يمثل الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي العربي أحد الثوابت الراسخة لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها وحتى وقتنا الراهن.
وتترجم هذا المبدأ في مواقف واضحة ومبادرات قوية تجسد التزامها التام ومسؤوليتها التاريخية تجاه أشقائها العرب، وهذا ما عبرت عنه بوضوح خلال الأيام الماضية في موقفين مهمين؛ الأول استثمار 3 مليارات دولار في العراق لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وخلق فرص جديدة للتعاون والشراكة، ودفع عجلة النمو والتنمية، وذلك خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الإمارات، والتي شكلت محطة مهمة في مسار تعزيز العلاقات بين الدولتين، أما الموقف الثاني فكان التضامن القوي مع المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، ووقوفها وتأييدها ومساندتها التامة لكل القرارات والإجراءات التي يتخذها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، وولي عهده، صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، لحفظ أمن واستقرار الأردن، ونزع فتيل كل محاولة للتأثير فيهما.
ولا شك في أن المباحثات التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تؤسس لمرحلة جديدة في مسيرة العلاقات الثنائية، وتسهم في إعادة العراق إلى حاضنته الخليجية والعربية، واستعادة دوره التاريخي في هذا التوقيت الذي يتطلب إعلاء قيم التضامن والتكاتف في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
الإمارات تؤكد دوماً أنها رمز النخوة العربية الأصيلة، ولا يمكن أن تنسى أبداً أشقاءها، وتحتفظ بذاكرتها بما قدموه من إسهامات في مسيرة التنمية والتطور التي تشهدها، وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حينما قال إن "أهل العراق لهم فضل كبير على دولة الإمارات.. فأبناء العراق من الجيل السابق أسهموا في بناء دولة الإمارات.. نحن قريبون من بعضنا مسافةً وقلباً.. فعراقنا غالٍ على قلوبنا"، ليعبر سموه بذلك عن مكانة العراق، دولة وشعباً، لدى دولة الإمارات، التي تحرص على تعزيز العلاقات معه ودفعها إلى الأمام في المجالات المختلفة، والوقوف إلى جانب الشعب العراقي الشقيق في كل ما يحقق أمنه واستقراره ورفاهيته ووحدته وسلامة أراضيه.
الدعم القوي والواضح الذي أظهرته دولة الإمارات لكل من العراق والمملكة الأردنية خلال الأيام الماضية يؤكد بوضوح أنها تقوم بدور حيوي في الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي العربي، والانحياز التام لتطلعات الشعوب العربية في التنمية والأمن والاستقرار، فهي تلتزم منذ تأسيسها، بالقيام بمسؤولياتها القومية تجاه أمن ومصالح الأشقاء العرب، من دون تردد، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن أمن الإمارات جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. في الوقت ذاته، فإن دعم الإمارات للعراق والأردن يعكس إدراكها لما يمثلانه من أهمية كبيرة بالنسبة للأمن القومي العربي، فالعراق يمثل البوابة الشرقية للوطن العربي، ويتمتع بموقع استراتيجي مؤثر لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات أمنية لمنطقة الشرق الأوسط، ولهذا فإن عودة الأمن والاستقرار الشامل إلى العراق على المستويات كافة من شأنه أن يضعه على طريق التنمية والازدهار ويعيده إلى ممارسة دوره المحوري في محيطه العربي، أما المملكة الأردنية الهاشمية، فتظل أهم المرتكزات الرئيسية التي تقوم عليها منظومة العمل العربي المشترك، فهي عضو فاعل في المنظومة العربية، وتدعم كل الجهود الهادفة إلى تعزيز التضامن العربي في مواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن القومي العربي.
لا تألو دولة الإمارات جهداً في دعم جميع الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن وترسيخ السلام والاستقرار في الدول العربية، وتترجم ذلك في مواقف ومبادرات واضحة من مختلف الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية، وتنطلق في ذلك من مبادئ وثوابت راسخة، أولها دعم السيادة الوطنية للدول العربية، ورفض أي تدخلات خارجية تنال من أمنها واستقرارها، ولهذا تطالب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية بضرورة تبني موقف دولي موحد، يرفض انتهاكات السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لأن ذلك يمثل تجاوزاً لمبدأ مستقر في مجال العلاقات الدولية وهو مبدأ السيادة الوطنية.
ثانيها: التحرك الفاعل لإيجاد حلول للأزمات والصراعات التي تشهدها العديد من الدول العربية سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا وغيرها من مناطق التوتر التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، لأنها تدرك أن استمرار هذه الأزمات لا يمثل فقط استنزافاً للقدرات العربية وهدم مؤسساتها الوطنية، وإنما أيضاً يشكل خطورة على استمرار الدولة الوطنية في عالمنا العربي، في ظل طموحات بعض القوى الإقليمية التي تسعى إلى التمدد في العالم العربي، مستغلة حالة غياب الدولة في مناطق الأزمات والصراعات.
وثالثها الانحياز التام لخيارات الشعوب العربية، ودعم تطلعاتها في الأمن والتنمية والرفاه والاستقرار الشامل، لأنها تؤمن بأن مساعدة الدول العربية على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة يمثل الوجه الآخر لتحقيق الأمن والاستقرار، ولهذا توجه الإمارات جانباً من مساعداتها الخارجية لتنمية الشعوب العربية، خاصة في المشروعات التي تنعكس بشكل إيجابي على أوضاعهم الاجتماعية، خاصة في قطاعات مثل الصحة والتعليم والثقافة، ولهذا طرحت العديد من المبادرات لتمويل عدد من مشاريع البنية التحتية والخدمات الأساسية في عدد من الدول العربية كهدية منها لهذه الشعوب، وتعبيراً عن عمق علاقاتها الأخوية معها.
تؤمن الإمارات بأن مسؤوليتها القومية تجاه أشقائها العرب تفرض عليها أن تكون دائماً في مقدمة الصفوف للدفاع عنهم في مواجهة أي تحديات ومخاطر، ولهذا حينما يقال إن الإمارات تمثل قوة فاعلة في الحفاظ على مقتضيات الأمن القومي العربي، فإن هذا لم يأتِ من فراغ، وإنما هو ترجمة لمواقف سياسية مسؤولة ومبادرات متنوعة، إنمائية وإنسانية، أسهمت في دعم الأمن والاستقرار والتنمية في الدول العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة