العلاقات الإماراتية المصرية.. نموذج يُحتذى لشراكة استراتيجية مستدامة
تستند العلاقات الإماراتية المصرية إلى أسس وقواعد صلبة أسهمت في استمراريتها بنسق متصاعد طوال العقود الخمسة الماضية.
لقد بلغت اليوم العلاقات الإماراتية المصرية مرحلة الشراكة الاستراتيجية الراسخة والعصية على كل المتغيرات والتحديات من حولها.
وتعد الانطلاقة القوية التي شهدتها المرحلة التأسيسية لعلاقة البلدين أحد أهم أسرار النجاح الذي حققته هذه العلاقة على الصعد كافة بفضل التوجيهات الحكيمة والجهود الدؤوبة والنية الصادقة للقيادات المتعاقبة في كلا البلدين في أن تغدو العلاقات الإماراتية المصرية نموذجًا يحتذى على الصعيدين العربي والعالمي.
وبمناسبة الاحتفالية الكبرى التي تنظمها حكومتا دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية غدا الأربعاء 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022 للاحتفاء بمرور 50 عاما على العلاقات الثنائية تحت عنوان "الإمارات ومصر قلب واحد" يستعرض التقرير الآتي بعض جوانب هذه العلاقات في مراحلها الأولى لا سيما في حقبة السبعينيات من القرن الماضي التي تفسر وقائعها وأرقامها سر متانة هذه العلاقة ووصولها إلى ما هي عليه الآن من صلابة وتلاحم وتكامل يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين.
علاقات اقتصادية مزدهرة
وقد تميزت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ومصر منذ البداية بمستوى عالٍ من التنسيق والتعاون، وهو ما تم تجسيده على أرض الواقع عبر عدة أشكال من التبادل التجاري والاستثمارات والمشاريع المشتركة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والتصنيع والملاحة البحرية والنقل وغيرها من القطاعات.
وساهمت عملية التبادل التجاري في دعم التكامل الاقتصادي بين البلدين، وفي عام 1978 احتلت مصر المركز الثاني في إجمالي تجارة الإمارات مع الدول العربية، وقد جاء النفط في طليعة السلع الإماراتية المصدرة إلى مصر إلى جانب أنواع من الأجهزة الكهربائية على شكل إعادة تصدير، أما على صعيد الواردات الإماراتية من مصر فإنها تركزت على استيراد الخضراوات والفاكهة والأرز والأزهار، إضافة إلى الألبسة والأحذية.
وشكل الدعم الإماراتي لعجلة التنمية في مصر عاملا رئيسيا في تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، وفي هذا المجال يبرز الدور الرئيسي لـ"صندوق أبوظبي للتنمية" في تنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية في قطاعات متنوعة بمصر، حيث ساهم الصندوق في عام 1974 بتمويل إعادة فتح قناة السويس “المرحلة الأولى”، مما عزز بشكل ملموس من الحركة التجارية والكفاءة التشغيلية للقناة، كما قدم الصندوق قرضا لتمويل مشروع مصنع سماد طلخا لإنتاج سماد اليوريا بطاقة اجمالية تبلغ 249 ألف طن سنويا أسهمت في تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من الأسمدة النيتروجينية، وفي نفس العام أيضا قدم الصندوق قرضا لدعم القطاع السياحي المصري تمثل بمشروع ترميم وإعادة تأهيل فندق عمر الخيام.
شراكة استراتيجية بقطاعات حيوية
وموَّل الصندوق في عام 1975 إنشاء محطة كهرباء أبي قير بقيمة 128 مليون درهم، وعمل المشروع على تأمين الإمدادات الكهربائية للمصانع القائمة في المنطقة الصناعية في الإسكندرية وأبوقير، وتوفير متطلبات المنشآت الصناعية الجديدة، وتضمن المشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالطريقة البخارية تبلغ سعتهما 30 ميجا وات، إضافة إلى وحدتين لتوليد البخار باستخدام الغاز الطبيعي.
وفي عام 1977 ساهم الصندوق في تطوير قناة السويس “المرحلة الثانية”، وجاء مشروع تطوير قناة السويس لاستكمال عملية توسعة القناة وتأهيلها بحيث تكون أكثر قدرة وفاعلية على استقبال سفن الشحن العملاقة واختصار المدة الزمنية في عبور القناة.
وإلى جانب ذلك ساهمت الإمارات في عام 1974 بمبلغ 300 مليون دولار على مدى 3 سنوات متتالية لتعمير مدن قناة السويس التي هدمتها الحرب، وافتتح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" في العام 1976 مدينة الشيخ زايد بالإسماعيلية.
وفي المقابل لعبت الخبرات الفنية والعمالة المصرية دورا مؤثرا في مسيرة التنمية التي انطلقت في الإمارات منذ عام 1971، وبلغ عدد العاملين المصريين في الإمارات سنة 1975 ما يقارب 12500 أي ما يعادل 2،3 بالمئة من نسبتهم في الخارج آنذاك، ليرتفع العدد في السنة اللاحقة ليصل إلى ما يقارب 22000 في العام 1980 بنسبة زيادة بلغت نحو 80 بالمئة.
وحرصت دولة الإمارات في تلك الحقبة الزمنية على الاستفادة من الخبرات المصرية في العديد من القطاعات الاقتصادية ومنها على سبيل المثال قطاع الملاحة البحرية، حيث استأجرت سنة 1972 القاطرة "حوت" التابعة لهيئة قناة السويس المصرية؛ للعمل في ميناء أبوظبي وقد قام الخبراء المصريون على متن القاطرة بتدريب عدد من البحارة الإماراتيين على قيادة القاطرات البحرية، ولزيادة تبادل الخبرات في هذا المجال انضم البلدان إلى اتفاقية تأسيس "الأكاديمية العربية للنقل البحري" سنة 1975.
ويعد قطاع الزراعة والثروة الحيوانية من أهم القطاعات الاقتصادية التي سعت الإمارات للنهوض به بالاعتماد على الخبرات المصرية، وفي سبيل ذلك أبرمت الإمارات مع الجانب المصري اتفاقية للتعاون الفني العلمي في مجال الزراعة سنة 1973 شملت استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج المياه الجوفية واستغلال الثروة السمكية والتنمية.