركزية لها تراتبية ذات عضوية محددة، ولكنه باختصار مجموعة من المنظمات، قد يصل عددها 75 منظمة (بعضها غير يهودي أصلا) غايتها المعلنة تشجيع الإدارة الأمريكية والجمهور الأمريكي على توفير مساعدة مادية لإسرائيل ودعم سياسة حكومتها.
ومنذ عام 2008، بدأت قبضة إيباك على "الصوت الداعم لإسرائيل" تتراخى، مع ظهور أكثر من منافس، مدعوم بأصوات الشباب اليهودي، متمثلا في حركة "جي ستريت" التي أسسها ناشطون يساريون أمريكيون أغلبهم يهود. وتقدم الحركة نفسها "كجماعة سلام" تسعى لحشد الشباب اليهودي والأمريكي ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتطالب بدعم حل الدولتين، وتعتبر نفسها اتجاها جديدا ضد منظمة "إيباك" التي تراها الحركة "تمثل اتجاهًا يمينيًّا متشددًا، ولا تعكس الرؤى المتعددة والمختلفة لليهود الأمريكيين".
الصوت اليهودي والديمقراطيون
ويدعم الحزب الديمقراطي، الذي نشأ على المواقف الليبرالية والتقدمية، إسرائيل بلا انقطاع، وأقر البرنامج السياسي للحزب عام 2008 "علاقة خاصة مع إسرائيل مبينة على مصالح وقيم مشتركة، والتزام قوي وواضح بأمن إسرائيل".
وقالت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بلوسي: "عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فإن الجمهوريين والديمقراطيين يتكلمون بصوت واحد". وقال رئيس اللجنة القومية للحزب الديمقراطي ديبي واسرمان شولتز عام 2014: "إن الانقسام ضمن الحزب حول إسرائيل لا أساس له من الصحة"، معتبرا أن الديمقراطيين غير المتعاطفين مع إسرائيل "هامشيون".
وبشأن القضية الفلسطينية، يؤكد الحزب "أنه لمصلحة كل الأطراف بما فيها الولايات المتحدة يجب أن تأخذ دورا فعالا للمساعدة على ترسيخ استقرار دائم للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بدولة ديمقراطية قابلة للحياة مكرسة للعيش بسلام وأمن جنبا إلى جنب مع الدولة اليهودية في إسرائيل، ولعمل ذلك يجب علينا أن نساعد إسرائيل على تحديد وتقوية هؤلاء الشركاء الذين يلتزمون حقيقة بالسلام، بينما عزل أولئك الذين يسعون إلى النزاع وعدم الاستقرار والوقوف مع إسرائيل ضد الذين يسعون إلى تدميرها".
ولذلك يعد الأمريكيون اليهود أحد المكونات النشطة للحزب الديمقراطي (70٪ يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين مقابل 22% فقط يميلون لغريمه التقليدي الحزب الجمهوري)، وتأثيرهم لا ينكر في المدن الكبرى، مثل نيويورك، لوس أنجلوس، بوسطن، شيكاغو. وهم يؤدون أدوارا حاسمة في المدن الكبرى مثل نيويورك في المدن الكبيرة في الولايات المتأرجحة (أي المترددة في التصويت بين الجمهوريين والديمقراطيين)، مثل فيلادلفيا، ميامي، لافيجاس، كليفلاند.
واستقراء مشاركات الصوت اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تظهر التصويت للمرشح الديمقراطي بمتوسط 70%، ولكن هذه النسبة تصاعدت في انتخابات 1996، لتصل 78% لصالح بيل كلينتون، وفي الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل عام 2000، بنسبة لصالح آل جور. ويعتبر الرئيس رونالد ريجان الوحيد الذي حصد أعلى تصويت يهودي لمرشح جمهوري (39٪ من أصوات اليهود).
"التيار البيرني" وانتخابات 2020
وفيما يتعلق بالمشهد الحالي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن "صوتا يهوديا واحدا" ممثلا في المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي رفض الحديث أمام "إيباك" في مؤتمرها السنوي في مارس ٢٠٢٠ موجها إليها انتقادات لما اعتبره تعصبا ضد الفلسطينيين، سيظل حاضرا في المشهد حتى وإن تراجع أو أبعد عن استكمال ماراثون البيت الأبيض، من خلال ما يمكن وصفه بـ"التيار البيرني".
وساندرز السبعيني اليساري الاشتراكي الذي يتحلق حوله الشباب يتجاوز الثنائية الحزبية، فهو يمثل النقيض من "الشعبوية الترامبية"، مشكلا "شعبوية يسارية" تنتقد حتى سياسات كثيرة للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، بل تتجاوز السقف بقوة بينها آراؤه التي أشاد فيها بسياسات الثورة الكوبية وزعيمها فيدل كاسترو.
وأظهرت نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في عدة ولايات، وخاصة نيفادا، قوة التيار "البيرني" وتمكنه من اختراق طبقات تصويتية جديدة من الفئات غير الشباب، الأمر يزيد من الأزمة داخل نخبة الحزب الديمقراطي المترنحة والتي لا تدرك التغيرات الجارية بالمجتمع خاصة مع شريحة الشباب التي باتت فاعلا قويا، ويعيشون مرحلتهم الفكرية والأيدلوجية التي تُحكم دفن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
وتشير الدلائل بعد نتائج "الثلاثاء الكبير" للانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي إلى ما يعتبره بعض المراقبين "مؤامرة " داخل الحزب لإقصاء ساندرز عن الوصول لبطاقة الترشح للبيت الأبيض، مثلما حدث عام 2016، عندما لعبت أصابع خفية "أرجعها البعض إلى باراك أوباما" لصالح الضغط لسحب البساط من تحت أقدام ساندرز بأي شكل.
وبناء عليه تزداد المؤشرات يوما بعد يوم بأن نتائج الانتخابات الرئاسية 2020 ربما لن تكون مختلفة عن سابقتها، حيث يتوقع على نحو كبير بقاء الرئيس الجمهوري دونالد ترامب رئيسا لفترة ثانية، فهو يكسب كل يوم أرضا جديدا خاصة تلك المحسوبة على فناء الديمقراطيين، وبينها الصوت اليهودي والصوت المتهود والصوت الإسرائيلي، ويرشحه بعض المراقبين لتجاوز ما حققه ريجان بأرقام قياسية مقارنة بما حققه لإسرائيل مؤخرا.
فيما ستظل غيمة الانقسام والتشرذم التي يعاني منها الحزب الديمقراطي عالقة لفترة غير قليلة حتى لو توحدت مؤقتا وشكليا تحت عباءة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي السابق.
aXA6IDQ0LjIxMi45Ni44NiA=
جزيرة ام اند امز