من الوهلة الأولى نجحت القيادتان السعودية والإماراتية في تحديد الأولويات.
تصل العلاقة السعودية الإماراتية لمرحلة سياسية أكثر نضوجاً، فلم يعرف العالم العربي هذا الأنموذج المتفرد، الذي بالتأكيد لم يأتِ من فراغ، بل من إرث المؤسسين الأوائل لهذه العلاقة التي عرفت امتحانات عسيرة بدأت في الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين المنصرم إبان الحرب العراقية الإيرانية، ثم عاشت امتحان الغزو العراقي لدولة الكويت في العام 1990م، هذه الأحداث الجسيمة تمثل امتحانات حقيقية لمدى قدرة البلدان على الخروج منها إلى آفاق أكثر تحدياً وتصميماً، وهذا ما وصلت إليه العلاقة السعودية الإماراتية من وضوح رؤية لدى القيادة السياسية تجاه الامتحان الأكثر عُسراً.
كان لابد أن تترجم «خلوات العزم» إلى واقع، فالتبادل بين البلدين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً آنَ أنْ يترجم واقعاً مختلفاً وأنموذجاً مختلفاً لم تعرفه الدول العربية منذ نشوئها.عندما هبت رياح «الربيع الأسود» في العام 2011م، وضربت العديد من العواصم العربية، وأسهمت الفوضى في زعزعة أنظمة سياسية كان السعوديون والإماراتيون وحدهم عند موعد الامتحان، فالدولتان تنطلقان من قيم ومبادئ واحدة، هي النواة التي من خلالها تشكلت المواقف الموحدة تجاه التحديات الكبيرة التي كانت تخوضها المجتمعات العربية من اضطرابات هائلة استهدفت هتك الأنسجة السياسية، وتعمدت الوصول إلى أن تمزق الأنسجة الاجتماعية في ظاهرة خطيرة زرعتها قوى الشر الإقليمية عبر استخدامها أذرعها الطائفية، التي صنعت في الربيع الأسود الدمار في كل العالم العربي.
من الوهلة الأولى نجحت القيادتان السعودية والإماراتية في تحديد الأولويات، فالتطابق لمواجهة هذا الامتحان كان واضحاً من خلال الوضوح تجاه مفاهيم أساسية تتمثل في الاعتدال ومواجهة التطرف، لذلك كانت القدرة على التعامل مع تحديات جسيمة بذات القوة والفاعلية، فوجود التصميم والإيمان في مواجهة هذه التحديات كان يؤكد أن القيادتين السعودية والإماراتية تؤسسان مرحلة أكثر مسؤولية والتزاماً تجاه العالم العربي.
العمق الذي تمثله المملكة العربية السعودية على مستويات الدين والعروبة والاقتصاد والإرادة السعودية هي مرتكزات أساسية، منها بدأت حملة التصدي لمشروعات التخريب المدعومة من محور الشر (إيران وتركيا وقطر)، ولذلك فإن الموقف السعودي الإماراتي المؤيد لثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013م كان نقطة التحول تجاه استعادة الدول الوطنية وتعزيز قدرتها لمواجهة التحديات، هذه الاستراتيجية السعودية المدعومة إماراتياً شكلت، لاحقاً، المحور العربي الذي تحمل أعباء استعادة الدول العربية ومقاومة المشاريع الإقليمية المناهضة في حرب التزمت فيها السعودية والإمارات بالضوابط السياسية الضامنة تثبيت الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة.
وعكس التوافق الذي تم في قصر العوجا بالعاصمة السعودية الرياض، توجه السعوديون المدعومون من أبناء الإمارات في عملية عاصفة الحزم التي وضعت من تاريخ 26 مارس 2015م مفصلاً تاريخياً له ما بعده، فلقد شكلت العمليات العسكرية في اليمن مختبراً للصدق والصبر والعطاء والبذل، فالدم السعودي والإماراتي الذي عطر التراب في عدن ومأرب وباب المندب وحضرموت منح القيادتين في الرياض وأبوظبي ميثاقاً غليظاً على وحدة المصير للشعبين معاً.
كان لابد أن تترجم «خلوات العزم» إلى واقع، فالتبادل بين البلدين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً آنَ أنْ يترجم واقعاً مختلفاً وأنموذجاً مختلفاً لم تعرفه الدول العربية منذ نشوئها، فهذه العلاقة لم تأتِ من فراغ، ولعل هذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في تغريدته التي أعقبت إعلان «استراتيجية العزم»: «سيسجل التاريخ أحداثاً فارقة في عمق العمل والتعاون المشترك بين اﻹمارات والسعودية.. أحداثاً ولحظات كانت فيهما قيادتا البلدين تتفقان على رسم ملامح مستقبل واعد لشعبيهما.. مستقبل يمنح الشباب أينما كانوا فرصاً أكثر وأفضل.. فرصاً لا تحد طموحاتهم.. بل تجعلهم إيجابيين متفائلين لبناء أوطانهم، بلدانا ولله الحمد يمتلكان الرؤية الاستراتيجية المستقبلية واﻹمكانات والموارد، ويقبلان على المستقبل بثقة وتفاؤل، نراهن على جيلنا الجديد وشبابنا الطموح.. إطلاق مجلس التنسيق «السعودي - الإماراتي» إطاراً مؤسسياً، يعزز فرص التنمية والتعاون والتمكين.. السعوديّة الشقيق والشريك».
هذا الوضوح في الرؤية بين ولي عهد المملكة العربية السعودية، الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، هو الضوء الحقيقي لما حدث من انتقال في مفهوم العلاقات العربية العربية، تشكيل نموذج مختلف قادر على التعاطي مع التحديات عبر ما يؤمن به من قيم ومبادئ هذه القيادة الواعية القادرة على صناعة الأشياء المستحيلة، هي منحة ربانية وهبها الله تعالى هذه الشعوب الطيبة.
مباركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نتائج مجلس التنسيق السعودي الإماراتي تؤكد أن العالم العربي أمام قيادات مختلفة تبحث عن التكامل، وتصطف خلف مشاريع واضحة تكافح الإرهاب وتثبت الدول الوطنية في العالم العربي، هذه الرؤى الأكثر وضوحاً عند الجيل العربي الصاعد تأكدت مباشرة بدعم المملكة الأردنية الهاشمية بمشاركة دولة الكويت بإطلاق حزمة إجراءات مالية تعزز استقرار الأردن وثباته، هذه منهجية أهل العزم تحت لواء سلمان الحزم بن الملك الرائد.. الملك القائد للأمتين العربية والإسلامية.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة