جعل الشيخ محمد بن زايد من نشر التسامح والإصرار على التعايش الإنساني قدرا لأبوظبي، وحوّل الإمارات إلى نموذج مثالي للمجتمع المتعدد.
قد يبدو عنوان هذا المقال غريبا وبعيدا عن المنطق، فهل هناك من يكره محمد بن زايد؟ لكن قد يزول العجب وتتبدد أسباب الغرابة إذا استعدنا حقيقة أن حزب أعداء النجاح يعد من أقدم الأحزاب في العالم، وأن كل ناجح لا بد له من زمرة ناقمة على نجاحه من الفاشلين وأعداء الحياة الذين يخفون فشلهم بمهاجمة نجاح الآخرين. وإذا توقفنا أمام حقيقة أخرى تفرض نفسها وبقوة فهي أن الشيخ محمد بن زايد أصبح من أكثر الشخصيات العربية تأثيراً في السياسات العربية والإقليمية والدولية، لما يلعبه من دور بارز على الصعيد العربي في حماية الأمن القومي العربي. ولذلك كان لا بد لتجربة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن تجد من يتربص بها، وأصبح بعضهم يمنّي النفس واهما بفشلها، لأنها تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق أحلامه الشيطانية.
هذه بعض الأسباب وليست كلها التي جعلت تجربة الشيخ محمد بن زايد تقف حجر عثرة أمام تنفيذ كثير من المخططات الشيطانية في المنطقة وأمام محاولات نشر الفوضى وتقويض استقرار دول المنطقة وزعزعة أمنها وترويع شعوبها
أسباب عديدة تلك التي جعلت من تجربة الشيخ محمد مصدرا لإلهام كثير من القادة ومحل إعجاب كثير من الشعوب حول العالم، وهي نفسها الأسباب التي جعلت تلك التجربة الفريدة محل تربص ممن يقامرون بمستقبل شعوبهم ويحولون بين مواطنيهم وسبل التقدم والنجاح، وها هي بعض الأسباب:
أولا: جعل الشيخ محمد بن زايد من نشر التسامح والإصرار على التعايش الإنساني قدرا لأبوظبي، وحوّل الإمارات إلى نموذج مثالي للمجتمع المتعدد الذي تتعايش على أرضه جميع الديانات والجنسيات والأعراق في انسجام كامل ووئام تام وسلام دون أي منغصات. ففي الإمارات تلتقي حضارات الشرق والغرب وتتعانق جميع الديانات، فلا يلحظ الزائر للإمارات وجود أي فارق بين مواطن أو وافد أو بين عربي وغير عربي أو تمييز أتباع ديانة معينة على أتباع غيرها أو جنسية بعينها على ما عداها، فالجميع أمام القانون سواء. والفضل في ذلك يعود إلى ما اتبعته الإمارات من سياسات في هذا الشأن ترجمت في كثير من القوانين والقرارات والإجراءات التي آتت أكلها ورسخت نهجا في إدارة التنوع أصبح مسجلا باسم الإمارات.
لم يسعَ الشيخ محمد بن زايد في تعاطيه مع فضيلة التسامح إلى ترسيخها محليا والاكتفاء بإرسائها داخل حدود الإمارات وزرعها بين قاطنيها، بل سعى جاهدا إلى نشر هذه القيمة الكبيرة في ربوع المنطقة العربية وبقية دول العالم، استشعارا لحقيقة أنه لا يمكن العيش بأمان واستقرار في ظل محيط مضطرب، وكان هذا أحد منطلقات سعي الشيخ محمد بن زايد لنشر قيمة التسامح إقليميا ودوليا وتعميم تجربة الإمارات، وحرصه على أن تخرج هذه التجربة من نطاقها المحلي الناجح إلى آفاق أرحب وأوسع. وهنا كان طبيعيا أن تكون الإمارات أكثر دول المنطقة امتلاكا لمؤسسات وهيئات تسعى لنشر قيم التسامح والتعايش، وأكثرها استضافة لأحداث وفعاليات تنشد تعزيز هذه الفضائل بما جعلها -عن حق- عاصمة عالمية للسلام والتسامح، ولعل من أبرز المؤسسات هنا "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، ومجلس حكماء المسلمين، والمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
لقد أصبحت أبوظبي قبلة لكل من يدعو إلى السلام والتسامح والوئام، فلا أحد ينسى الزيارة التاريخية لبابا الكنيسة الكاثوليكية الذي اختار أبوظبي دون غيرها في فبراير/شباط الماضي لتكون بوابته إلى دول المنطقة وشعوبها، في زيارة هي الأولى من نوعها لأسقف روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية وسيد دولة الفاتيكان إلى منطقة الخليج العربي، وقرر البابا السادس والستون بعد المائتين أن تكون أبوظبي هي أول مدينة خليجية تطأها قدما الحبر الأعظم، واختار أن تكون الإمارات هي الدولة التي تحظى بشرف الزيارة الأولى لخليفة القديس بطرس للجزيرة العربية. ولا شك أن هذا الاختيار لم يكن وليد الصدفة ولم يأتِ من فراغ فالرسالة واحدة والهدف واحد.
ثانيا: أرسى الشيخ محمد بن زايد دعائم تجربة إماراتية فريدة في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تستند إلى ركيزتين أساسيتين؛ الأولى هي الرؤية التي تنطلق منها جهود الشيخ محمد في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف والنظرة للإرهاب على أنه تهديد لأمن واستقرار محيطها الإقليمي القريب ومحيطها الدولي، الذي وإن بدا أبعد جغرافيًّا إلا أنه وثيق الصلة بها والتأثير عليها والتأثر بها، وبما تتخذه من قرارات وإجراءات وبما ترسمه من سياسات.
وبالتالي فإن الرؤية الإماراتية هنا قائمة على أن انتفاء خطر الإرهاب والتطرف داخل حدودها أو عدم وجود تهديد آني عليها لا يعني عدم وجود تهديد مستقبلي، وبالتالي لا يستدعي ذلك انتفاء دورها في مواجهة هذه الشرور. وهنا تنطلق الإمارات من قناعة رئيسية تتمثل في أنه وإن تلاشى الخطر المباشر للإرهاب عليها آنيّا أو حتى مستقبلا، فإنه لا يمكنها أن تعيش مستقرة في ظل محيط غير مستقر يعاني من ويلات الإرهاب والتطرف.
أما الركيزة الثانية، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالركيزة الأولى ونتيجة طبيعية لها، فتتمثل في أن مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب أصبحت على رأس أولويات صناع القرار في دولة الإمارات ومحركا أساسيا لسياستها الخارجية، وليس فقط لسياساتها الداخلية، ما يعكس رؤية وإرادة إماراتية قَلَّ نظيرها للتصدي لهذه الظاهرة وتخليص العالم منها، وصناعة مستقبل أفضل للشعوب محصن من خطر الإرهاب وآفة التطرف، وهو الأمر الذي تجلى فيما قام به من جهود صادقة خلال العالم المنصرم في الجهود التي يقوم بها الشيخ محمد بن زايد في إحلال السلام وإنهاء حالة الانقسام التي كانت تعرقل كل جهود التسوية في أفغانستان، والدور المحوري الذي لعبه في فض النزاع التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا، والذي دام نحو عقدين من الزمان. وفي إطار جهود المواجهة الفكرية للتطرف أيضا كانت توجهات الشيخ محمد بن زايد سببا في أن تكون الإمارات أكثر دول المنطقة جرأة في التصدي لتجديد الخطاب الديني، وكان شعبها الأكثر انضباطا في تعامله مع المسألة الدينية، لذا لم تشهد أي موجات من التطرف العنيف أو الإرهاب، يضاف إلى ذلك تصديها الفوري والحاسم لأي محاولات لتسييس الدين أو تأويل النصوص الدينية.
ثالثا: وقف الشيخ محمد بن زايد كحائط صد ضد جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ولعب دورا جوهريا في إفساد مخططاتها للاستيلاء على الحكم عنوة تحت شعارات زائفة في أكثر من دولة عربية، فوقف بصرامة وحزم وحسم سيذكره التاريخ ضد مخططاتهم، ونذر نفسه للقضاء على إرهابهم بكل فروعهم وبمختلف مسمياتهم أيا كانت أماكن تواجدهم، فبعد حربه عليهم وعلى فكرهم المتطرف داخل الإمارات؛ امتدت حربه عليهم إلى خارج حدود الإمارات أينما وجدوا لشل حركتهم وفضح أساليبهم وأطماعهم ومن يقف خلفهم ويمولهم، فلا أحد ينسى من المصريين فضل الشيخ محمد بن زايد في دعمه البلاد ضد حكم جماعة الإخوان الإرهابية وتأييده الكامل والمستمر للشعب المصري في تنفيذ خارطة الطريق، التي أعلنتها القوات المسلحة بمشاركة القوى السياسية والدينية في يوليو/تموز 2013.
رابعا: الدور التاريخي للشيخ محمد بن زايد في التصدي لمشروع الهيمنة الإيراني ومحاولات طهران، فلا أحد ينسى جهوده في تنسيق الموقف العربي الداعم للجهود الدولية في تصديها لطموحات إيران التوسعية في المنطقة وحصار أنشطتها الخبيثة المثيرة للفتن والمزعزعة للاستقرار، وتقليم أظافر وأذرعها الطائفية ومليشياتها المسلحة ووكلائها في الإقليم، وهنا كان دعم الموقف الأمريكي بالانسحاب من الصفقة النووية المثيرة للريبة مع إيران، ودعم العقوبات الأمريكية عليها، كما كانت أيضا المشاركة الإماراتية الفاعلة في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي حقق في العام المنصرم إنجازات ميدانية ملموسة وضغوطاً عسكرية كبيرة.
خامسا: لعب الشيخ محمد بن زايد دورا محوريا في بناء الدولة الوطنية في الإمارات وفي تدعيم أسس اتحاد الإمارات، وفي تعزيز النموذج الإماراتي الملهم عربياً ودولياً، فالإمارات على الرغم من أنها أحدث الدول العربية نشأة فإنها أكثرها إنجازاً وتقدماً، واستطاعت في زمن قياسي أن تتبوأ مكانة لا يضاهيها فيها أحد عربياً ولا شرق أوسطياً، مكانة تستند بقوة على منجزات ملموسة حققتها الإمارات على المستويات كافة محلياً وإقليماً ودولياً، بفضل حكمة قيادتها ورؤيتها الثاقبة والسير على نهج وخطى مؤسسها. ولا شك أن هذه الرؤية تتجلى سنوياً في العديد من المؤشرات الدولية التي تأتي الإمارات على قمتها، والتي كان أبرزها وأكثرها دلالة هو ما تواكب الإعلان عنه مع الذكرى السابعة والأربعين لتأسيس اتحاد الإمارات، والمتمثل في حلول جواز السفر الإماراتي منفرداً في المرتبة الأولى عالمياً في أحدث تصنيف لقوة جوازات السفر، وفقاً للمؤشر العالمي "باسبورت إندكس"، في ترجمة مباشرة لما تتمتع به الإمارات من مكانة وتأثير وتقدير على الساحتين الدولية والإقليمية، بعد أن أصبحت واحدة من أكثر دول العالم إبداعاً في مجال التكنولوجيا والتعليم والصحة والبنية التحتية.
هذه بعض الأسباب وليست كلها التي جعلت تجربة الشيخ محمد بن زايد تقف حجر عثرة أمام تنفيذ كثير من المخططات الشيطانية في المنطقة وأمام محاولات نشر الفوضى وتقويض استقرار دول المنطقة وزعزعة أمنها وترويع شعوبها، لذا ليس غريبا أن تنطلق بين الفينة والأخرى بعض الأصوات الشاذة التي تحاول استهداف رمز الإمارات والعرب بعد أن كشف مخططاتها وأحبط أحلامها، فبقدر الألم يكون الصراخ والعويل.
في النهاية تبقى كلمة لسيدي سمو الشيخ محمد بن زايد.. سر في طريقك سيدي واستكمل مسيرتك ونفذ رؤيتك ولا تلتفت وراءك، فنحن جنودك دائماً مستعدون.. ولا عزاء للإخوان وطيور الظلام وتجار الدماء ومن يقف خلفهم ومن يمولهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة