«تقييد» واشنطن.. خبراء يفكون لـ«العين الإخبارية» شفرة الإخفاق الأمريكي بالشرق الأوسط
في منطقة تطفو على رمال متحركة شكّلت دولة الإمارات صمام أمان للسلام في دبلوماسية واقعية تضع الاستقرار الإقليمي على رأس أولوياتها.
استراتيجية إماراتية استثنائية لم تنج -رغم ذلك- من محاولات للتشويش ومغالطات للتضليل، تختلف دوافعها وتتفرع لكنها تتقاطع في تصريحات مسؤولين غربيين بينهم أمريكيون لصحيفة "بوليتيكو" تحاول -وفق محللين- تصدير إخفاقات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وإلقاء الكرة بملعب الحلفاء والأصدقاء.
وفي تقرير، نقلت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن أربعة مسؤولين -لم تسمهم- قولهم إن بعض الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، تعمل على تقييد استخدام واشنطن للمنشآت العسكرية خلال شن غارات جوية تستهدف وكلاء إيران في المنطقة.
كيف قرأ المحللون ما ورد في تقرير "بوليتيكو"؟
برؤية أهل التحليل ترجمت التصريحات الواردة في تقرير "بوليتيكو" الإخفاق الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وإلقاء الكرة في ملعب الشركاء وبينهم دولة الإمارات، على حساب مصالحها ورؤيتها الضيقة في التعامل مع الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية التي وصلت إلى طريق مسدود.
ولفتوا إلى أن الإدارة الأمريكية حاولت في البداية تسويق هذا الفشل والإخفاق في الشرق الأوسط، على أنه "إعادة تموضع"، لكن سرعان ما كشفت التطورات المتلاحقة في المنطقة عن ثغرات دفعت واشنطن إلى محاولة إلقاء اللوم فيها على الآخرين.
- الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله: الانفتاح على إيران والتصالح معها وتخفيف التوترات معها أولوية خلال المرحلة القادمة
- الدبلوماسي الإماراتي السابق يوسف الحسن: حالة من الإرباك الشديد تعيشها السياسة الخارجية الأمريكية
- أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية التركي سمير صالحة: هذا الأسلوب ليس بجديد على الإدارات الأمريكية أن ترمي الكرة في ملعب الحلفاء والشركاء والأصدقاء.
بالنسبة للدكتور عبدالخالق عبدالله، فإن "دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات اتخذت قرارها بأن الانفتاح على إيران والتصالح معها وتخفيف التوترات معها أولوية ما بعدها أولوية خلال المرحلة القادمة".
وفي حديث مع "العين الإخبارية" قال إن "قرار الإمارات هذا تبنته حتى ولو أتى ذلك على اتساع الفجوة مع أمريكا وإن اختلف هذا مع أولويات واشنطن أو استاءت الإدارة الأمريكية منه".
وفي حال استاءت الولايات المتحدة من هكذا قرارات، يرى المحلل والأكاديمي الإماراتي أن على واشنطن أن "تتحمل تبعات مواقفها والأخطاء الكثيرة في المنطقة".
مستطردا "نحن لن تفتح جبهة لا مع إيران ولا مع مليشياتها، لأن أمريكا ترى أن الوقت قد حان لهذا".
وعن دلالات توقيت تقرير "بوليتيكو" لفت عبدالخالق عبدالله إلى أن "مثل هذه الأخبار التي تخرج بين الحين والآخر تكون في سياق الضغط على بعض الدول أو للتعبير عن استيائها لعل وعسى أن مثل هذه التسريبات يكون لها الصدى وتعمل على تغيير الموقف، ودول الخليج تعرف هذا مسبقا".
وتابع "حتى لو افترضنا صحة ذلك، فدول الخليج مقتنعة أن هذا ليس وقت الخصومة مع إيران، حتى إن أرادت أمريكا من دول الخليج أن تدخل في مثل هذه الخصومة مع طهران أو مع مليشياتها".
وفي عام 2011 بلغ الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط ذروته، إلا أنه انخفض بشكل كبير بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في 2021.
والأرقام مرشحة للتراجع في ظل رغبة العراق بخروج القوات الأمريكية من أراضيه، خاصة بعد الضربات الأمريكية الأخيرة والتي اعتبرها أنها" انتهكت سيادته".
"حالة من الارتباك"
الدبلوماسي الإماراتي السابق يوسف الحسن ذهب بسياق التوقيت إلى الأجواء الانتخابية في الولايات المتحدة، التي عادة ما تسودها حالة من "الإرباك الشديد".
وقال الحسن لـ"العين الإخبارية" إن "النظام السياسي الأمريكي في صلب مسألة الانتخابات (المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم)، وفي هذه الأجواء خاصة في السنة الأخيرة دائما ما يصيب الإدارة الحاكمة، مع وجود القوة الرئيسية في الحزبين سواء الديمقراطي أو الجمهوري، حالة من الإرباك الشديد".
ويعتقد الحسن أنه في مثل هذه الأجواء الانتخابية المحمومة "لا تستطيع أن تقول إن هناك استراتيجية ثابتة أو مرنة في الولايات المتحدة الأمريكية".
وذكّر الدبلوماسي الإماراتي السابق بنهج بلاده التي لطالما دعت إلى الانفتاح، وإخماد الحرائق الجيوسياسية، وتهدئة الصراعات سواء في الإقليم أو خارجه.
وفي هذا السياق، أكد أن أدوار دولة الإمارات "محسوبة وتصب في إشاعة ثقافة السلام والمصالحات، حيث لا تبقي هناك مظلوميات في السياسة الدولية، ولا تعتمد المعايير المزدوجة التي سادت في النظام الدولي".
واعتبر أن "النظام الدولي القديم في حالة النزع الأخير الآن، في ظل الفوضى الحاصلة"، مشيرا في هذا الصدد إلى وجود "قوى عتيقة تحاول أن تبقى محتفظة بنفوذها وقوى دولية جديدة تحاول أن تملأ الساحة في العالم".
"وبالتالي" -يتابع يوسف الحسن- "في جو مثل هذا الجو المليء بالتعقيدات تكون السياسة الخارجية الإماراتية أكثر حرصا على دراسة كل خطوة تخطوها باتجاه حل النزاعات وتسوية الصراعات وتصفير الأزمات والمشاكل".
مشددا على أن خطوات الإمارات هذه نابعة من أن استمرار هذه الصراعات والمشاكل يعيق التنمية ومواجهة التحديات المتعلقة بالتغير المناخي، ويعمل على اتساع رقعة الفقر وزيادة التيارات الشعبوية".
أسلوب أمريكي متكرر
أستاذ العلاقات الدولية التركي سمير صالحة لم يستغرب ما أوردته صحيفة "بوليتيكو"، مشيرا إلى أن هذا "ليس بجديد على الإدارات الأمريكية أن ترمي الكرة في ملعب الحلفاء والشركاء والأصدقاء، على حساب مصالحها ورؤيتها الضيقة في التعامل مع العديد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والتي وصلت إلى طريق مسدود فيها".
أسلوبٌ "تحاول الولايات المتحدة أن تكرره اليوم مع ما يجري في قطاع غزة ورفضها الإصغاء إلى ما يقوله ويردده الشركاء، وعلى رأسهم دولة الإمارات في ضرورة اعتماد سياسة متشددة تجاه إسرائيل نحو وقف الحرب والذهاب نحو العودة إلى مفاوضات سياسية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار قرارات دولية وأممية"، يقول سمير صالحة لـ"العين الإخبارية".
ويضيف "لكن للأسف لا نرى هذا التحرك الأمريكي العلني أو الرغبة الأمريكية في الذهاب وراء تحرك من هذا النوع".
وكما في غزة، عرّج المحلل السياسي التركي على الإخفاق الأمريكي في ملفات إقليمية سواء في سوريا أو العراق أو ما يجري في حوض البحر الأحمر حاليا.
وفي هذه الجزئية، رأى أن "واشنطن تترك إيران تُصعّد وتُوتر في الأجواء ثم تدخل هي على الخط في محاولة للتهدئة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، دون الذهاب إلى استراتيجية تحرك حقيقي تحول دون أن تلجأ طهران إلى لعب هذه الأوراق ضد المنطقة وواشنطن".
"فبدلا من أن تجد الولايات المتحدة حلا جذريا للأزمة حاولت أن تبقيها ساخنة وتلعبها كورقة ضغط باتجاه تسجيل الحسابات والمصالح، سواء كانت سياسية أم أمنية وربما اقتصادية ضيقة"، يُكمل المحلل السياسي.
ولفت إلى أن "شركاء واشنطن في الآونة الأخيرة بدأوا يعتمدون استراتيجية تحرك جديدة فيها الكثير من التنسيق وتوحيد المواقف باتجاه صناعة استراتيجية تحرك جديدة".
واشنطن أمام خيارين
وهنا يتساءل سمير صالحة، هل ستأخذ الولايات بتحذير الإمارات باتجاه الضغط على إسرائيل التي تعرقل جهود التسوية؟ أم أن واشنطن ستبقى على ما هي عليه وتحاول أن تواصل سياستها بهذا الشكل؟
وأمام هذه التساؤلات، يرى أستاذ العلاقات الدولية أنه على واشنطن الذهاب إلى الإصغاء لما يقوله الحلفاء وأن تراجع هذا الأسلوب أو تتحمل أعباء وارتدادات المواقف الجديدة التي بدأت بعض العواصم بتبنيها في الأشهر الأخيرة.
وهو ما يتفق معه مراقبون آخرون، بأنه "ما دامت واشنطن لا تمتلك رؤية استراتيجية طويلة الأمد إزاء مشاكل المنطقة، فعليها أن تتوقع أن لا أحد سيغامر بالذهاب معها بعيداً".
فمنذ أكثر من عقد تعاني الولايات المتحدة من عدم وضوح رؤيتها وسياستها تجاه الشرق الأوسط خصوصاً في التعامل مع إيران ووكلائها في المنطقة، وذلك منذ إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
آنذاك تم توقيع اتفاق أمريكي-غربي مع إيران حول برنامج طهران النووي (تم الانسحاب منه لاحقا في عهد دونالد ترامب)، والذي كان من المفترض وبحسب الإدارة الأمريكية أن يُدخل المنطقة مرحلة أكثر استقراراً على الصعيدين السياسي والأمني.
لكن ما حصل كان العكس، حيث تزايدت المخاطر الأمنية والسياسية في المنطقة مع تصاعد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وباب المندب، وتهديد دول الخليج، واستمرار التوسع الإيراني في كل من سوريا والعراق ولبنان، ووصول الإخوان للحكم في عدد من الدول قبل الإطاحة بمشروعهم.
aXA6IDE4LjIyMS4xNzUuNDgg جزيرة ام اند امز