الإمارات اليوم تشد العزم للبحث عن التقدم والتطور خارج الكوكب والأمل يحدوها لأنْ تجعل مسبار "الأمل" أملاً محقَّقاً في سبر أغوار الكون
كانت ومازالت دولة الإمارات تسارع في النهوض بخطى ثابتة بعد أن اتخذت هدف بلوغ العالم المتقدم مسلكاً والسعي إلى مزاحمة العالم المتحضر منهجاً منذ تأسيسها، وليس هذا من قبيل الإطراء والمجاملة بل الأرقام تتحدث ولغة الواقع لا يأخذها تزلفٌ ولا تملّقٌ لا من أمامها ولا من خلفها.
فبعدَ أن حققت الإمارات نجاحات باهرة على المستويات السياسية من خلال رؤاها الراسخة ومواقفها الثابتة المدعمة بالأسس الاستراتيجية، والمستويات الاقتصادية بسياساتها القائمة على الريادة وفتح الأبواب للاستثمارات ورأس المال العالمي حتى غدت السوق الأول في المنطقة.
أما على مستوى البنى التحتية والمؤسسات فلا يجادل عاقل بالجدية والابتكار حتى أن الإمارات كانت الدولة الأولى التي أحدثت وزارة باسم "وزارة السعادة" الأمر الذي يعكس واقع الدولة التي انتهت من كل ما من شأنه خدمة المواطن حتى باتت تبحث له عن السعادة المطلقة، أما على صعيد العمل الإنساني فلم يبقَ شبر من المعمورة لم تصله يد الإمارات بالمساعدات والمشاريع الإنسانية التي تهدف إلى تعميم الخير للإنسان حيث وجد.
وها هي الإمارات اليوم تشد العزم للبحث عن التقدم والتطور والخدمة المعرفية والعلمية الإنسانية خارج الكوكب والأمل يحدوها لأنْ تجعل مسبار "الأمل" المنطلق إلى الكوكب الأحمر "المريخ" أملاً محقَّقاً في سبر أغوار كوننا الفسيح.
تتجه الإمارات العربية المتحدة إلى الفضاء ولكن ليس للحرب والتجسس بل للعلم والمعرفة وتكريس السلام بقصد الحفاظ على الكوكب البشري.
ففي ظل المعمعة العالمية التي تتسابق فيها الكثير من الدول إلى تسخير كل ما تملكه من طاقات علمية وبشرية واقتصادية لتطوير الأسلحة النووية وإرسال الأقمار العسكرية والتجسسية التي لا تسهم إلا في زيادة معاناة الإنسان على حساب الإنسان ذاته؛ تتجه الإمارات العربية المتحدة إلى الفضاء ولكن ليس للحرب والتجسس بل للعلم والمعرفة وتكريس السلام بقصد الحفاظ على الكوكب البشري، السلام الذي لا يمكن له أن يتحقق دون سباق مع الزمن المتطور باللحظة من أجل فهم كوننا الشاسع ومكاننا فيه وتسخير مقدراته لخدمة الإنسان والبشرية جمعاء .
فبعد أن قطعت الإمارات أشواطاً كبيرة في علم الفضاء بدءاً بتأسيس "مركز محمد بن راشد للفضاء" الذي لم تمضِ سوى خمسة أعوام على تأسيسه وتحديداً في عام 2015م وهي فترة قصيرة مقارنة بحجم التحديات وتوفير الإدارة الإماراتية من الشباب العربي والإماراتي في هذه الفترة القصيرة.
وكان من نتائجه إرسال رائد الفضاء الإماراتي "هزاع المنصوري" في أول رحلة إلى الفضاء الخارجي قبل أقل من عام لتأتي اليوم الإمارات بمشروع اكتشاف الكوكب الأحمر من خلال إرسال أول مسبار عربي بل وإسلامي إلى هذا الكوكب بالتعاون مع اليابان التي تولت مهمة الخبرة والتدريب.
فاللافت للأمر أن هذه القفزات النوعية تأتي تترى وبزمن أقل ما يمكن وصفه به بأنه قياسي يدل على الجدية والاجتهاد الكبير الذي يعمل به الإماراتيون في السباق الحضاري والعلمي العالميين .
وإذا ما تمعنا في الأمر نجد أن من أهم ميزات هذا المشروع تكمن في كونه لا يعتمد على الغرب المتحضر اعتماداً كلياً بل يسير المشروع والطموح الإماراتي بمبدأ ثابت وراسخ على مبدأ "لا تعطني سمكاً وإنما علمني الصيد" فبعد إطلاق المسبار بالتعاون مع اليابان ومن الأراضي اليابانية فإنّ المتابعات الأرضية لمهمة المسبار وإدارة رحلته وتحليل البيانات التي سيبدأ بإرسالها خلال أقل من شهر ستكون من الأرض الإماراتية وبأيدٍ عربية إماراتيةٍ شابة.
أما الاعتماد على الخبرات الأجنبية في هذا الجانب فسيقتصر على الإشراف فقط، إذ ستتم عملية المتابعة الأرضية من قبل "فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ" وتحديداً من منطقة "الخوانيج" بدبي وهو الذي من شأنه إعداد خبرات عربية وإماراتية ترنو في المستقبل القريب إلى العمل في الفضاء الخارجي بأيدٍ عربية وإماراتية منافسة على المستوى الدولي.
أما مهمة المسبار فستكون مهمة نوعية، فعلى الرغم من وجود العديد من البعثات الدولية لاستكشاف الكوكب الأحمر من الناحية الجيولوجية والتكوينية فإن ما يميز مهمة "مسبار الأمل" هو تركيزها على دراسة الغلاف الجوي للمريخ بالإضافة إلى الإشعاعات المنبعثة والتغيرات المناخية.
الأمر الذي من شأنه أن يستثمر في دراسة ماضي ومستقبل الأرض وما يمكن أن يواجهه كوكبنا "الأرض" وغلافه الجوي الذي يؤمّن له الحصن المنيع جاعلاً منه كوكباً صالحاً للحياة التي يمكن أن تدمّر في حال اختلاله لتسهم هذه البيانات في التنبؤ وإيجاد الحلول بما سنواجهه من ظروف وتحديات مستقبلية على كوكبنا.
بالإضافة إلى دراسة إمكانية وجود حياة على المريخ أو غيره من الكواكب الأخرى وهو الهاجس الذي يشغل بال وأبحاث كل مراكز الدراسات الفضائية العالمية والعلماء، ومما يجعل هذه العملية معرفية إنسانية هو أن الإمارات ستشارك هذه الأبحاث والبيانات الضخمة التي سيرسلها المسبار على مدى أربع سنوات مع ما يقارب مِئتي مركز بحوث حول العالم .
وفي نهاية المطاف فالحق الذي يجب أن يقال هو أنه أينما وجدت اليد الإماراتية تجد أنها تبحث عن الحياة للإنسانية جمعاء ففي ظل التسابق المحموم نحو الفضاء للمهمات السرية والعسكرية والبيانات المشفرة التي تجمع من هنا وهناك لضرب الإنسان والدول تجد اليد الإماراتية تطال الفضاء بمشروع علمي يهدف إلى جمع البيانات والمعلومات لتشاركها مع العالم ومراكز بحوثه لحماية الإنسان واستمرار الحياة العالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة