أرسى "برنامج التمكين" الذي أطلقه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (طيب الله ثراه) رئيس دولة الإمارات، عام 2005 معايير واضحة للمشاركة السياسية، ووضع أسساً راسخة لتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للسلطة التنفيذية.
وهو الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال التجربة الانتخابية للمجلس الوطني الاتحادي في دوراتها الأربع السابقة، وسيتجلى بشكل أوضح في دورتها الخامسة المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، التي يمكن القول إنها ستمثل بكل تأكيد مرحلة بارزة في عمر التجربة البرلمانية الإماراتية، وخطوة مهمة على مسار التمكين السياسي للمواطنات والمواطنين، ونقطة انطلاق لمستقبل أوسع أفقاً وأكثر رحابة وأعلى مشاركة في قضايا الوطن، وذلك لأسباب رئيسية عدة:
أولاً: أن الانتخابات المقبلة ستكون الاستحقاق الانتخابي الأول في عهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، الذي كان له دور بارز عندما كان ولياً لعهد أبوظبي في دعم وترسيخ أسس التجربة الانتخابية في الدولة، وفيما وصلت إليه انطلاقاً من قناعته بأن مـسـيـرة الـتـنـمـيـة والــنــهــضــة لا يـمـكـن أن تـتـحـقـق إلا بمشاركة وتــضــافــر جـــهـــود جميع فئات المجتمع، لذا من المؤكد أن تشهد هذه التجربة انطلاقة جديدة في ظل قيادته.
ثانياً: أن الانتخابات المقبلة ستكون الثانية التي ستشهد دخول القرار التاريخي لرئيس الدولة السابق، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (طيب الله ثراه) رقم (1) لسنة 2019 الخاص برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50% حيز التنفيذ، وهو إنجاز تاريخي يضاف إلى سجل إنجازات القيادة الحكيمة في مجال التمكين الكامل للمرأة الإماراتية وإتاحة جميع السبل أمامها للإسهام في نهضة دولتها وازدهار وطنها وخدمة مجتمعها.
هذا القرار جاء وقتها ترجمة حقيقية لمكانة المرأة في مجتمع الإمارات، لكونها شريكاً فاعلاً في كل ميادين العمل السياسي والبرلماني والتنموي، وجزءاً لا يتجزأ من منظومة صنع القرار، وهي الخطوة التي حظيت بإشادات عالمية على أكثر من مستوى كونها خطوة غير مسبوقة عربياً وشرق أوسطياً، وأبرز هذه الإشادات كانت من الأمم المتحدة، أعرق المنظمات الدولية وأكثرها نفوذاً وتأثيراً، التي أشارت إلى أن هذا القرار "يعد نقلة نوعية وتاريخية بكل أبعادها ومبادرة حكيمة حققت أصداء إيجابية بين مواطني الإمارات ولقيت ترحيباً عالمياً وعربياً".
وأشارت إلى أنها خطوة جاءت لتعزيز مسيرة تمكين المرأة الإماراتية في مختلف المجالات لتشارك أخاها الرجل في ميادين الحياة العملية والعلمية كافة من أجل تحقيق الازدهار للبلاد، وقد أكد الأداء البرلماني للنائبات خلال الدورة البرلمانية المنصرمة أنها كانت جديرة بهذه الخطوة وتستحقها حين شاركت في نقاشات المجلس الوطني الاتحادي بكل فاعلية وجدية وكانت فاعلاً وشريكاً رئيسياً في كل القرارات والتوصيات الصادرة عن المجلس، واستمراراً لهذا النهج الراسخ في تمكين المرأة باعتباره من أولويات القيادة الرشيدة حظيت المرأة بحضور واضح في القوائم الانتخابية لعام 2023 بنسبة تصل إلى 51%، مقابل 49% للذكور، وهي نسبة تكاد تكون فريدة عربياً وإقليمياً بما يترجم تنامي دور المرأة في المجتمع الإماراتي ويعكس ثقة القيادة السياسية بقدراتها وإمكاناتها.
ثالثاً: أن قوائم الهيئات الانتخابية لجميع إمارات الدولة لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي ستشهد في الدورة المقبلة زيادة تصل إلى 18.1% بعد أن ضمت 398879، مقارنة مع قوائم الهيئات الانتخابية لعام 2019، التي بلغ عدد أعضائها 337738 مواطناً ومواطنة، الأمر الذي يعكس نهجاً ثابتاً في تدعيم أسس المشاركة السياسية للمواطنين بشكل تدريجي في كل دورة انتخابية جديدة، حيث شهدت انتخابات 2019 بدورها زيادة القوائم الانتخابية بنسبة بلغت نحو 51% عن الانتخابات التي سبقتها، عام 2015، التي ضمت 224281 مواطناً ومواطنة، وهو ما يعني توسيع قاعدة المشاركة السياسية للمواطنين وتعظيم المشاركة الشعبية في القرار الوطني والشأن العام ودعم التفاعل بين مختلف الأجيال، وهو ما يرسّخ من الانتماء السياسي للوطن والتفاني في خدمته وإعلاء رايته، حيث سيصبح من حق كل مواطن ورد اسمه في قوائم الهيئة الانتخابية الخاصة بإمارته المشاركة بفاعلية في العملية الانتخابية، مرشحاً أو ناخباً له حق التصويت لمن يختاره من المرشحين.
رابعاً: أنه بالنظر إلى التركيبة العمرية للهيئة الانتخابية نجد أن التطور الأبرز هنا هو زيادة مشاركة الفئات الشابة، حيث تبلغ نسبة الشباب من الفئة العمرية 21 عاماً حتى 40 عاماً في الانتخابات المقبلة نحو 55% من إجمالي قوائم الهيئات الانتخابية، وهو الأمر الذي يفسح المجال أمام مشاركة أوسع للشباب في العملية السياسية، الأمر الذي يعكس اهتماماً استثنائياً من القيادة الرشيدة بالشباب والإصرار على تمكينهم ليكونوا قادرين على تحمل المسؤوليات، والابتكار والإسهام في رفعة المجتمع الإماراتي وإعلاء شأنه بما يسهم في بناء مستقبل مستدام للدولة.
خامساً: أن الانتخابات المقبلة ستكون هي الأولى التي ستشهد إضافة نظام التصويت عن بعد، وهو نظام تصويت ذكي يتيح للناخب الإدلاء بصوته من أي مكان يوجد فيه سواء داخل الدولة أو خارجها، بواسطة التطبيقات الرقمية التي تقررها اللجنة الوطنية للانتخابات، وهو ما يؤكد حرص القيادة السياسية على إزالة أي عقبات قد تحول دون مشاركة الناخبين في العملية الانتخابية، وتسهيلها إلى أقصى درجة ممكنة، وتوفيراً للوقت والمجهود واستغلال ما وصلت إليه الدولة من تقدم في التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات للمواطنين.
فوفقاً للنظام الجديد فلن تكون هناك مراكز انتخاب في البعثات الدبلوماسية في الخارج، وسيتمكن الناخب الموجود خارج الدولة من الإدلاء بصوته عن بعد، ابتداءً من أول أيام فترة التصويت المبكر وحتى انتهاء يوم الانتخاب الرئيسي، كما تم استحداث نظام التصويت الهجين، وهو نظام تصويت مختلط يجمع بين نظام التصويت عن بعد، ونظام التصويت الإلكتروني في مقار مراكز الانتخاب التي تحددها اللجنة الوطنية للانتخابات.
وبهذه المعطيات تكون الدولة قد أسهمت بما عليها من توفير بيئة داعمة ومشجعة لإنجاح العملية الانتخابية المقبلة وجعلها غير مسبوقة وإضافة نوعية لمسيرة التجربة البرلمانية الإماراتية، إيماناً منها بأهمية ومحورية الدور الذي يلعبه المجلس الوطني الاتحادي في ترسيخ دعائم هذه التجربة والانطلاق بها نحو آفاق أوسع بخطى محسوبة، باعتباره المكان الأمثل للتعبير عن تطلعات الجماهير وآمالها وطموحاتها.
لكن يبقى هناك شريك مهم لنجاح هذه التجربة، وهو المواطن، ممثلاً في أعضاء الهيئات الانتخابية، ناخبين ومرشحين، الذين أوكلت إليهم الدولة مهمتي التصويت نيابة عن المواطنين والترشح تمثيلاً لهم، وهؤلاء يقع عليهم عبء ثقيل يتمثل في ضرورة المشاركة بكثافة وفاعلية في العملية الانتخابية، والتعامل بجدية مع كل مراحل هذه العملية، بدءاً من تسجيل المرشحين أنفسهم في المراكز الانتخابية في الخامس عشر من أغسطس/آب، مروراً بفترة الحملات الانتخابية للمرشحين التي ستبدأ في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ثم مرحلة تقديم أسماء وكلاء المرشحين حسب الشروط الضابطة لذلك يومي 27 و28 سبتمبر، وانتهاء بمرحلة التصويت المبكر أيام 4 و5 و6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وانتهاء بيوم الانتخاب الرئيسي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وهنا يجب أن يكون المواطن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه وعلى قدر الثقة التي منحتها له الحكومة، سواء كان ناخباً أو مرشحاً، فالأول مطلوب منه المشاركة بكثافة وأن يلبي نداء الوطن وواجب المشاركة وأن يحسن عملية الاختيار بناء على عوامل موضوعية تعلي من شأن الوطن وتنظر لصفات المرشحين ومؤهلاتهم وكفاءتهم ومدى قدرتهم على تحمل مسؤولية تمثيلهم في المجلس والتعبير عن قضاياهم بشكل فاعل، وأن ينحي جانباً العوامل الذاتية التي تعتمد على المجاملات أو صلة القرابة أو روابط الصداقة كأساس للاختيار، والثاني عليه أن يعي أن الترشح للمجلس الوطني ليس وجاهة أو مكانة اجتماعية أو لتحقيق مكاسب ضيقة ووقتية بقدر ما هو أمانة ومسؤولية وطنية في المقام الأول لها مقتضياتها ومؤهلاتها وواجباتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة